الوقت - تعيش الأزمة السورية منعطفاً قد يكون الأخطر منذ خمس سنوات من عمر الصراع. فبين الحسم العسكري والسعي للحل السياسي، تتباين مصالح الأطراف. فيما يبدو أن الطرف الأمريكي، يسعى جاهداً لترسيخ حربه على تنظيم داعش الإرهابي، من أجل كسب الإنجاز، ودعم الفريق الأمريكي الديمقراطي في معركة الرئاسة. في وقتٍ ظهر فيه حجم النفاق الأمريكي في حماية بعض الأطراف على الأرض، لا سيما المجموعات المسلحة والتي مهما اختلفت تسمياتها، فإنها بالنسبة لواشنطن ليست سوى عاملٍ يُساهم في ضرب قوة الدولة السورية وتقسيم وحدة البلاد. مما يجعل الأوراق التفاوضية أكثر، لدى واشنطن. فيما خرجت تقارير تتحدث عن سعي واشنطن لجعل الأزمة السورية حرباً تستنزف الأطراف، مما يساهم في مساعدة أمريكا في دراسة خياراتها. فكيف يمكن تحليل الدور الأمريكي الحالي في سوريا؟
الدور الأمريكي في سوريا: سياسة واشنطن المعهودة
من المعروف أن أمريكا وبعد هزيمتها الكبرى في فيتنام، عمدت الى تشكيل ما يُسمى بالوحدات العسكرية، التي لا تدخل رسمياً ضمن عداد الجيش الأمريكي، لكنها جاهزة لتنفيذ مهام عسكرية وتدريب مقاتلين محليين في دول التدخل. حيث انتشرت مثل هذه الوحدات في العراق وافغانستان وفي أكثر من دولة آسيوية وإفريقية، عبر شركات حملت صفة "شركات أمنية"، مثل شركة بلاك ووتر، والتي ارتكبت الكثير من الجرائم بحق الشعب العراقي والأفغاني، وكذلك اليمني مؤخراً.
ولعل الأمر الأخطر هو أن واشنطن ومنذ اعلانها الإنسحاب من العراق، لم تفصح عن حجم تواجدها العسكري الحقيقي في العراق، كما أنها لم تعلن عن حجم وجودها اليوم في سوريا. وهو ما يختلف عن سياستها المعتمدة في أفغانستان ودول أخرى.
لكن عدداً من التقارير خرجت لتتحدث عن التواجد الأمريكي في سوريا، والذي تصفه واشنطن بأنه عبارة عن تواجد لخبراء. في حين فضحت أصواتٌ غربية، حقيقة التدخل الأمريكي، مؤكدةً أن واشنطن أصبحت تمتلك عدة قواعد برية وجوية في الحسكة وجنوب عين العرب. يُستخدم بعضها لإستقبال مروحيات التدخل السريع وطائرات الإمداد والتموين المخصصة للدعم اللوجستي المقدم لما يسمى قوات سورية الديمقراطية، والتي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي. إضافة الى وحدات سريانية وأخرى محسوبة على الجيش الحر كلواء ثوار الرقة وجيش الثوار.
وهنا فإن سياسة واشنطن البراغماتية والتي أصبحت معروفة، تعتمد على دعايةٍ أمريكية في العلن، تقوم على الترويج لأن أمريكا ليست بوارد التدخل في الميدان السوري. لكنها ومن خلال الكثير من الأحداث التي جرت، قامت بدعم الإرهاب الداعشي في البداية، لتجعل اليوم من حربها عليه محاولةً لتعويم السياسة الأمريكية. في حين يُشكَّل غض النظر الأمريكي عن تنظيم جبهة النصرة، أمراً ملاحظاً يجب الوقوف عنده.
وبحسب التقارير التي صدرت عن البنتاغون، فقد خصصت واشنطن مبلغ 500 مليون دولار، من أجل تدريب وإعداد فصائل يمكن الإعتماد عليها في الحرب. وهي مجموعاتٌ مأجورة، تُستخدم في الحرب على بعض الفصائل الأخرى الرافضة للتسوية. لكن هذا المشروع مُني بفشل ذريع، لأسبابٍ تتعلق بفشل الأمريكيين في فهم واقع الأزمة في سوريا والأطراف المتقاتلة. الأمر الذي دفع بمسؤول أميركي سابق، على دراية بخطط التدريب والإعداد، للإعتراف بأن تدخل واشنطن بالحرب السورية بالنيابة، أمرٌ يمكن أن ينتهي بالفشل، لضعف التخطيط، وبراغماتية واشنطن تجاه أطراف النزاع، خصوصاً بين داعش والنصرة.
دعم الأكراد: مصالح عسكرية واقتصادية
ولعل مسألة دعم الأكراد الإنفصاليين، كانت بداية الطلاق بين واشنطن وأنقرة، لكنها كانت تصب في نفس سياسة تقوية أطرافٍ في الميدان، واستخدامهم كأوراقٍ في الصراع، لصالح أمريكا وحلفاءها. وفيما يخص ذلك يمكن قول التالي:
- إن الدعم الأمريكي للأكراد، ليس لأسبابٍ تتعلق بالتحرر، بل لحاجتها لطرفٍ متأصلٍ في الداخل السوري، يمكن الإعتماد عليه في تنفيذ أجندتها وما ستفرضه التسويات. وهو الأمر الذي قد تتفق واشنطن عليه مع الطرف الكردي، الساعي للإنفصال بأي ثمن. وبالتالي فهي تتفادى التدخل المباشر في الميدان، خاصة ضد الجماعات التكفيرية ورافضي التسوية السياسية
-ومن الأمور التي يجب الإلتفات لها، هو أن معادلة تقديم العون للأكراد لتحقيق حلمهم الإنفصالي، يقابلها حصول أمريكا على قواعد عسكرية، ومنافع إقتصادية تتعلق بحقوق التنقيب عن النفط والغاز في هذا الإقليم الذي يعتبر الأغنى بموارد النفط والغاز غير المكتشفة في سوريا.
- وبهذا تكون واشنطن استطاعت الربط بين وجودها العسكري ومصالحها الإقتصادية. والتي باتت تمتد من العراق شرقاً وحتى البحر الأبيض المتوسط غرباً. وهو ما يُمكِّنها من الإستغناء عن قواعدها في تركيا والتي تفرض شروطاً قاسية، تتعلق بتباين المصالح بين الطرفين التركي والأمريكي اليوم.
أمريكا تعالج فشلها بإطالة الحرب في سوريا
إن تسارع الأحداث على الأرض وفشل قوات سورية الديمقراطية في تحقيق أي تقدمٍ مرجو في حربها البرية ضد داعش، لا سيما دون وجود أي دعم جوي، دفع واشنطن للزج بوحدات قتالية أمريكية خاصة الى جانب هذه القوات. وليس سراً أن قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال "جوي فوتيل"، قام بزيارة قصيرة لسوريا، بتاريخ 21 أيار المنصرم، حيث التقى خلالها قوات أمريكية خاصة منتشرة في سوريا إضافة الى قيادات كردية وعربية معارضة محلية، تتبع ما يسمى قوات سورية الديمقراطية. وهي خطوة كان لها وقعٌ خاص، خصوصاً لجهة أن الجنرال "فوتيل"، هو ضابط في القوات الخاصة، وكان يتولى حتى مطلع 2016، قيادة مجمل القوات الخاصة الأمريكية، وهو أعلى مسؤول عسكري أمريكي يتوجه إلى سوريا منذ بداية الصراع.
وهنا فإنه ومع تداخل الأطراف الإقليمية والدولية في الصراع السوري والذي أخذ يتحول إلى حرب ضروس في ظل غياب القدرة على الحسم العسكري للصراع، لصالح أحد الأطراف، فإن بعض التحليلات الغربية خرجت لتدعو واشنطن لأن تنتهج استراتيجية طويلة الأمد، تضمن لها النفوذ الحاسم سياسياً وعسكرياً. وهو ما نشره مركز الأمن الأمريكي الجديد، في تقريرٍ له صدر خلال شهر نيسان، المنصرم تحت عنوان "استراتيجية الدعم العسكري الأمريكية للمعارضة السورية المسلحة"، للباحث "نيكولاس هيرس"، والذي تحدث عن سياسة إطالة أمد الحرب. الأمر الذي يُساهم في إحداث نقلة نوعية في الميزان العسكري لصالح ما يُسمى بالمعارضة السورية المعتدلة والمدعومة أمريكياً من ناحية، ويمنع تمدُّد الإرهاب في سوريا والذي بات يُهدِّد الدول الغربية وأمريكا.
إذن، استراتيجية إطالة الحرب في سوريا، هي خطوة واشنطن التي بدأت منذ أشهر. وهو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يساهم في خلق واقعٍ، يحوي أطرافاً تخدم أمريكا في حربها النيابية. فيما تأخذ الأزمة السورية، وجهةً نحو حربٍ من الإستنزاف، بدأت، لكنها من غير المعلوم متى يمكن أن تنتهي.