الوقت - ليس هناك أدنى شك بأن السلطات السعودية تتحمل مسؤولية فاجعة منى التي حصلت في موسم الحج العام الماضي وأدت إلى إستشهاد وجرح وفقدان الآلاف من الحجّاج من مختلف أنحاء العالم، ولكن مع ذلك تبقى هناك مشكلة أساسية تكمن في كيفية إيصال هذه الحقيقة إلى المنظمات الدولية المعنية من أجل إقرارها كي تتحمل السعودية عواقب هذه الفاجعة الأليمة، وتُتخذ بحقها إجراءات رسمية وعمليّة لمعاقبتها حيال هذا التقصير.
فطبقاً للقوانين والأعراف الدولية يجب على كل دولة أن تتعهد بحفظ وحماية أمن وسلامة جميع الأشخاص الوافدين إليها بشكل رسمي من الدول الأخرى، وتمنع هذه القوانين أيّ نوع من أنواع التمييز والإساءة إلى هؤلاء الأشخاص أو الإضرار بممتلكاتهم أو أيّ شيء من هذا القبيل.
بالإضافة إلى ذلك هناك مسؤوليات دينية وأخلاقية يجب التقيد بها أيضاً من قبل الدول التي تستضيف الأشخاص الذين يرومون أداء مناسك شرعية وفي مقدمتها مناسك الحج باعتبارها فريضة إلهية لقوله تعالى "ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين" (سورة آل عمران؛ الآية 97). ولهذا تصبح المسؤولية مضاعفة على السلطات السعودية لحماية الحجّاج وتوفير جميع الوسائل المطلوبة لتأمين راحتهم وحفظهم من أيّ أخطار قد يتعرضون لها بسبب الازدحام أو ما شابه ذلك.
ولكن مما يؤسف له نرى أن ضيوف الرحمن يتعرضون في كل عام تقريباً إلى حوداث مفجعة تودي بحياة الكثير منهم كما حصل أثناء أداء مراسم الحج العام الماضي نتيجة سقوط رافعة بناء عملاقة على رؤوس الحجّاج في داخل الحرم المكي، وكذلك إنعدام النظام وعدم الإنسيابية في نقل الحجّاج من منى إلى عرفات، مما يدلل على وجود تقصير واضح من قبل السلطات السعودية في أداء مسؤولياتهم القانونية والشرعية والأخلاقية تجاه الحجّاج.
والسؤال المطروح هنا هو: كيف يمكن ملاحقة المسؤولين السعوديين الذين تسببوا بهذه الحوادث المؤلمة، وما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذ بحقهم للحيلولة دون تكرار هذه الحوادث المؤسفة؟ لأن من أمِن العقاب أساء الأدب، ومن لم يكن أهلاً لتحمل المسؤولية لا يُتوقع منه أن يكون جديراً بها، ولهذا لابد لكافة دول العالم الإسلامي الإسراع بتشكيل لجنة مشتركة لإدارة شؤون الحج وعدم ترك الحبل على الغارب لآل سعود كي يعبثوا بمقدرات الحجّاج ويسيئوا التصرف في أطهر وأقدس بقاع الأرض وتحديداً في مكة المكرمة والمدينة المنورة، خصوصاً وأن الملايين من المسلمين يتوجهون سنوياً لأداء مناسك الحج.
ومما يؤسف له أيضاً أن المنظمات الدولية المعنية تغض الطرف عن جرائم آل سعود بحق حجّاج بيت الله الحرام في وقت يفترض فيه أن تضطلع هذه المنظمات بمسؤولياتها القانونية من خلال إتخاذ إجراءات صارمة بحق المسؤولين السعوديين المقصرين وتقديمهم للمحاكمة العادلة لينالوا جزاءهم عما إقترفت أيديهم طبقاً للمقررات والمعايير التي نصت عليها المواثيق الدولية ومن بينها قوانين محكمة العدل الدولية الذراع القضائي الأساسي لمنظمة الأمم المتحدة، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية المعنية بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية تعمدت وضع سلسلة من العراقيل لمنع الحجّاج الإيرانيين من أداء مناسك الحج لهذا العام، وهذه العراقيل ليست وليدة اليوم؛ بل هي إمتداد لمساعي الرياض المتواصلة منذ سنوات لتوظيف قضية الحج ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بعد أن فشلت كافة محاولاتها السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية في هذا المجال، ومن المؤسف حقّاً أن يتم تسييس الحج لتحقيق مآرب لا تمت للإسلام والإنسانية بصلة، ومن الأهمية بمكان التأكيد هنا على ضرورة حفظ الجوانب المعنوية والعبادية للحج وعدم الإساءة لهذه الفريضة المقدسة والحيلولة دون إستغلالها لتصفية حسابات سياسية سواء مع إيران أو غيرها من الدول الإسلامية.