الوقت- تشهد فرنسا موجة حادة من الاضطرابات احتجاجاً على مشروع تعديل قانون العمل، اذ تستمر الحركات المناهضة للقانون فى تعطيل مصافي تكرير النفط والمحطات النووية للضغط على الحكومة للرجوع عن هذه التعديلات.
ففي باريس أغلق العمال محطات الوقود فضلا عن مناطق متعددة من الشبكة القومية للطرق في فرنسا. وهتف المشاركون في مسيرة الاتحاد العام للعمل الفرنسي "سي . جي . تي" في ساحة "الباستيل"، "لا نقاش، لا مساومة، ألغوا قانون أرباب العمل". كما كتب المتظاهرون على طول الجدار في شارع "ديدرو" باللون الوردي عبارة: "هولاند مثل تاتشر" كنوع من السخرية وليس الإطراء.
هذا ودعت النقابات المعارضة لمشروع تعديل قانون العمل إلى "زيادة التعبئة" من تظاهرات وإضرابات تتوالى منذ أكثر من شهرين في فرنسا، وذلك في بيان لها امس. هذه المظاهرات تعتبر ضمن جوانب المسيرات العمالية الغاضبة التي تجتاح جميع أنحاء الأراضي الفرنسية جراء رفض التعديلات التي أدخلتها حكومة إيمانويل فالس على قانون العمل.
نصف محطات الوقود خارج الخدمة
هذا وترتب عن المظاهرات ان توقفت نحو 40% من محطات الوقود عن العمل بسبب الإضراب، فيما تسعى النقابات العمالية إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة للتراجع عن تلك التعديلات أو إلغاء القانون. فوفقا للأرقام التي أعلنتها الحكومة الفرنسية فإن 4.655 محطة وقود في فرنسا من بين 12 ألف محطة توقفت تماما عن العمل أو تعمل بمعدلات متدنية للغاية، ما يثير مشكلة توليد الكهرباء.
وكانت شركات إدارة الفنادق حذرت من أن "سياسة الأرض المحروقة" التي تتبعها النقابة تسبب في خفض معدلات الإشغال بنسبة 50 % لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ أعقاب الهجمات الإرهابية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في باريس، حيث يخشى السياح الفرنسيون والأجانب فوضى السفر أو ما هو أسوأ.
وأعرب العمال عن غضبهم الشديد من "خيانة" الحكومة لهم بهذا القانون الذي يقف في صف أرباب العمل على حسابهم، وكان غضبهم واضحا بالفعل في ساحة الأمة، حيث ألقى مئات من المتظاهرين الحجارة على الشرطة، وأشعلوا النيران في عربات "سوبر ماركت"، فيما ردت الشرطة بعشرات الاعتقالات في صفوف المتظاهرين.
خسائر شركة "توتال" النفطية قدرت حتى الأيام القليلة الماضية جراء إضراب مصافي التكرير في فرنسا ما بين 40 و45 مليون يورو أسبوعياً، في الوقت الذي يتطلب إعادة تشغيلها عدة أسابيع، حيث أكدت الشركة أن 350 من محطات الوقود التابعة لها تعاني من نقص كلي في الوقود بينما تواجه 431 محطة نقصا جزئيا، وهدد رئيس مجلس إدارة الشركة باتريك بوياني، بخفض استثمارات الشركة في فرنسا حال استمرار الوضع الراهن.
الأزمة الفرنسية تطال الطيران المدني
في جانب آخر من الازمة، فقد أوصى الطيران المدني الفرنسي، شركات الطيران العاملة في فرنسا بأن تزود طائراتها بالوقود خارج البلاد، لضمان إجراء رحلتين متتاليتين، وذلك على خلفية النزاع الاجتماعي الحالي الذي يؤثر على إمدادات الوقود، وفق ما قال متحدث باسم شركة "إير فرانس" الجمعة.
وأضاف المتحدث، أن الخطوط الجوية الفرنسية تطبق منذ بعد ظهر الجمعة هذه المذكرة الصادرة عن المديرية العامة للطيران المدني، موضحًا: "إذا كانت الرحلة من أوروبا إلى باريس يتم التزود بالوقود من أجل إتمام الرحلة والرحلة التي تليها".
استخدام احتياطي الوقود لمواجهة الازمة والمتظاهرين
في سياق متصل بدأت فرنسا باستخدام احتياطها من الوقود بمواجهة توقف مصافي النفط عن العمل جراء الاحتجاجات الاجتماعية للمعارضين لتعديل قانون العمل، ما يهدد بامتداد الأزمة إلى قطاع إنتاج الكهرباء. وأعلن الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية الأربعاء، أنه بعد توقف مصافي النفط وتطويق مستودعات الوقود، بدأ منذ يومين استخدام المخزون النفطي الاحتياطي. ويمكن أن يغذي هذا الإعلان قلق الرأي العام وزيادة الضغوط على الحكومة.
وأكدت الحكومة استخدام ثلاثة أيام حتى الآن من احتياطي الوقود من أصل 115 متاحة في حوزة الحكومة كاحتياطي استراتيجي. وقال الرئيس فرنسوا هولاند، إنه سيتم القيام بكل ما يلزم لتأمين الإمدادات بالوقود، في حين تخشى أوساط النقل البري من تراجع في النشاط الاقتصادي في البلاد. وقال وزير الدولة للنقل آلان فيداليس للصحافيين خارج قصر الإليزيه إن نحو 40 في المائة من محطات الوقود في باريس وحولها تأثرت بالإضرابات.
وفي السكك الحديدية، اضطربت حركة المرور أيضا الأربعاء مع ثلاثة قطارات عالية السرعة تعمل من أصل أربعة، لكن الإضراب في السكك الحديدية لم يكن بمثل حدة الأسبوع الماضي.من جهته أكد الأمين العام لنقابة القوة العاملة "فورس أوفريير"، جان كلود مايي، أنه ليس واردا التوقف عن التعبئة. ولا تنوي الحكومة التي تعتبر ما يجري تحركا يمثل الأقلية تأخذ البلد «رهينة» سحب إصلاح قانون العمل رغم الانتقادات بسبب منحاه الليبرالي واعتباره مؤيدا لمصالح الشركات.وقال رئيس النقابة لوران بيرجيه: ليس واردا أن تتخلى الحكومة عن التزاماتها إن كان ذلك عبر سحب القانون أو تفريغه من مضمونه، سيشكل ذلك ضربة للموظفين لأنهم سيفقدون ميزات سيحصلون عليها من خلال حقوق جديدة يعترف بها النص.وفي مؤشر على المأزق الذي بلغته الحكومة قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية، اقترح وزير الاقتصاد السابق أرنو مونبور تنظيم استفتاء لإنهاء الاحتجاجات الاجتماعية.
الأزمة الفرنسية، الى اين؟
يرى خبراء فرنسيون أن الإضرابات العمالية، وما سببته من ازمة الوقود، تضع الحكومة الفرنسية أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما التراجع عن إصلاح قانون العمل أو مواجهة أزمة التباطؤ الاقتصادي. وقد تضع هذه الإضرابات الرئيس فرانسوا هولاند في مأزق حقيقي، لأنه أجاز إصلاح قانون العمل دون الحصول على موافقة البرلمان مستغلاً في ذلك فقرة غامضة في القانون، حسب قول خبراء في لندن، وهو ما دفع النقابات الفرنسية إلى اعتباره مرسوما رئاسيا لا يرقى إلى مستوى قانون.
هذا وتشير بعض المعطيات والتحليلات الى انه يمكن التبنؤ بنهاية مظلمة لهذه الأحداث، فهناك دليل فرنسا، للمرة الأولى منذ عقدين، متوجهة إلى عاصفة من الاضطرابات الاجتماعية التي يغذيها زعيم الاتحاد اليساري، وهي على ما يبدو عازمة على إحياء الحرب الطبقية، وإفقاد الرئيس، الذي لا يتمتع بالشعبية، ورقة التوت الأخيرة من مصداقيته قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.
يشار إلى أن الحكومة الفرنسية تسعى جاهدة لاحتواء الاحتجاجات الاجتماعية التي يقودها الاتحاد العام للعمل “سي جي تي” المقرب تاريخيا من الحزب الشيوعي، وذلك قبل انطلاق فاعليات بطولة كأس أمّم أوروبا لكرة القدم التي تستضيفها فرنسا خلال الفترة من 10 يونيو إلى 10 يوليو المقبلين، وسط تدابير أمنية مشددة خاصة مع توقع قدوم 7 ملايين زائر إلى فرنسا.