الوقت- وسط اجواء حوارية ايجابية افتتحها الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل, وانتقال هذه المبادرة الى حوار ثنائي اخر يجري بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية من جهة ولقاءات بين تيار المستقبل والوطني الحر من جهة اخرى, وما لهذا الانفتاح من مناخ ايجابي يترك اثارا واضحة على الساحة اللبنانية وسط مساع يبدو انها جدية للوصول الى نتائج ايجابية تنعكس مناخا ايجابيا على مستوى ملفات داخلية عديدة ابرزها الازمة الامنية وعمل الحكومة ورئاسة الجمهورية التي يعاني منها البلد منذ شهور عدة بدأت إماراتها مع بداية الأزمة السورية التي ارخت ظلالها وثقلها على الوضع الداخلي اللبناني على مختلف المستويات, الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
لبنان البلد الذي يعاني من شبه شلل في العملية السياسية نتيجة ارتباط سياساته الداخلية بالاوضاع الخارجية عموما وخضوع قرارات بعض الجهات السياسية فيه للرهانات والاملاءات الخارجية, فما زال البلد يعاني من أزمة قائمة منذ ما يقارب ال 25 شهر تتمثل بشغور يصيب منصب رئاسة الجمهورية, سبقها ازمة اجراء انتخابات نيابية تم تجاوزها عبر التمديد للمجلس القديم, إضافة لضغوطات كبيرة على الحكومة التي تتحمل اثار الشغور الرئاسي فضلا عن تجاذبات وخلافات داخل الاطياف السياسية تعرقل عمل الحكومة وتهدد استمرارها, وترتب أعباءا على العملية السياسية عموما.
الشغور في منصب رئاسة الجمهورية, مشكلة مستمرة رغم محاولات عديدة قامت مؤخرا لحل هذه العقدة عبر مبادرات خارجية كان اخرها مسعى فرنسيا لحل الازمة وزيارة لدي مستورا الذي طرح مبادرة لحل الازمة ولمن هذه الجهود لم تفلح في الوصول الى حل نهائي للأزمة؟
لبنان منذ شهور, يبقى من دون رئيس للجمهورية, في ظاهرة أولى في التاريخ السياسي لهذا البلد. فعقب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان ما زال يعاني من شغورا في الكرسي الرئاسي بسبب عدم تمكن الاطراف الداخلية من التوافق على شخص رئيس جديد وعدم التمكن من تحصيل اجماع للتمديد للرئيس المنتهية ولايته , وبالتالي بقاء عملية انتخاب رئيس جديد معلقة حتى الساعة.
محاولات عديدة داخلية وخارجية خجولة, حاولت كسر الجليد الحاصل على مستوى هذا الملف, وسط نداءات كثيرة من البطرياركية المارونية بضرورة تفعيل رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس في اسرع وقت ممكن, ودعوات عديدة لالتئام المجلس النيابي للقيام بانتخاب رئيس, قوبلت بعدم حضور بعض الكتل الى المجلس وعدم اكتمال النصاب القانوني الذي يتيح اطلاق عملية الانتخاب.
في تاريخ البلد الصغير في مساحته, والمؤثر جدا في موقعه الجغرافي المميز, عبارة عن 10452 كلم2 يتواجد ضمن هذه المساحة الصغيرة أكثر من 20مذهبا متوزعين على ثلاث طوائف رئيسية, فضلا عن ظروف نشأة في هذا البلد عقب الانتداب الفرنسي جعلت منه بلدا متأثرا بالرياح الخارجية وخاضعا لها بشكل كبير.
فكل استحقاق داخلي يشرف عليه البلد, يتوقف نجاحه على المناخ الاقليمي والدولي والتوجهات السياسية بين الدول المؤثرة على التيارات السياسية الداخلية, وهذا ما يعيق سير العملية السياسية ويربطها بالأحداث السياسية العالمية والاقليمية وما الازمة الاخيرة القائمة الا ترجمة عملية لهذا الكلام.
مرحلة حساسة جدا يعاني منها البلد الذي تعصف حوله رياح وحروب تجعله متواجدا على فوهة بركان, فمن الكيان الاسرائيلي جنوبا وما حصل من احداث رافقت عملية اعتداء القنيطرة وما بعدها من جولات, الى الحدود الشرقية على امتدادها من الجنوب الى الشمال, حيث تتواجد مجموعات ارهابية مسلحة من جبهة النصرة وداعش الارهابي وتهدد الداخل اللبناني وتخوض مواجهات عنيفة يتصدى لها الجيش اللبناني وحزب الله, الى صراعات داخلية يعيشها البلد نتاج اختلاف التحالفات الداخلية وعلاقاتها بالخارج, والطبيعة الديموغرافية والجيوسياسية للبلد الذي يجعله بين مؤيد لبقاء النظام السوري ومعارض له, وهذا ما يجعل الانقسام وسط الازمة السورية القائمة انقساما عموديا.
في ظل هذه التحديات الكبرى التي يعيشها لبنان وشعبه, ما تزال رغم المناوشات وبعض العمليات الامنية التي شهدها الداخل اللبناني نتيجة انعكاس الصراع السوري القائم مع الارهاب, وفي ظل تواجد عدد كبير من النازحين السوريين الذين شكلوا تحديات امنية واجتماعية واقتصادية كثيرة على البلد, تتوارد الى الدوائر السياسية الفاعلة تقارير استخباراتية داخلية وخارجية, تحذر من موجة ارهاب تكاد تعصف بالبلد , وتجره الى صراعات دامية ليست محسوبة النتائج وتؤكد على ضرورة اتخاذ اجراءات استباقية للسيطرة على هذه التحديات قبل الانفجار.
التقارير الاستخباراتية التي تقف وراء تحركات للجيش واجهزة الاستخبارات اللبنانية في مطاردة المطلوبين عبر عمليات عسكرية شمالا وشرقا, رافقها توصيات مؤخرة صدرت من الخارج الذي ينتظر لبنان الضوء الاخضر منه, لضرورة تفعيل العملية السياسية فيه وانتخاب رئيس للجمهورية والتركيز على مواجهة التحديات الامنية التي تهدد البلد, وهذه التوصيات التي حملت الضوء الاخضر مهدت لحوار عين التينة بين حزب الله والمستقبل وما جرته هذه المبادرة من حوارات جانبية, وفعلت الحديث مؤخرا حول امكانية انتخاب رئيس للجمهورية عبر سلة من التسويات متعلقة بالأزمات السياسية.
يبدو أنه ما زال يخيم على القرار الخارجي مناخ عدم اشعال الجبهة اللبنانية من الداخل, وحصر المواجهات بين حزب الله والتيارات التكفيرية في الحدود الشرقية الجنوبية للضغط على الحزب واستنفاذ قدراته, لكن فيما يخص الازمة اللبنانية عموما, يستمر القرار الدولي بتجنيب لبنان صراعات مذهبية وحربا على شاكلة الحرب الاهلية السابقة التي جرت فيه ولكن بصورة اعنف واخطر.
عوامل عديدة تحمل المجتمع الدولي على اتخاذ هذا القرار, فمن الوضع اللبناني وحساباته المعقدة, ارتباطه بالأمن الاسرائيلي وقوة وتأثير حزب الله وحلفائه داخل البلد, في ظل انحسار قدرة القتال بالتيارات التكفيرية المستوردة التي تلاقي صدى من بعض فئات المجتمع اللبناني وخصوصا شمالا وفي منطقة عرسال, ويضاف الى هذا ان لبنان يعتبر ملجأ للالاف من اللاجئين السوريين وخلفية امنة للمسلحين في عدة مناطق يستفيدون منها لتلقي العلاج والدعم العسكري والمالي والاستراحة من عناء القتال داخل الاراضي السورية فهي مناطق خلفية امنة مطلوبة, ومن جهة اخرى فإن اشتعال الجبهة اللبنانية ستكون نتائجه وخيمة على المنطقة ككل وستجر الى حرب واسعة لن تقف حدودها عند ال 10452 كلم 2, وستترك تداعيات ليست محسوبة النتائج.
وسط هذه العوامل, يحافظ المجتمع الغربي وبعض الدول العربية المؤثرة على الساحة اللبنانية على لعبة وسطية تحول دون انفجار البلد كليا, في مقابل استمرار الضغوط عليه وترهيبه من الحدود السورية وبعض العمليات الامنية الداخلية, للحلول دون شعور حزب الله بالراحة والامان ووصول حلفائه الى السلطة.
الأزمة اللبنانية, تتوقف على سببين وفي كلا السببين حضور الخارج وتاثيراته, فالسبب الاول هو الوضع السياسي الخارجي الذي ينعكس على الازمة الداخلية وسط املاءات خارجية على بعض التيارات اللبنانية, والسبب الثاني هو داخلي, متعلق بالمصالح الداخلية لبعض التيارات السياسية وكذلك عدم التوافق على هوية البلد الاصلية وتحديد خطوط ثابتة لقضايا مصيرية تخص البلد, كالعدو والصديق وحدود العلاقات الخارجية والهوية المذهبية وكيفية الغاء الطائفية أوالوصول الى نظام لا يكرس الطائفية بالشكل الحالي الذي يحول دون امكانية ايجاد حلول لقضايا واسعة واستحقاقات مصيرية تخص لبنان.
مؤخرا, خرجت من قصرعين التينة نداءات تلقفت بعض الاجواء الخارجية الايجابية وضوءا اخضرا يبدو انه صدر, وتمثلت بمبادرة اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري الناشط على خط الحوارات وترتيباتها, حيث دعى الى جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية في 11 اذار القادم, يوازي هذه الدعوة جهودا يبذلها تواكب وتستغل المناخ الحواري الايجابي القائم, لكسر الجمود في ملفات عديدة والعمل على تمرير انتخاب رئيس للجمهورية في تاريخ 11 اذار كدلالة لخيارات وسطية تجمع 8 و14 اذار التاريخ الذي بات يطلق على تكتلين سياسيين يضمان احزابا تحمل توجهات متقابلة خلفتها ازمة اغتيال رئيس حكومة لبنان والقرار 1559 وما تبعه من تجاذبات سياسية عصفت بلبنان في تلك الحقبة.
المبادرة الأخيرة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري التي اصبحت مشهورة بمبادرات قصر عين التينة, تلاها استقباله اليوم رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري, القطب الرئيسي في تيار 14 اذار , حيث جرى استكمال التواصل والتفاهم للوصول الى اجراءات عملية على طريق حلحلة قضايا اساسية على شاكلة انتخاب رئيس جمهورية في الموعد المحدد للجلسة القائمة في 11 اذار.
الاطراف اللبنانية , يبدو انها توصلت الى قناعة نتاج تأرجح الاوضاع الامنية الداخلية, مفادها ان الاهتمام الامريكي والدولي ينصب على ساحات دولية اخرى منذ فترة, وانه لا بد من تحصين الداخل اللبناني وعدم انتظار الخارج الذي يبدو انه يترك للداخل بعضا من هوامش الحركة تحت سقف مطالب تعتبر من الثوابت تخص مصالحه في لبنان, هذه المبادرة تلقفتها بعض الاطراف الداخلية وسط حاجة جماعية لايجاد مناخ يساهم في كبح جماح الارهاب الذي سيحرق الجميع والتوصل الى قناعة جماعية لضرورة الامتثال لتقارير الاجهزة الاستخباراتية والوقوف وراء المؤسسة العسكرية لمنع تفشي الارهاب.
محاربة الارهاب مطلب لبناني يبدو انه اصبح شبه جامع, يتحقق هذا المطلب عبر تقارب بين الاطراف المتباعدة وتخفيف الخطاب المذهبي, والعمل على ايجاد عملية سياسية تواكب العمل الامني لتثبيت الاستقرار الداخلي والانتقال الى مرحلة مواجهة الارهاب بشكل فعال وجدي وتعاون من الجميع.
الحوارات القائمة ستترك اثارا بغاية الاهمية على الساحة التي تحتاج الى مسرب يؤمن تنفيس الاحتقان القائم, ويحمي البلد من صراع محتدم قد يتخذ منحا قتاليا ناريا في اي لحظة و ويعيد صهر المجتمع اللبناني شيئا فشيئا ويفعل العمل السياسي قطعا للطريق امام الارهاب والعمليات الامنية التي تتخذ من بيئة الشلل السياسي ستارا وملجأ لها.
مرحلة سياسية جديدة يحضر لها في لبنان, وسط صمت خارجي يوحي بالضوء الاخضر تحت سقف الثوابت, وهذا ما تلقفته الاطراف الداخلية اللبنانية وبدات ترجمته عمليا خطوات بالاتجاه الصحيح. وسط اجواء تفاؤلية تدعونا للتساؤل بنفس التفاؤل الذي تنقله الاقطاب السياسية, هل نشهد في 11 اذار انتخاب رئيس جمهورية يليه انتخابات نيابية وحكومة برئاسة الحريري مجددا تجمع الشمل اللبناني وتستعيد بعضا من الذين ارتموا في حضن الارهاب وتمهد لحماية الجيش والوقوف خلفه للعمل على مواجهة من تبقى من الداخل اللبناني الذي يصر على اللعب بنار الفتنة مدعوما بالارهاب المستورد من الدول الغربية الذي يستوطن سوريا مؤقتا ,أم أن للخراج كلام اخر أثناء الحديث في تفاصيل المشهد أم أن الداخل اللبناني سيسيئ اغتنام الفرص وستترك الاحاديث في التفاصيل الشيطانية لتبدد هذه المبادرات وتذهب بها مدارج الرياح؟؟