الوقت - بعد ان قامت السلطة الفلسطينيّة بتأجيل خطوتها بشأن عرض مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي ضدّ الاستيطان اثر مطالبة وضغوط فرنسيّة حيث اتى التاجيل نتيجة لكشف فرنسا النقاب عن تحضيرها لعقد أوّل اجتماع على مستوى وزراء الخارجيّة نجحت في تحديد موعده بعد جولات دبلوماسية شرسة في 30 أيار المقبل، تمهيداً لعقد المؤتمر الدوليّ في باريس لتعود فرنسا وتعلن على لسان رئيسها فرانسوا هولاند تأجيل المؤتمر حيث قال هولاند في تصريحات للإذاعة الفرنسية أن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لا يستطيع أن يحضر المؤتمر في موعده المقرر بسبب انشغال الاخير لذلك تم تأجيله وسيتم عقده في الصيف.
وتفاوتت ردات فعل مختلف الفصائل الفلسطينية على خلفية هذا الإعلان الفرنسي الذي وصفته صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية على لسان الكاتب "جون ريد" منذ بدايته بالقول "تعتزم فرنسا استضافة مؤتمر دولى يهدف إلى استئناف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في الوقت الذي تسعى فيه لملء فراغ دبلوماسي خلفه انهيار المحادثات، التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ ما يزيد على عامين".
وحيث كان معلوماً أنَّ الفلسطينيين أيّدوا المبادرة الفرنسيّة بوصفها العرض الجدّي الوحيد الموجود على الارض فيما أبدى الكيان الإسرائيلي تحفّظات كثيرة بشأنها ليظهر "نتنياهو" معلنا أنَّه لا يفهم ما هي المبادرة الفرنسيّة. ومتساءلا: "هل بوسع أحد أن يشرح لي ما هي المبادرة الفرنسيّة؟ إنَّ الفرنسيين أنفسهم لا يعلمون."
والواقع أنَّ المبادرة الفرنسيّة واضحة بخطوطها العامة، إذ تقوم على أساس إحياء فكرة حلّ الدولتين من خلال تشجيع الطرف الفلسطيني والكيان الاسرائيلي على العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل، خلال عام، إلى تسوية نهائيّة بعد ان كانت فرنسا قد حذّرت من أنَّها بصدد الاعتراف بفلسطين كدولة على حدود العام 1967، إذا فشل هذا المؤتمر الدولي، لكن سرعان ما عادت، تحت ضغوط أمريكيّة وإسرائيليّة، لتعلن أنَّ الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة لن يكون تلقائياً.
وردت حركة حماس الإسلامية في بيان صحفي لـ"سامي أبو زهري" الناطق باسمها بالقول إن تأجيل فرنسا عقد اللقاء التحضيري لمبادرتها لعقد مؤتمر دولي للسلام، يمثل “دليلاً إضافياً على فشل التسوية ومشروع الرئيس الفلسطيني محمود عباس” وقالت الحركة "إن تأجيل المؤتمر يشير إلى فشل خيار التسوية والسلام،" والذي وصفته الحركة بـ”الهراء السياسي”. ودعت الحركة السلطة الفلسطينية في رام الله للتخلي عن وهم المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي والعودة إلى المبادئ المشتركة المتمثلة في مقاومة المحتل.
كما دعت حركة الجهاد الإسلامي السلطة الفلسطينية للتراجع وإعادة التفكير في مواقفها تجاه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وخيار التسوية المكللة اصلا بالفشل.
واتفقت الجبهة الشعبية مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي على أن المبادرات العالمية، سواء الفرنسية أو غيرها، ما هي إلا حماية للكيان الإسرائيلي ودفع للفلسطينيين نحو الأوهام السياسية. وأضافت الجبهة أن تأجيل مؤتمر باريس يدلل على إهمال المجتمع الدولي للحقوق الفلسطينية.
فيما قال رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات: إن المؤتمر تم تأجيله لعدة أيام فقط؛ بسبب انشغال بعض الوزراء المدعوين للمؤتمر.
وكانت بعض من الدول الأوروبية عبرت عن الدعم والتأييد حيث لم تؤكد أمريکا أو روسيا على حضورهما للمؤتمر، ومع ذلك فقد رحب الفلسطينيون بقيادة محمود عباس بما أطلقوا عليه "المبادرة الفرنسية" اعتقادا منهم أنه على الرغم من فشل عملية السلام الثنائية التي تقودها أمريکا والتي بدأت بالتوقيع على اتفاقيات "أوسلو" في أوائل تسعينيات القرن الماضي، فإن المفاوضات المتعددة الأطراف قد تنجح بالتوصل الى حل ما.
وعلى الرغم من المحاولات الكاذبة التي جرت لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وخاصة بعد مؤتمر مدريد عام 1991 إلا أن الفلسطينيين دخلوا في نفق المفاوضات المخادعة التي لم تسفر عن إيجاد سلام حقيقي يضمن إعادة الحقوق لأصحابها ويحرر الأرض وينهي الاحتلال وتوابعه.
ومع ذلك يصر الفلسطينيون على التمسك بثوابتهم الوطنية وأرضهم وحقوقهم حيث أظهرت الوقائع خلال الأشهر الماضية عبر المحادثات الأخيرة التي حاولت أمريکا أن تصل من خلالها إلى اتفاق نهائي للصراع القائم الرفض الفلسطيني للخضوع للشروط والإملاءات الإسرائيلية فيما يخص الاعتراف فيما يسمى يهودية الدولة ورفض حق العودة وموضوع المستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
واليوم وبعد مرور 66 عاما على نكبة فلسطين يمكن القول إن الظروف تتشابه وتتطابق في كثير من مفاصلها فالمخططات الاستعمارية للسيطرة على المنطقة ونهب خيراتها ومقدراتها مازالت قائمة وبأشكال وتسميات مختلفة فيما الواقع العربي يزداد ضعفا وتشرذما في ظل وجود أنظمة وملكيات ومشيخات لا هم لها سوى نيل الرضا الأمريكي والإسرائيلي والمشاركة في تنفيذ مخططاتهما ليظل الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى لهذا الواقع المرير.