الوقت- بعد الانتصارات المتعاقبة التي حققتها القوات العراقية على تنظيم داعش الارهابي خلال الأيام الماضية، وطرد التنظيم الارهابي من مدينة القيارة وجزيرة الخالدية، وتكبيده خسائر كبير في الأرواح والعتاد، أصبحت معركة تحرير الموصل قاب قوسين أو أدنى، حيث تجري التحضيرات لخوض "أم المعارك" مع داعش، تمهيداً لطرده من محافظة نينوى ومدينة الموصل آخر وأهم معقل له على الأراضي العراقية.
في هذه الأثناء ما تزال بعض الأصوات داخل العراق وخارجه تثير قضية هوية القوات التي ستشارك في معركة تحرير الموصل، والدور الذي سيٌناط إليها، وسط مساعي أمريكية لاستلام زمام قيادة العمليات، وفرض أراداتها على هوية الفصائل والقوات الأمنية المشاركة فيها.
وقد حاولت قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، فرض فيتو على مشاركة قوات الحشد الشعبي بشكل خاص في عمليات تحرير نينوى، وتزامنت هذه المحاولات مع تحريضات اعلامية لتخويف مكونات الشعب العراقي بعضها من بعض عزفاً على الوتر الطائفي وتحذيراً من اصطدامات محتملة بين مكونات القوات العراقية المشاركة في المعركة المرتقبة.
وخلافاً للأرادة الأمريكية، وافق مجلس الأمن الوطنيّ العراقي في ٣١ تمّوز/يوليو بشكل رسمي على مشاركة الحشد في عمليّة تحرير الموصل، كما أكد وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في 12 اغسطس/آب، عدم وجود شيء يمنع مشاركة الحشد الشعبي في عمليات تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش.
فأمريكا التي تحاول أن تحظى بدور محوري في معركة الموصل، تريد أن توظف الانجاز لتسجيل أكبر قدر من النقاط في جعبة المصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية في العراق، وفي الوقت نفسه تحاول أيجاد العراقيل أمام مشاركة القوى التي أثبتت فاعليتها في تحرير المدن العراقية من براثن تنظيم داعش الارهابي على مدى السنتين الماضيتين، وذلك في مسعى لرسم الخريطة السياسية العراقية بما يتوائم مع المصالح الأمريكية.
وهنا لابد من التذكير بأن العمليات ضد داعش التي جاءت مع دور محوري لقوات التحالف الأمريكي، كانت أقل فاعلية من تلك التي جاءت بقيادة وتخطيط الحكومة المركزية والتي شاركت فيها القوات العراقية بما فيها الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب والحشد الشعبي وقوات البيشمركة والحشد العشائري. ولا أدل على ذلك من معركة تحرير الرمادي التي رفضت خلالها القوات الأمريكية، مشاركة الحشد الشعبي، واعتمدت بشكل أساسي على غارات طائرات التحالف الدولي.
فبعد تحرير مدينة الرمادي على الطريقة الأمريكية، بلغت نسبة الدمار في المدينة درجة مأساوية، وبالرغم من أن تنظيم داعش لم يحشد في المدينة سوى عدد قليل من قواته، إلا أن المواجهات والقصف الجوي الأمريكي خلّف خسائر فادحة في البنية التحتية للمدينة، وقد اعترف المسؤولون الأمريكيون بعد انجلاء غبار المعركة بأن "النصر الكبير لم يكن يستحق الاحتفال"، وذلك نتيجة تدمير 80 بالمئة من المدينة، حيث تسببت أكثر من 600 غارة للتحالف الأمريكي على الرمادي، بتدمير أكثر من سبعة آلاف وحدة سكنية بشكل كامل، وفق ما أعلن عنه رئيس لجنة الخدمات في مجلس محافظة الانبار "بركات العيساوي"، وأضاف العيساوي أن شبكات توزيع "الماء والكهرباء والمجاري قد دمرت بالكامل وكذلك الطرق الداخلية والفرعية"، وقد قدرت تكلفة إعادة إعمار المدينة المنكوبة بـ 10 مليارات دولار، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للعراق. الأمر الذي فاقم من معاناة سكان المدينة ووضعهم أمام مصاعب إيجاد المسكن إضافة إلى حالة البطالة الناجمة عن الحرب.
أما في معركة تحرير الفلوجة، فقد كانت نسبة الدمار قليلة نسبياً، وذلك بسبب الاعتماد بشكل أساسي على عمليات الاقتحام البرية التي شاركت فيها قوات الحشد الشعبي والحشد العشائري إلى جانب قوات الجيش العراقي، وقد أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى هذا الأمر، في عددها الصادر 27 يونيو/حزيران الماضي، حيث قالت بأن البنى التحتية لمدينة الفلوجة لم تتعرض للدمار في عملية طرد تنظيم داعش كما في الرمادي. وذكرت التايمز في تقريرها، أن "كثير من مباني الفلوجة التي تم تحريرها لم يلحق بها أي تدمير وبضعها استرجع كما هو، عكس ما وقع في معارك تحرير الرمادي وبيجي وتكريت وسنجار، من دمار في البنية التحتية، حسب قول الصحيفة. فيما أعلن وزير الدفاع العراقي أنذاك بأن "نحو 90% من الفلوجة سالمة وصالحة للسكن".
وعدا عن الكلفة الاقتصادية والانسانية الباهظة التي يدفعها العراق نتيجة الاعتماد على قوات التحالف، أيضاً هناك كلفة سياسية وسيادية كبيرة أيضاً، حيث أن أمريكا وضمن سياسة الفوضى الخلاقة التي تنتهجها، لا تريد أن ترى العراق موحداً وقادراً على إدارة شؤونه بعيداً عنها، لذلك فهي تسعى ليكون لها اليد الطولى في إدارة أزمة العراق، وليس حلها. والتأكيد الأمريكي على لعب دور في قيادة عمليات الموصل يهدف للتسلط على مجريات الأمور في العراق بعد الموصل.
إن القوات العراقية بكل مكوناتها قد أثبتت فاعليتها في محاربة داعش، وهي قادرة على الاستغناء عن الدعم الأمريكي، وقيادة عمليات تحرير الموصل وفق تخطيطها وإرادتها. كما أن مشاركة جميع مكونات القوات العراقية بما فيها الحشد الشعبي في العمليات سيكون نقطة تلاقي على الهوية الوطنية العراقية بين جميع أطياف الشعب العراقي، وسيفوّت الفرصة على جميع الداعين إلى التفريق بين أبنائه، خاصة وأن محافظة نينوى تجسد التنوع الاجتماعي العراقي، حيث تضم العرب والكرد والتركمان والشبك من الناحية العرقية؛ ومن الناحية الدينية، تضم المسلمين والمسيحيين والإيزيديين. كما أن مشاركة كل المكونات العراقية في تحرير نينوى سيمنع توظيف الانتصار على داعش لخدمة اجندات سياسية داخلية كانت أو خارجية، ويعزز الوحدة الوطنية.