الوقت- ساد التوتر في جبال القلمون، والذي بدأ ليل الأحد الفائت، بعد تصفية أمير "داعش" أبي عائشة البانياسي في منطقة وادي ميرا من قبل مجموعات معارضة له ضمن تنظيم داعش الإرهابي. وكان البانياسي قد عُين في منصبه في الشهر الأول من العام الحالي. إذاً، لقد بدأت تخرج للعلن الخلافات بين صفوف تنظيم داعش الإرهابي، والتي انتهت بعزل البانياسي قتلاً، ولأول مرة، يقوم تنظيم داعش الإرهابي بعزل أميره قتلاً. فما هي حال الخلافات غير العادية التي تجري داخل التنظيمات الإرهابية، والتي تطلق على نفسها إسم المعارضة الإسلامية؟ وماذا جرى في القلمون أخيراً؟
أولاً: الخلافات داخل التنظيمات الإرهابية:
إن المواجهة العنيفة التي تجري بين عناصر التنظيمات الإرهابية التي تطلق على نفسها إسم التنظيمات الإسلامية، ليست أمراً عادياً. فبيان منظمة القاعدة الأخير والذي عبرت فيه عن تنكرها من أفعال تنظيم داعش الإرهابي، ليس لأنها رأت بشاعة أفعال داعش، بل لأن كل منظمةٍ تسعى للسيطرة على الأخرى، بل إنه يمكن وصف الحالة اليوم، بأن هناك مجموعةٌ متشرذمة من المنظمات التي تدعي أنها إسلامية، تسعى للقضاء على بعضها البعض، في صراعٍ داخلي على السلطة. وفي مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي.
لقد بدأت المواجهة العلنية هذه، بين أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي المركزي، وبين أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، عندما أعلن تنظيم داعش الإرهابي أخيراً، في نيسان 2013 عن تشكيل تنظيم داعش الإرهابي، كمنظمة موحدة تجمع، بين ما يسمى "الدولة الاسلامية في العراق" و "جبهة النصرة في سوريا" دون تنسيق هذه الخطوة مع الظواهري أو الجولاني قائد المنظمة السورية. فما كان من قائد جبهة النصرة حينها إلا أن رفض إعلان الوحدة وبالتوازي أعلن عن ولائه للظواهري كقائده الأعلى.
الظواهري، والذي حاول تثبيت مكانته العليا كمرجعيةٍ في ما يسمى الجهاد العالمي، فحاول التوسط بين الرجلين والإبقاء على وحدة الصفوف. محاولاً منع التشرذم والتفكك بين هذه المنظمات ودخولها في صراع على السلطة، إقترح الظواهري، بأن على كل منظمة، العمل في بلاد مستقرها، مما يعني البغدادي في العراق والجولاني في سوريا. فما كان من البغدادي، إلا أن اتخذ خطواتٍ عملية لتنفيذ إعلانه العمل تحت قيادته في الدولتين، فشددت المنظمة نشاطها في العراق وسيطرت على بلدات في الشمال وفي الشمال الشرقي من سوريا. وحينها أخذ الصراع على السلطة والسعي لبسط النفوذ، يزداد ويكبر.
ثانياً: آخر أشكال الخلاف الداخلية: تصفية تنظيم داعش الإرهابي لأميره في القلمون:
عادةً ما كانت الخلافات ضمن صفوف تنظيم داعش الإرهابي تؤدي إلى عزل أميرها، أما أن تؤدي الى قتله فهو أمر جديدٌ، يدل على حجم الخلافات الموجودة والسعي للسلطة داخل التنظيم. قام تنظيم داعش بتصفية أميره أبو عائشة البانياسي، نهار السبت الماضي في القلمون. والسبب كما تناقلت وسائل الإعلام، التصادم بينه وبين "القاضي الشرعي" للتنظيم أبي الوليد المقدسي. في الوقت الذي قامت فيه باعتقال المقدسي للتحقيق في القضية.
وكانت قد تحدثت التقارير عن هشاشة الوضع الداخلي الذي، يعاني منه تنظيم داعش الإرهابي. وكان تجلى ذلك وبشكل كبير في القلمون، مما أدى لعزل الأمير السابق أبي الهدى التلي وتعيين البانياسي مكانه. وأكدت التقارير آنذاك المعلومات التي صرح بها أحد أعضاء الفريق الإعلامي لـ "تنظيم داعش الإرهابي في القلمون"، حيث أشار الى أن تعيين البانياسي لم ينه المشكلة، وأنه يتوقع عزله في أي وقت. وقد وصف الوضع حينها بصورة سوداوية، حيث وصفه بـ "أزمة نفاق" وأن "الخلافات ليست بين أشخاص، بل أعمق من ذلك".
وتتمحور الخلافات حول الموقف من "جبهة النصرة الإرهابية"، خصوصاً بعد وصول أبي الوليد المقدسي، وإصداره بياناً يقضي بتكفيرها واتهامها بالخيانة والغدر، الأمر الذي رفضه عدد من قيادات تنظيم داعش الإرهابي، ورفضوا الانسياق فيه وراء المقدسي، وهو ما أدّى بالنتيجة إلى انقسامهم إلى تيارين، والدخول في صراع محتدم بينهما. وكان أبو الهدى التلّي أول من دفع ثمن هذا الصراع، وذلك بعد تقديمه الإعتذار إلى زعيم "جبهة النصرة في القلمون" أبي مالك التلي عمّا ورد في بيان التكفير الذي أصدره المقدسي، حيث عُزِل من منصبه وجاء البانياسي ليحل محله. وتشير المعلومات إلى أن المقدسي نفسه هو من رشّح البانياسي ليتولى منصب «الأمير»، معتمداً على صمته وعدم خوضه في الجدل الدائر حول النصرة، ما دفعه إلى الظن أنه قد يكون أفضل الموجودين لتولي الأمر بسبب سهولة إقناعه والتأثير عليه. لكن المقدسي فوجئ بأن البانياسي لم يكن مختلفاً عن سلفه، حيث رفض موضوع تكفير النصرة وزعيمها، وامتنع عن اتخاذ أي إجراءات تصعيدية ضدها، الأمر الذي أغضب المقدسي ودفعه إلى التفكير بطريقة لعزله.
أما الحادثة التي حصلت والتي كانت أحد الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع منسوب الحساسية الشخصية بين الرجلين إلى أعلى مستوياتها، حين تعرض المقدسي لموقف على أحد حواجز النصرة، أدّى إلى نشوب خلاف بينه وبين عناصر الحاجز انتهى باعتقاله مع مرافقيه، ليتدخل البانياسي لدى أبي مالك التلي ويطلب الإفراج عنه، وهو ما حدث بالفعل، حيث لم يستغرق الاعتقال سوى ساعات قليلة. بعد هذه الحادثة تعمق الخلاف بين المقدسي والبانياسي، ولم تمضِ أيام حتى فوجئ الجميع بحادثة مقتل البانياسي.
حاول تنظيم داعش الإرهابي إلتزام الصمت حول الحادثة، وحاول التكتم على وقائعها، وجرى الإدعاء بأن البانيا سي قتل جراء غارة جوية نفذها الجيش السوري. وبحسب ما جرى تسريبه خلال اليومين الماضيين من قبل إعلاميي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، والذين احتفوا بالحادثة علناً، فإن الخلافات بين المقدسي والبانياسي كانت قد وصلت إلى درجة كبيرة جداً، خصوصاً بعد أن أصدر المقدسي فتوى تكفير بحق البانياسي بسبب علاقته الطيبة مع الجبهة.
إذا، لا بد لهذه الحادثة آثاراً سلبية على مستقبل التنظيمات المعارضة فيما بينها. ليس فيما يتعلق بمحاولة إعادة هيكلة نفسها وحسب، بل أمام كل التطورات التي قد يشهدها القلمون في المرحلة المقبلة، خصوصاً لجهة العلاقة بين تنظيم داعش والنصرة الإرهابيين وانعكاسات هذه العلاقة على جبهات القتال التي يخوضها الطرفان ضد الجيشين السوري وحزب الله. ومما لا شك فيه فإن أحد أهم الرهانات الإسرائيلية سقطت، فحليف الكيان الاسرائيلي في المعركة ليس ضعيفاً فقط، بل يحتاج لمن يسانده، وبالتالي فإن الكيان الاسرائيلي خسر مرةً أخرى رهاناته وما حادثة القلمون إلا صفعةً جديدة له.