الوقت - يوماً بعد آخر تتضح معالم الخطّة الإسرائيلية في الدخول إلى العواصم العربية عبر بوابة التطبيع. الأسبوع الماضي شهد طفرة غير مسبوقة في ملف التطبيع بدأت مع زيارة اللواء السابق في الاستخبارات السعودية أنور ماجد عشقي، على رأس وفد رفيع إلى الكيان الإسرائيلي، لتنتهي بإقامة السفير المصري في الكيان الإسرائيلي حازم خيرت أول أمس الخميس في منزله بمدينة هرتسيليا احتفالا بمناسبة اليوم الوطني إحياء لذكرى ثورة يوليو 1952، بحضور عدد من كبار الشخصيات الإسرائيلية، أبرزهم رئيس الکيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
التجربة المصرية
هذا الحفل أعادنا إلى كلمة الرئيس المصري محمد أنور السادات أمام الكنيست الاسرائيلي في ٢١ نوفمبر ١٩٧٧، حيث تذرّع السادات حينها بأسباب إنسانية لتبرير حضوره قائلاً: إن الروح التي تزهق في الحرب، هي روح الانسان سواء كان عربيا او اسرائيليا ان الزوجة التي تترمل .. هي انسانة من حقها ان تعيش في أسرة سعيدة سواء كانت عربية او اسرائيلية، ان الاطفال الابرياء الذين يفتقدون رعاية الآباء وعطفهم هم أطفالنا جميعا.. لهم علينا المسؤولية الكبرى في أن نوفر لهم الحاضر الهانئ والغد الجميل .. من أجل ان تنتج مجتمعاتنا وهي آمنة مطمئنة ومن أجل مسؤوليتنا أمام الاجيال المقبلة من أجل بسمة كل طفل يولد على ارضنا ومن أجل كل هذا اتخذت قراري ان أحضر اليكم. فهل نجحت تجربة السادات بعد مرور حوالي 39 سنة؟ هل حقّق التطبيع الامن والسلام والإستقرار والبسمة لأطفال فلسطين؟
إحدى مفارقات حفل أول من أمس على أرض مصرية ما قاله نتنياهو "ان اسرائيل ومصر صنعتا التاريخ، وشعباهما وضعا الاسس ربما الاكثر اهمية في الحضارة الانسانية قبل آلاف السنين.. واليوم يواجه شعبانا، والعالم كله، الارهاب، والذين يحاولون تخريب الحضارة البشرية"، وكذلك ريفلين الذي قال: "إن إسرائيل تقف إلى جانب مصر في جهودها لمكافحة الإرهاب". فماذا عن الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني؟ أم أن هذه الشماعة التي قصمت ظهر الأمة العربية، باتت غطاءً "شرعياً" للتطبيع ولمّ اللاءات الثلاثة السابقة، وإستبدالها بلاءات ثلاثة من نوع جديد: لا حرب ولا مواجهة ولا مقاومة؟
السعودية عرّابة التطبيع
لم يقتصر التطبيع على الجانب المصري الموقّع لإتفاقية السلام منذ العام 1979، بل دخلت السعودية على خط التطبيع عبر أنور عشقي الذي توجّه في زيارة غير عادية وغير مستغربة، على حدّ سواء، وقبله رئيس المخابرات السابق والسفير السابق الأمير تركي الفيصل، الذي صافح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشي يعلون، وشارك في مناقشة مع مستشار نتنياهو السابق لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور.
تكمن خطورة التطبيع السعودي في كونه مقدّمة طبيعية لتطبيع بقيّة الدول الخليجية، ولعل إنتقال العلاقات السعودية الإسرائيلية من السر إلى العلن عبر شخصيّة "غير رسميّة" يشكّل بالون إختبار للدخول في مرحلة التطبيع الرسمي عبر بوابة وزارة الخارجية، بإعتبار أنه من غير الممكن أن تتم هذه الزيارة الا بموافقة المسؤولين السعوديين.
السعودية لمست الغضب الشعبي على مواقع التواصل، بإعتباره الطريق الوحيد للإعتراض حيث تعتبر التظاهرات في السعودية، مع أو ضد النظام، خطّاً أحمر وخروجاً على "ولي الأمر"، لذلك من غير المستبعد أن تعمد السعودية إلى إيجاد مسار تضليل فكري وثقافي لتطبيع العلاقات تارةً عبر ذرائع إنسانية، وأخرى عبر ذرائع دينية معلّبة بفتاوى "ولاة الأمر".
لم يكن التعويل في يوم من الأيام على الحكومات العميلة، سواءً للعثماني أو الفرنسي والبريطاني أو الأمريكي والإسرائيلي حيث تمتلك الشعوب الكلمة الفصل، فهي، بعد الله، الرهان والأمل. إن الشعب المصري العظيم الذي احتل وكر السفارة الاسرائيلية وأسقط العلم الإسرائيلي ليرفع العلم المصري لن يرضى بخيانة سفير بلاده. كذلك، الشعب السعودي الذي إنتفض "إعلامياً" على زيارة عشقي، لن يرضى بالتطبيع الذي وسمه "بالخيانة". ولكن رغم هذا التعويل، لا يمكن تجاهل دور الحكومات، فكما أقرّت معاهدة السلام رغم غضب وسخط الشعب المصري، لا نستغرب تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الإسرائيلي. والتطبيع السعودي، بخلاف مصر، مرشّح للتطوّر بوتيرة أكبر بسبب طبيعة النظام الملكي من ناحية، وسعي الرياض لإيجاد تحالف إقليمي يعيد لها دورها السابق بعد فشل مشروعها في مصر وسوريا واليمن والبحرين، من ناحية أخرى.
نحن اليوم بأمس الحاجة إلى مواجهة الإرهاب، التكفيري والإسرائيلي على حد سواء، ولعل المقاومة والمواجهة بصلابة هي الضمانة الأساسية لبقاء بلادنا في ظل الوضع العربي المتردّي، وتحوّل "القضية الفلسطينية إلى قضية رفع عتب بين الدول العربية"، كما وصفها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.