الوقت - كتبت صحيفة "حريّت" التركية تحليلاً سياسياً قالت فيه إن التحالف بين الرئيسين السوري "بشار الأسد" والتركي "رجب طيب أردوغان" أمر لا مفرَّ منه.
وأعربت الصحافة عن إعتقادها بأنه ينبغي لأنقرة أن تعتمد إستراتيجية جديدة حيال دمشق وأضافت: يبدو أن تركيا قد دخلت مرحلة حسّاسة ومعقدة ولابدّ لها من إتخاذ قرار صحيح وحاسم بشأن الأزمة السورية.
وقالت الصحيفة التركية إن "بشار الأسد" يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لتركيا منذ إندلاع الأزمة السورية في آذار / مارس 2011 وحتى الآن، مشيرة إلى أن أنقرة قد سعت للإطاحة بالرئيس السوري من خلال التنسيق مع أطراف دولية وإقليمية أخرى في مقدمتها أمريكا وقطر والسعودية، كما سعت لإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا لكنها أخفقت في ذلك بسبب معارضة واشنطن.
وذكرت صحيفة "حريّت" إن واشنطن شعرت في الآونة الأخيرة بأن مواجهة المخاطر الأمنية التي تسببها الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" ينبغي أن تحظى بالأولوية، ولهذا قررت السكوت عن مطالباتها السابقة بضرورة تنحية "بشار الأسد" عن السلطة كشرط لأي تسوية سياسية للأزمة السورية.
ورأت الصحيفة إن الخلاف بين واشنطن وأنقرة بشأن مصير الأسد أدى إلى حصول فجوة محسوسة بين الجانبين رغم تقاربهما في وجهات النظر بشأن التطورات الأخرى في المنطقة لاسيّما ما يتعلق بالوضع في العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن دعم إيران ومحور المقاومة لسوريا ومشاركة روسيا في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية في هذا البلد قد غيّر كثيراً في ميزان القوى العسكرية في الشرق الأوسط، الأمر الذي أجبر أمريكا وحلفاءها الغربيين على تغيير إستراتيجيتهم في عموم المنطقة، والذي أثّر بدوره على مواقف تركيا خصوصاً فيما يرتبط بالوضع في سوريا.
ومن النتائج التي تمخضت عن تحالف إيران وروسيا ومحور المقاومة قبول واشنطن بالإتفاق مع موسكو لإقرار هدنة في سوريا والتمهيد لإجراء مفاوضات سلام بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية شنّت "قوات سوريا الديمقراطية" و "وحدات حماية الشعب" الكردية المدعومة أمريكياً، هجوماً واسعاً على مدينة الرقّة المعقل الرئيسي لداعش في سوريا، في حين تقدمت القوات السورية وبدعم إيراني وروسي للسيطرة على المناطق الجنوبية من هذه المدينة.
من خلال هذه المعطيات يبدو أن هناك إتفاقاً غير معلن بين روسيا وأمريكا بشأن الأوضاع في سوريا، في حين تبدي تركيا خشيتها من إمكانية تمكن أكراد سوريا بقيادة حزب الإتحاد الديمقراطي من تحقيق نصر كاسح على تنظيم "داعش" في الرقّة لأنها تشعر بوجود مخطط يهدف إلى منح الأكراد حكماً ذاتياً في شمال وشمال شرق سوريا على غرار إقليم كردستان العراق، وهذا الأمر يثير مخاوف أنقرة بإعتباره سيمهد الأرضية لأكراد تركيا لإقامة حكم ذاتي في مناطقهم خصوصاً في جنوب وجنوب شرق البلاد.
وبسبب تجاهل واشنطن لمطالب أنقرة بضرورة عدم دعم أكراد سوريا تعرضت علاقات تركيا وأمريكا إلى شيء من البرود رغم حاجة الأولى لدعم الثانية لحفظ توازن القوى مع روسيا وباقي الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المنطقة لاسيّما إيران.
وبالعودة إلى إقتراح صحيفة "حريّت" بضرورة الإتفاق بين تركيا وسوريا لمواجهة إحتمال قيام حكم ذاتي كردي على جانبي الحدود بين البلدين، يبدو هذا الإقتراح ليس غريباً رغم صعوبة تطبيقه على أرض الواقع بسبب الهوّة النفسية العميقة بين الرئيسين السوري "بشار الأسد" والتركي "رجب طيب أردوغان"، خصوصاً وإن الأخير بدأ يشعر منذ فترة بأن أمراً يحاك في الخفاء بين موسكو وواشنطن لتقوية نفوذ الأكراد في سوريا والذي سيمهد بدوره الطريق لإقامة حكم ذاتي في مناطقهم، الأمر الذي تعتبره أنقرة بأنه يهدد مصالحها ويشكل خطراً على أمنها على المديين القريب والبعيد.
والتساؤل المطروح: ما الذي تجنيه واشنطن من دعمها للأكراد في سوريا؟
الإجابة عن هذا التساؤل تكمن - حسب إعتقاد الكثير من المراقبين - بأن الإدارة الأمريكية تسعى من وراء ذلك لتحقيق عدّة أهداف في آن واحد؛ بينها أن تكون هي اللاعب الرئيسي والفاعل في رسم الخريطة المستقبلية للمنطقة، وتحويل المنطقتين الغربية من العراق والشرقية من سوريا التي تسكنها غالبية سنيّة إلى قاعدة لقواتها العسكرية لإكمال مشروعها الرامي إلى تشكيل حزام أمني يمتد من جنوب تركيا إلى الهند مروراً بأفغانستان ودول آسيا الوسطى والقوقاز، وكذلك إضعاف دور إيران وروسيا في المنطقة متوهمة بأن موسكو وطهران ليستا غافلتين عن هذا المشروع، وهذا هو مكمن الخطأ الإستراتيجي الذي تقع فيه أمريكا في هذا المجال.