الوقت- سحب الجنسية من المواطنين المعارضين في دول الخليج الفارسي هو من الأمور غير المستهجنة في عالمٍ يقمع الحريات وفي دولٍ طالما اعتادت على ممارسة هذه السياسة مع حركات المعارضة كوسيلة للضغط عليها. وها هو اليوم النظام البحريني يقوم بسحب الجنسية مواطنين بحرينيين معارضين. فما هي الأسباب الحقيقية لهذا القرار؟ ولماذا هذا الصمت المطبق من ما يسمى بالجامعة العربية والعالم؟ برغم أن هذا القرار مخالفٌ للمواثيق والقوانين الدولية!
أولاً : هي ليست المرة الأولى التي تقوم احدى دول الخليج الفارسي بسحب جنسية المعارضين لديها، فهذه السياسة هي احدى سياسات أنظمة الحكم في دول الخليج الفارسي التي عادةً ما تستخدمها للضغط على كل من ينطق بكلمةٍ معارضةٍ لها، وإن كانت كلمته سلميةً وحضارية. وهذا ما قامت به فعلا ً دولة الامارات - قبل دولة البحرين اليوم - كوسيلة للضغط على القوى المعارضة للنظام، وإسقاط كل متعلقات المواطنة عنهم، وبالتالي سحب كل المميزات منهم، إن وُجدت. كما تم اللجوء الى هذه السياسة في الكويت والسعودية في ثمانينيات القرن الماضي، لكنّ الفرق أنه في ذلك الوقت كانت هذه الممارسات بعيدةً عن الإعلام وعن نشاط المنظّمات الحقوقية، نتيجة سياسة التعتيم وتزوير الحقائق، أمّا اليوم فالوضع مختلف في عالمٍ يمكن فيه فضح حقائق هذه الدول ولكن الغريب في الأمر أنه برغم وضوح هذه الأفعال، لا نجد أي تحركٍ للمنظمات الحقوقية الدولية في العالم والتي تدعي احترام الحقوق والمواثيق الدولية ولم نسمع أي موقف يستنكر هذه الأفعال حتى من جامعة الدول العربية. مع الاشارة الى أن وفداً من "المفوضية السامية لحقوق الإنسان" زار البحرين مؤخرًا وطرح موضوع إسقاط الجنسية في لقاءاته مع المسؤولين البحرينيين وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة فيليب لوثر: "لقد قدَّمت السلطات أسباباً غامضة للغاية لقرار إسقاط الجنسية عن أولئك الشخصيات، وهو قرار يبدو أنه اتُّخذ بسبب الآراء السياسية للضحايا". فإذا كان هذا الكلام دليل على ظلم النظام البحريني فلماذا برغم هذا لم نسمع صوتاً في الجامعة العربية أو العالم يدين هذا الموضوع!! كما أن سكوت العالم عن هذه الأعمال ليس بجديد. فبريطانيا التي تعتبر دولةً ديمقراطية، ودائماً تنادي بحقوق الإنسان كانت قد لجأت في الماضي الى ممارسة هذه السياسة العنصرية بحق الفلسطينيين بالتحديد، وهذا ما أشارت له صحيفة "رأي اليوم" العربية في عددها الصادر الاثنين في 23 كانون الاول\ديسمبر 2013، أشارت الى ممارسات الحكومة البريطانية في هذا الخصوص ولا سيما قيامها على سبيل المثال، بإصدار قرار ترحيل وسحب الجنسية البريطانية من الشيخ رائد صلاح احد ابرز المدافعين عن المسجد الاقصى في فلسطين، ومنعه من القاء محاضرات في جامعات بريطانية بتهمة كونه ارهابيا وذلك رضوخاً لحملة عنصرية مارستها جماعات يهودية بريطانية ضده. وبالتالي فإن هذه الممارسات العنصرية ليست بجديدة من قبل الأنظمة الجائرة والتي تسعى دائماً لخدمة المصالح الصهيونية. وليس بجديد هذا الصمت العربي والعالمي!!
ثانياً: من هم الذين سحبت منهم الجنسية في البحرين؟ وما هو دورهم؟
هم ناشطون وأكادميون في المجتمع البحريني وبالتالي فهم يعتبرون من نخب هذا المجتمع المؤثرة في وعيه، ولكن كونهم معارضين ورموز في المعارضة السلمية فهم بنظر النظام البحريني لا يستحقون لقب المواطنة، لماذ؟ لأن هذه الفعاليات لها تأثيركبير وإيجابي في الحراك السلمي للشعب البحريني. فمهما كنت في دول الخليج الفارسي ولو كنت من النخب الاجتماعية وكان حراكك معارضاً سلمياً ولو كنت في حراكك تعبر عن رأيك وحقك الذي تتضمنه لك شرعة حقوق الانسان الدولية، فإنك لا تستحق المواطنة لأنك تعارض أنظمتهم التعسفية، فمن أهم شروط المواطنة في دول الخليج الفارسي هو أن تكون موالياً للسلطات الحاكمة. وذلك ما نجده واضحاً في قيام السلطات البحرينية بتجنيس أشخاص بعيدين عن المجتمع البحريني جغرافياً وبيئياً وثقافياً وليس لهم وعي هذه النخب المعارضة والتي هي من صميم المجتمع البحريني، تقوم بتجنيسهم لمجرد أنهم قبلوا التبعية المطلقة للنظام الحاكم. فهل أصبح الخط المعارض في الدول التي تدعي الديمقراطية واحترام الانسان، وبالتحديد دول الخليج الفارسي أمراً منافياً لأن يستحق الفرد في دولته لقب مواطن!؟؟
الشيء المستغرب والعجيب في الموضوع، أن خطوة النظام البحريني كغيره من أنظمة دول الخليج الفارسي بسحب الجنسية تأتي دائماً بعد إعلان قوى المعارضة رفض العنف وتثبيت المنهج السلمي للمعارضة! فهل هذا الحراك السلمي يعتبر تهديداُ لأمن هذه دول مما يُسقط عن المعارضين السلميين حق المواطنة؟ أم أن نجاح هذه النخب في المعارضة البحرينية في إدارة حراكٍ سلمي للشعب البحريني أمرُ استفز النظام الحاكم؟ وهو ما لطالما نجحت به المعارضة حيث استطاعت تثبيت أن النظام البحريني ضالعٌ في انتهاكات واقعية بحق المعارضين والشعب البحريني، مما يخالف المواثيق الدولية التي يجب أن تلتزم بها البحرين كدولة. لكن على ما يبدو فإن هذا النجاح حدا بالنظام البحريني لإسقاط حق المواطَنة عن هؤلاء المعارضين البارزين.
التجنيس السياسي وسحب الجنسية ليس سوى دليل على توتر وضعف أنظمة دول الخليج الفارسي! ومنها دولة البحرين التي تقف محتارة أمام حراكٍ شعبيِ سلميِ معارض، لا يعطيها أي ذريعة بل يقوم بحقه الطبيعي. هكذا تكون الأنظمة الجائرة بحق شعوبها وهكذا يفعل النظام التعسفي في البحرين مع شعبِ أثبت للعالم حضارةَ في حراكه السلمي. فمن الذي يستحق سحب الجنسية يا ترى؟ مواطن يقول كلمته ويعبر عن حقه السلمي بطريقةِ حضارية؟ أم نظام ينتهك كل حقوق الانسان في ظل سكوت العالم أجمع ومن ضمنه جامعة الدول العربية؟؟