الوقت- رفع الكيان الإسرائيلي مؤخراً من مستوى إهتمامه بإثيوبيا لسبيين أساسيين؛ الأول يتعلق بمشروع بناء سدّ النهضة الذي سيؤثر دون شك على أمن مصر من ناحية تأمين المصادر المائية، والثاني إستقطاب المزيد من "يهود الفلاشا"* ونقلهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تم في الآونة الأخيرة نقل 64 من الفلاشا كدفعة أولى من وجبة يصل تعدادها إلى 1300 شخص، وهي أول مجموعة من الإثيوبيين غير المعترف بهم كيهود تصل إلى كيان الاحتلال منذ ثلاث سنوات، ومن المقرر أن يرتفع العدد إلى 9000 خلال السنوات الخمس القادمة.
ورغم عدم إنطباق شروط الهجرة على "الفلاشا" لكن يتم إستقطابهم باعتبارهم يهود. وقال المتحدث باسم الوكالة اليهودية "يغال بالمور" إنّ "الإثيوبيين الـ 64 لا يستوفون المعايير المنصوص عليها في قانون العودة الذي يسمح لكل يهودي بالاستقرار في الكيان الإسرائيلي، إلاّ أن لديهم أفراداً من عوائلهم يقيمون داخل هذا الكيان، ولهذا يتم إستيعابهم بدعوى لمّ الشمل".
كما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية أنه سيتم إستيعاب أبناء الفلاشا في مراكز مخصصة، وسيمرّون بإجراءات إعتناق اليهودية، حيث إنهم ينتمون لأسر من أصل يهودي تحولت إلى المسيحية، ومع إنتهاء عملية إعتناق اليهودية، سيحصل المهاجرون على ما يسمى "المواطنة الإسرائيلية"، وحتى ذلك الحين سيتم الاعتراف بهم كمقيمين.
ويعيش أكثر من 135 ألف إثيوبي يهودي في "إسرائيل" التي هاجروا إليها عبر موجتين عامي 1984 و1991. إلاّ أنهم يجدون صعوبة في الاندماج بالمجتمع الإسرائيلي. وأظهر إستطلاع للرأي أجرته وزارة "إستيعاب المهاجرين" أن 50% من الإسرائيليين يعتقدون بأن موجات الهجرة أضرت بهم وساهمت في تفاقم الجريمة في أوساطهم. كما يعتقد 62% من المشاركين في الاستطلاع أن المهاجرين الجدد ساهموا في زيادة تعاطي الكحول في أوساط الشباب اليهود، فيما ذكر 33% من المشاركين إن المهاجرين يزيدون من صعوبة الأوضاع على المهاجرين القدامى في إيجاد مكان للسكن والعمل. وأشارت نتائج الاستطلاع أيضاً إلى أن 60% من الجيل الأول من الفلاشا قالوا إنهم لا يفهمون عَمَّ يبحث المهاجرون الجدد في إسرائيل.
ولا ريب في أن "الهجرة المعاكسة" باتت تؤرق سلطات الکيان الإسرائيلي بشكل أكبر من السابق، خصوصاً بعد تناميها في السنوات الأخيرة حيث باتت تشكل مصدر قلق للمؤسسة الإسرائيلية لاحتمال تنامي ما تراه خطراً ديموغرافياً فلسطينياً، وهذا ما دفعها مؤخراً لتعزيز إستقطاب يهود "الفلاشا" من أثيوبيا.
وكثيراً ما شهد "الإثيوبيون" في الكيان الإسرائيلي حالات تعامل عنصري من قبل السلطات والمجتمع معاً، وكل ذلك بسبب لون بشرتهم والمكان الذي جاؤوا منه.
ويواجه يهود الفلاشا الكثير من مظاهر العداء داخل إسرائيل مثل رفض إسكانهم في مناطق معينة، فضلاً عن منعهم من تطبيق الشعائر الدينية الخاصة بهم. وبات الإستهزاء من الإثيوبي الذي يطلق عليه الإسرائيليون إسم (الكوشيم أي الأسود) أمراً معتاداً في الشارع الإسرائيلي.
ويتم تهجير يهود الفلاشا إلى إسرائيل للعمل في وظائف متدنية مثل كنس الشوارع وتنظيف دورات المياه، كما يتم التعامل معهم على أنهم مستوطنون من الدرجة الثالثة.
وحصل الانفتاح الإسرائيلي على إثيوبيا بوتيرة متزايدة بعد إعلان الأخيرة عن بناء سدّ النهضة مطلع عام 2011. وكان الدافع الأكبر للصهاينة لتوسيع هذه العلاقات هو التعويض عن فشلهم في الوصول لمياه النيل عبر مشروع "ترعة السلام" في أسفل النهر والتي كانت تصل إلى صحراء النقب بسبب رفض الشعب المصري لذلك.
ومنذ ذلك الحين راحت تل أبيب ترسل شركاتها لإقامة إستثمارات ضخمة في إثيوبيا، وانتقلت إلى العمل المباشر بإجراء أبحاث تستهدف إقامة مشاريع للري على النيل تستنزف 7 مليار متر مكعب أو 20% من وارد النيل إلى مصر. وعندما إكتمل المخطط الصهيوني مع حكّام إثيوبيا بدأ اللعب بهذه الورقة الخطيرة عبر سلسلة من الاتصالات للضغط على مصر والسودان لاسيّما وإنّ إثيوبيا تسيطر على أكثر من 80% من مياه النيل.
وأثار التقارب الإثيوبي من الكيان الإسرائيلي حالة من القلق بسبب تأثيره على مصالح العديد من الدول الإسلامية بينها مصر والسودان واليمن. ولم يقتصر التعاون الإسرائيلي الإثيوبي على أنشطة بناء السدود وتشييد محطات الكهرباء والاتصالات فقط؛ وإنما أمدت تل أبيب إثيوبيا بالأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر، وقدّمت لها دعماً في المجال الأمني وحرب العصابات، فضلاً عن تدريب الطيارين الإثيوبيين بالقوات الجوية الإسرائيلية، الى جانب تبادل الزيارات بين الطرفين على المستويين السياسي والأمني.
وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا غنية أيضاً بالموارد المعدنية التي تخدم الصناعات الإسرائيلية لاسيّما العسكرية، فضلاً عن معادن الذهب والماس والفضة.
ويرى مراقبون أن الكيان الصهيوني وعلى الرغم من عدم تقبل نسيجه الاجتماعي لليهود الإثيوبيين، إلاّ أنه سيحاول لملمة أوراقه في إثيوبيا، والتي باتت وسيلة مهمة لتحقيق هدفه المعلن الرامي إلى توسيع رقعته الجغرافية ضمن حلمه المعروف "من النيل إلى الفرات". فالإثيوبيون المهاجرون إلى كيان الاحتلال قد يتم الزج بهم في الساحة السياسية الإثيوبية وربما يتم التمهيد لتقلدهم مناصب مرموقة بعد إعتناقهم اليهودية، الأمر الذي يصب في نهاية المطاف بصالح الكيان الصهيوني في تلك الدولة التي سمحت حتى الآن بانتقال أكثر من 135 ألف إثيوبي يهودي إلى هذا الكيان.
خلاصة القول إنّ إثيوبيا قد حظيت باهتمام خاص من كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ لأنها تمتاز بميزات سياسية وجغرافية وعسكرية وأمنية فريدة وسط محيط يموج بالصراعات، ومازال يواجه أنماطاً عديدة من الأزمات؛ ما يجعلها المفتاح للتغلغل الإسرائيلي في عموم القارة الأفريقية.
--------------------------------------------------------------------------------
* الفلاشا أو (يهود إثيوبيا) أقلية تعرف باسم (الفلاشا مورا) التي تعني بالعبرية (الهائم على وجهه) لكنهم لا يتكلمون العبرية، ومركزهم الرئيس إقليم أمهرا وتحديداً مدينة (غوندار) في شمال شرق إثيوبيا.