الوقت- كثير منا قرأ أو سمع عن حرية الرأي و التعبير التي صانها الدستور الفرنسي حتى أصبحت شعارا للحكومات الفرنسية التي تعاقبت بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، حرية الرأي و التعبير تلك لم تبق ضمن حدود الدولة الفرنسية بل نقلها الاستعمار الفرنسي الى الدول التي احتلها و ارتكب المجازر ضد أهلها و كرسها أيضا في دستور هذه الدول بعد أن قسمها حسب مصالحه الاستعمارية و لضمان هيمنته على هذه الدول بعد الانسحاب منها.
قد يقول أحدهم ان الاساءة الى الأديان أمرا ليس مقبولا انما ما يجعلنا مكبلين هو أن حرية التعبير في فرنسا مطلقة ضمنها القانون الفرنسي. كلا الأمر ليس كذلك، انها حرية مشروطة بأمرين: من هو الذي يعبر عن رأيه، و الى من يوجه نقده أو اساءته.
كلنا يتذكر حادثة شارلي ايبدو التي هزت فرنسا في 7 يناير 2015 و صورة قادة العالم و الزعماء العرب الذين يخشون حتى سماع كلمة "حرية" كيف اصطفوا في المسيرة المتضامنة مع المجلة المستهدفة و الضحايا الذين سقطوا، مع ما تبع تلك الأحداث من تصريحات منددة بالارهاب و داعمة لحرية التعبير، فتحولت تلك الحادثة بكل بساطة الى حدث عالمي بامتياز قامت له الدنيا و لم تقعد.
و لكن هل سمع أحد أو قرأ عن محاكمة رسام كاريكاتوري أو الغاء لعرض مسرحي أو منع نشر أحد المقالات المعادية لليهود أو المنتقدة للمسيحية؟ طبعا لا، فمثل تلك الأمور لا تظهر الى العلن، بل تمنع جمهورية الحريات بنشرها و التداول بها، فتلك التصريحات تتجاوز بنظرهم حدود حرية التعبير، ليس كلام عاطفي الذي ذكر ففي فرنسا انكار المحرقة اليهودية مثلا يعتبر جرما يحاكم عليه صاحبه، كذلك انتقاد الدين المسيحي أو اليهودي هو معاداة للسامية يمنع التداول به و يحاكم صاحبه. ( مع الاشارة الى عدم موافقتنا كمسلمين للتعرض الى أي دين سماوي)
و الأحداث التي حصلت في فرنسا قبل و بعد الهجوم على مجلة شارلي ايبدو توضح ازدواجية المعايير في التعاطي مع مسألة حرية التعبير فمثلا:
مجلّة «هاري- كاري» الساخرة توقفّت عن الصدور بتاتا بعد ان سخرت من الزعيم الفرنسي شارل ديغول و طريقة موته.
في عام 2005، حكمت محكمة فرنسيّة لمصلحة الكنيسة الفرنسيّة التي اعترضت على إعلان لشركة ملبوسات على صورة «العشاء الأخير» وظهر فيه المسيح بشخص امرأة. جاء في القرار إن الإعلان «عمل غير مُبرَّر وعدواني ومهين لمعتقدات الناس العميقة».
المحاكم الفرنسية تجرم إنكار المحرقة النازية لكنها لا تجرم إنكار المجازر ضد الأرمن.
وفي العام الماضي، منع وزير الداخلية الفرنسي حفلات للكوميدي الفرنسي من أصل كاميروني «ديودوني مبالا» لأنه بحسب الوزير «لم يعد كوميديّاً» ولأنه «عنصري ومعاد لليهود». هو ليس "كشارلي". و من ثلة المتحفظين، على أعمال "ديودونيه"، الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذِي طلب من ممثلي الدولة، ومسؤولي البلديات، في فرنسا، أن يحترسوا، وألا يذروا أي شخصٍ يستغل العرض الكوميدي كي يحرض ويروج لأفكار تعادي السامية".
في عام 2013، قاضى اتحاد الطلاّب اليهود موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بسبب تغريدات اعتبروها معادية للسامية، وفازوا بالحكم الذي جاء لمصلحتهم.
القول إنّ حريّة التعبير هي مطلقة في فرنسا.لا، ليس هناك حرية تعبير في فرنسا، ومن حق المرء أن يسأل لماذا يجرم إنكار المحرقة ولا يجرم إنكار النكبة الفلسطينية أو اهانة الإسلام ونبيّه محمد صلى الله عليه و آله و سلم. وقد وصف جاك شيراك نشر الصور المسيئة للاسلام عام 2006 بأنها «استفزاز مقصود». وهناك من ينصح المسلمين باللجوء إلى المحاكم، لكن المحاكم الفرنسية لم تحكم مرة واحدة لمصلحة معتقدات المسلمين بل حكمت دائما لصالح الأديان الأخرى عندما تم الاساءة لها، و مع أن الدين الاسلامي ضد الاساءة لأي من الأديان السماوية و رموزها لكن يتضح يوما بعد يوم أن حرية التعبير ما هي الا حجة واهية يستخدمها أعداء الحرية و الاسلام لاستكمال نشر "الاسلاموفوبيا" و ربط الاسلام بالارهاب و المنظمات الارهابية التي صنعوها هم بأنفسهم خدمة لمشاريعم الدنيئة، مما يؤكد ضرورة الوعي و التنبه لهذه الأفكار و المخططات لمحاربتها ثقافيا، فيكفي ايصال مفهوم الرحمة و التسامح الذي حث عليه الاسلام المحمدي الأصيل لكي يعلم العالم أجمع أن لا صلة لكل العنف و الارهاب بهذا الدين الالهي العظيم.