الوقت- في ظل الطموحات المتناقضة بين الرياض وأنقرة والتي سادت في عهد الملك السعودي الراحل عبد الله، شهدت العلاقات السعودية التركية تدهوراً كبيراً، وصلت الى حد القطيعة بينهما. أما اليوم فيبدو أن تغيراً قد طرأ على هذه العلاقة، بعد وفاة الملك عبد الله. فالملك السعودي الحالي سلمان، والذي كان مسؤول ملف العلاقات السعودية التركية حين كان ولياً للعهد، يسعى اليوم لإعادة الحرارة لهذه العلاقات. فما هي أسباب التقارب بين البلدين، السعودية وتركيا؟
أولاً: سفر الرئيس التركي للسعودية:
نقل موقع "نون بوست" الإخباري عن مصادر دبلوماسية تركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيقوم بزيارة للسعودية نهاية شهر فبراير الجاري، وذلك بعد أيام من زيارة أمير قطر للرياض وأشارت المصادر الى أن أردوغان سيتوجه إلى السعودية مساء يوم السبت 28 فبراير الحالي، وسيزور مكّة المكرمة والمدينة المنورة قبل أن يتوجه بداية شهر مارس المقبل إلى الرياض للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز والمسؤولين السعوديين في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة.
وقالت المصادر الى إنّ الزيارة تهدف إلى توثيق التعاون الثنائي بين البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، والتسريع من وتيرة التعاون والتنسيق المباشر بين البلدين في الملفات الإقليمية المختلفة، بما يتناسب مع حجم التحديات الكبرى وصعود حركات التطرّف المسلحة، وانهيار الدول المجاورة.
ثانياُ: قراءة في أسباب التحول في العلاقة التركية - السعودية:
يمكن تحليل التغيير في تاريخ العلاقة بين تركيا والسعودية على الشكل التالي:
-إن محاولة التقارب بين الدول مصر، قطر والسعودية، جعلت تركيا تشعر وكأنها في عزلةٍ سياسية، وبالخصوص بعد تراجع الدور التركي في المنطقة، في ظل سياسات الرئيس أردوغان. بل يمكن القول أن تراجع دور دول مجلس التعاون في المنطقة وفي مقدمتهم قطر والسعودية، الى جانب تركيا، جعل هذه الدول تسعى للتقارب فيما بينها، لعلها مجتمعةً تساهم في إعادة الدور الذي خسرته نتيجة سياساتها الخاطئة في المنطقة.
-من جهة ثانية، بعد وصول الملك سلمان إلى الحكم في السعودية، تحركت الأمور باتجاه التقارب بين البلدين، وخصوصاً أن سلمان والذي كان مسؤول ملف العلاقات بين الرياض وأنقرة، كان قد نجح في الوصول مع تركيا لعدد من الإتفاقيات العسكرية والتي وقعها خلال زيارته أنقرة في أيار عام 2013. وهذا التوجه، ترجمه أيضاَ، لقاء وزير الداخلية التركي، إفكان ألأ، بولي ولي العهد، محمد بن نايف، في الرياض، حيث بحثا ملفات تهمّ البلدين وسبل تعزيز العلاقات بينهما، كذلك زيارة رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال نجدت أوزال والتي كان قد سبقها، إرسال تركيا السفينة الحربية الوطنية "بويوكادا" إلى ميناء جدة.
-شكل اختلاف وجهات النظر تجاه الملفات السياسية في المنطقة، وبالتحديد السياسة تجاه الإخوان المسلمين، سبباً أساسياً للعلاقات المتوترة بين السعودية وتركيا في الماضي. فسياسة السعودية تجاه مصر والتي تمثلت بدعم السعودية لـ "مصر السيسي"، وما قامت به الرياض من دعمٍ للإطاحة بنظام الإخوان، وهو الأمر الذي اعتبرته أنقرة انقلاباً حينها. أما اليوم ففي ظل الإنهيارات في دول المشرق العربي، تحاول السعودية إعادة العلاقة مع "الإخوان المسلمين"، وهي تعلم أن نجاحها في إدارة ملف العلاقة معهم، تتطلب الى جانب مساندة قطر، والتي تعتبر عرّابة "الإخوان المسلمين" في العالم العربي، مساندة تركيا أيضاَ وهي الحليف القوي لقطر. من هنا، تكمن أهمية زيارة أمير قطر، تميم بن حمد، إلى الرياض، إلى جانب التفاهمات التي جرت في ملفات عدة وكذلك الزيارة المرتقبة لأردوغان.
-تقاطع المصالح التركية السعودية في اليمن، وخصوصاً بعد وصول أنصارالله إلى السلطة في اليمن، وبعد أن تعرّض حزب "الإصلاح" اليمني الإخواني لهزيمةٍ كبرى، تبدو الرياض الوحيدة القادرة على مد الحركة وإعادة إحيائها سياسياً، لكي تستعيد قواها، فتعيد بذلك التوازن السياسي إلى اليمن. من هنا تبدو العلاقة مع تركيا ضرورة، لكونها تحمل لواء الاخوان المسلمين.
-الظروف الإقليمية للسعودية والتي تتمثل بتراجع دورها في المنطقة، وعدم نجاحها في تقليص الدور الإيراني الذي يزداد، في ظل التقارب الإيراني الأمريكي في المفاوضات النووية، كلها أسباب جعلت بالقيادة السعودية الجديدة تعيد النظر في علاقاتها وسياساتها الخارجية. لذلك نجد أن الملك سلمان يضع العلاقات مع أنقرة في أولوياته، وخصوصاً أنه من شأن هذه العلاقات أن تكون مؤثرة في قضايا مهمة للسعودية في دول عدة، مثل العراق وسوريا الى جانب اليمن، وهو سيحاول نسج تحالف تركي - سعودي بغرض تقليص النفوذ الايراني في المنطقة، ولا سيما أنه ما من دولة إقليمية ترغب في رؤية نجاح للاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، وليس الكيان الصهيوني فقط من يراهن على فشل هذه المحادثات. ومن جهةٍ أخرى، لا يزال الرئيس التركي، يطمح إلى تأدية دور إقليمي بارز. مما يجعل من مصلحته التقرب من السعودية التي تريد وضع الإخوان المسلمين تحت تصرفها، الأمر الذي يمكنه أن ينعكس انشقاقاً في صفوف التنظيم، كانت مصر تسعى له. وهنا يجد الرئيس التركي فرصةً له للتفاهم مع السعودية حول هذا الموضوع.
إذاً، إنها المصالح السياسية المشتركة التي تجمع اليوم، خصوم الأمس. فالجميع يبحث عن إعادة دوره وهيبته التي خسرها في ظل رهاناتٍ سياسيةٍ خاطئة. والجميع يتفق أيضاً على ضرورة تقليص دور إيران المتعاظم في المنطقة. في الوقت الذي يسعى سيدهم الأمريكي للتوصل لإتفاقٍ مع إيران حول برنامجها النووي. لذلك تسعى دول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية والى جانبها تركيا لبناء حلفٍ جديد قد يُعيد لهم دورهم في المنطقة. وهنا يبقى السؤال الأبرز: كيف يمكن لحلفٍ جديدٍ يجمع دولاً أثبتت عجزها أن ينجح؟