الوقت- لن يدوم الثلج طويلاً على سلسلة جبال لبنان الشرقية، وعندما يذوب سيفصح المرج عمّا تعدّه المجموعات التكفيرية في القلمون وجروده كما في جرود عرسال. تدحرج كرات الثلج هذه لن تلبث أن تتحول ناراً وشناراً في مسيرها شرقاً باتجاه العمق البقاعي المجاور للحدود اللبنانية ـــ السورية.
عندما يذوب الثلج يوجد استحقاق، فمعلومات الأجهزة اللبنانية تشير إلى أن هذه المجموعات المزودة بما يقيها برد الشتاء شقّت طرقا وأقامت تحصينات وهي تلقت قدراتها إستعداداً لما يسمح لها بإيجاد موطئ قدم بقاعاً. تهديدات الجماعات الإرهابية متواصلة منذ بدء الحرب السورية لا بل حتى قبلها وعين علق ونهر البارد خير دليل على ذلك، فهي لم تبدأ أمس ولن تنتهي بالغد، الجميع يتساءل عن كيفية مواجهة الخطر، وعما اذا كنّا امام مرحلة جديدة من ترسيم حدود المعركة، في ظل الظروف المناخية والضغوطات الاقليمية والعالمية التي تفرض قدوم مزيد من المسلحين الى الجرود اللبنانية ويُقدر عددهم مؤخرا بأكثر من 3000 عنصر موزعين بين "النصرة" و"داعش".
يمكن لأي مراقب لحساب تنظيم داعش الإرهابي في "إمارة دمشق" على "تويتر" في الفترة القليلة الماضية، أن يكوّن انطباعاً عما يمتلكه هذا التنظيم من قدرات في منطقة القلمون، حيث تجري ورشة بنى تحتية تشارك فيها جرافات وشاحنات وعشرات لا بل مئات المقاتلين (برغم الطقس العاصف والمثلج) لإنشاء شبكة طرق ترابية جديدة مستقلة عن الشبكات القديمة، تتميز بطبيعة عسكرية، بحيث تؤمن التواصل بين جميع المواقع العسكرية. في السياق نفسه يمتلك تنظيم "النصرة"الأكثر نفوذاً في منطقة القلمون بقيادة أبي مالك التلي، شبكة بنى تحتية تشمل عدداً من المغاور والأنفاق الاستراتيجية، وبعضها أمكن لمعظم أهالي العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى "النصرة"أن يرصدوها بالعين المجردة خلال "الرحلات السياحية"التي يتولى تنظيمها لهم دورياً الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية).
التحضيرات للمعركة لم تقتصر على التأمين اللوجستي، بل تعداه إلى هدنة بين أبرز الفصائل في القلمون أي النصرة وتنظيم داعش الإرهابي، وتوضح المصادر المتابعة أن الفضل في هذه الهدنة التي لامثيل لها على كل الأراضي التي يتواجد عليها الفصيلان في سوريا، يعود لأبي مالك التلي الذي استخدم هوامشه لعدم الالتزام بقرار أمير "النصرة" أبو محمد الجولاني القاضي بإعلان الحرب الشاملة على "داعش" في مطلع شباط 2014، وهو قرار تُرجم في جميع الساحات المشتركة، باستثناء القلمون الغربي الممتد نحو الحدود اللبنانية والقلمون الشرقي الممتد باتجاه البادية السورية، حتى أن بعض المعطيات أكدت وجود مساعي جدّية من التلي لإقامة غرفة عمليات مشتركة مع بعض المجموعات في القلمون، انطلاقا من استشعاره عدم وجود منافسة جدية له في المنطقة، ولو أن التنظيم الإرهابي الأبرز(داعش) يحشد من خلال ممرات وكوريدورات من ريف ادلب وحماه باتجاه ريف حمص إلى القلمون.
لا شك أن الإجماع اللبناني قبل الإجماع العربي والدولي يشكل أفضل مظلة لهذه المعركة، ولهذا الإستحقاق الوطني ركيزتان أساسيتان: سياسية وأمنية (عسكرية)، لكن العبرة الأساس هي في الركيزة العسكرية وثمة مسؤولية مركزية يتحملها الجيش ستزداد اعباؤها كلّما بان المرج. فمقابل إستعداد الجماعات التكفيرية تؤكد مصادرعسكرية لبنانية أن الجيش مستعد أيضاً، ولكن للدفاع فقط فجاهزيته لا تسمح له بشن أي هجوم إستباقي لإخماد مخططات في مهدها، ومن راجع المؤسسة العسكرية في الآونة الأخيرة لمس استعدادها لمثل هذا وأكثر شرط توافر القرار السياسي (المسعى الذي دعا اليه الرئيس سعد الحريري وتبناه السيد نصرالله، أي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب)، خصوصا أن الجيش السوري تدخل أكثر من مرة ميدانيا لتخفيف الضغط عن بعض مواقع الجيش اللبناني، لكن الجهد الذي قامت به شخصية لبنانية بعيداً عن الأضواء، سعياً الى وضع خطة مشتركة بين الجيشين وصل الى حائط مسدود بفعل انعدام الضوء الأخضر السياسي اللبناني، حتى أن المسألة طرحت في إحدى جلسات مجلس الوزراء وكان الجواب "المستقبلي"سلبياً.
فيتو "المستقبل"على التواصل السياسي والعسكري مع الجانب السوري قد تكسره معطيات الأرض نفسها، خصوصا أن عودة الحريري الى بيروت تحمل في طياتها إشعاراً بأن الرجل سيكون رأس حربة معركة التصدي للإرهاب(هذا ما طرحه في الذكرى العاشر لإغتيال والده).
من جانبه لم يخف السيد نصرالله في خطابه الأخير أن المعركة دنت. قال إنه "عندما يذوب الثلج هناك استحقاق وعلى الدولة ان تحزم أمرها، وهؤلاء يمكن إلحاق الهزيمة بسهولة بهم ولكن الأمر يحتاج إلى قرار وارادة وطنية" فقطار حفظ الأمن لم ولن ينتظر أحد. وأبعد من الأحاديث والخطابات، وعلى الأرض، بدأت الإستعدادت للحرب المقبلة، التي لن تكون كمعركة عرسال السابقة، ولا كالإشتباكات التي وقعت على مدار العام المنصرم في أكثر من نقطة، خاصةً أن المعلومات المتوفرة، تشير إلى أن الأجهزة اللبنانية تلقت معلومات إستخباراتية غربية، إضافة الى تقديرات داخلية، كلها تؤكد أن المعركة ستكون بعد فصل الشتاء، وتحديداً بعد آذار، ولهذه الغاية، "بدأ الجيش اللبناني، استعدادته لحماية لبنان والبقاع، من أي هجوم محتمل".
حزب الله"، بدوره إستنفر أيضاً، تحسباً للمعركة، رغم إنشغالاته على جبهة الجنوب السوري، ونقل لهذه الغاية، اعداداً من المقاتلين من جنوب لبنان (كان كثف إنتشاره في الجنوب بعد التوتر في الجولان وفي مزارع شبعا) الى البقاع، عموماً، كل المؤشرات، والأحاديث المتداولة سراً، تؤكد اقتراب المعركة.
لإرهاب لم يتوقف يوماً عن ضرب الساحة اللبنانية، الجيش على دراية بهذا الوضع والجميع على حد سواء، وهذا ما أثبتته الأيام الماضية وإعترافات الإرهابيين الموقوفين، لذلك فإن قطار حفط الأمن الذي من السذاجة الامنية والساسية والعقلية أن ينتظر حتى تمتلئ عرباته بالإرهابيين كي تنطلق، ساعة الصفر، لأن "من سبق شمّ الحبق".