الوقت - انخفضت حدة التصريحات التركية تجاه روسيا بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وطرأت تبدلات حادة على تصريحات المسؤولين الأتراك، فمنذ عدة أسابيع أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن إسقاط الطائرة الروسية كان خطأ ارتكبه الطيار التركي، وهذه كانت رسالة التودد الأولى التي بعثتها أنقرة إلى موسكو، وأما عن الرسالة الثانية فقد كانت في العيد الوطني لروسيا إذ وجه أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلديريم رسالة تهنئة إلى نظيريهما الروسيين فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف، وتمنى أردوغان في رسالة التهنئة أن تعود العلاقات بين البلدين إلى المستوى الذي يجب أن تكون عليه.
التبدل في الموقف التركي يأتي نتيجة خشية أنقرة من الدعم الأمريكي للأكراد، فتركيا رغم أنها وقفت في الحلف الأمريكي المواجه لسوريا طيلة السنوات الماضية إلا أن الدعم الأمريكي المتزايد للأكراد بدأ يشعر الأتراك بالقلق، فقوات سوريا الديمقراطية اقتربت من السيطرة على منبج ولم تحصل تركيا على أي ضمانات أمريكية بأن أكراد سوريا لن يكون لهم كيان منفصل أو حكم فيدرالي، وكل المعطيات تشير إلى أن السيطرة على منبج يهدف إلى وصل عفرين بعين العرب (كوباني).
رغم أن أردوغان يبدي دعمه الظاهري لقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن هذا الدعم ليس إلا لإيهام واشنطن بأن أنقرة لا تزال في الصف الأمريكي أملاً بأن تحفظ الإدارة الأمريكية المصالح التركية، فالاعتراض على المشروع الأمريكي يرمي بتركيا خارج التحالف الأمريكي، فتصبح أنقرة محاصرة سياسياً بشكل كامل، فمن الواضح أن أمريكا لا تهتم بالمصالح التركية، كما أن علاقة أنقرة مع روسيا مقطوعة بالإضافة إلى أن أردوغان فشل في كسب دعم الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن تركيا باتت تعيش عزلة سياسية كبيرة بعد أن أسقط أردوغان بلاده بين فكي كماشة، ولهذا بدأت تركيا تحاول إعادة فتح قنوات الاتصال مع روسيا وذلك أملا بأن تقوم موسكو بإفشال المشروع الأمريكي حفظاً للمصالح التركية في المنطقة.
في بداية التوتر الذي حصل بين روسيا وتركيا عقب إسقاط الطائرة الروسية كان أردوغان يعول على الزمن لتغيّر روسيا موقفها، إلا أن قصر النظر السياسي لأردوغان أدخل تركيا في طريقٍ مسدود، فروسيا ثبتت على مقاطعتها لتركيا وفرضت عقوبات لم تتراخ طيلة الفترة الماضية، والندم التركي المتأخر لن يغير من علاقة روسيا مع تركيا لثلاثة أسباب، الأول أن تركيا لا تزال تقدم الدعم للجماعات الإرهابية في سوريا وهذا يعني أنها غير جادة في تغيير موقفها، والسبب الثاني أن روسيا لن تقبل بعلاقة قائمة على مصالح مؤقتة، والسبب الثالث والأهم أن تركيا طيلة الخمس سنوات الماضية فقدت مصداقيتها وأصبحت دولة غير موثوقة وما أثبت ذلك هو ابتزاز أنقرة للاتحاد الأوروبي حول أزمة اللاجئين، كما أن السياسة التركية بدت قائمة على الانتقام ومبنية على تعصبات دينية وعرقية ما يجعل التأقلم معها في غاية الصعوبة.
رغم أن اللهجة التركية إزاء العلاقات مع روسيا قد تغيرت، إلا أن هذا لا يعني أن السياسة التركية قد تحسنت، فلا تزال أنقرة تقوم بدعم الجماعات التكفيرية في سوريا على أمل أن تستطيع هذه الجماعات كسر المشروع الأمريكي ومنع الأكراد من الانفصال أو تشكيل كيان فيدرالي الأمر الذي ينقذ تركيا مما هي فيه ويخلصها من الحاجة إلى ترميم العلاقات مع موسكو، إلا أن هذه السياسة هي الأخرى باتت تواجه مصير الانكسار، فتنظيم داعش الإرهابي بات يعد الأيام القليلة المتبقية لنهايته، ما يعني بتر ساعد تركيا الأيمن في سوريا، هذا الساعد الذي استخدمته تركيا كثيراً للانتقام من الأكراد كما حصل في عين العرب (كوباني).
لا مكان للتفائل، لا بالنسبة إلى المحور السوري-الروسي إزاء التغيرات في لهجة أنقرة، ولا بالنسبة إلى أنقرة الطامحة إلى استغلال علاقاتها مع روسيا لتحقيق مشاريعها، فباب الرجوع قد أغلق أمام أردوغان، فلا توبة حال الموت، وكل ما يستطيع أردوغان فعله هو الانتظار لمشاهدة عواقب سياسته طيلة السنوات الماضية، فقد وقع الفأس في الرأس ولم يعد ينفع الندم.