الوقت- للدول الغربية تاريخ طويل في دعم الارهاب والجماعات المتطرفة واستخدام هذه الجماعات سلاحاً ضد خصومها، ففي أواخر الثمانينات قامت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بدعم من السعودية بتمويل حركات اسلامية متطرفة لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، مما أدى إلى ظهور حركات طالبان والقاعدة، وقد أبرزت الدول الغربية قدرة عالية على توظيف هذه الحركات الارهابية وممارساتها من أجل خلق الذريعة لضرب الدول الاسلامية واحتلالها بدء من أحداث 11 سبتمر وحتى يومنا هذا .
ومنذ أحداث ما يسمى "الربيع العربي"، عمل الغرب على توظيف الجماعات المتطرفة بدء من ليبيا وصولاً إلى سوريا والعراق بهدف ركوب موجة الأحداث وتغيير موازين القوى في المنطقة بما ينسجم مع مصالحها، وعملت من خلال هذه الجماعات الارهابية على بث الفوضى في دول المنطقة وتحويلها إلى دول ضعيفة فاشلة تسيطر عليها النزاعات الداخلية مما يضمن تفوق الكيان الاسرائيلي على محطيه العربي والاسلامي. من ناحية أخرى لعبت الحركات والجماعات الارهابية دوراً هاماً لصالح الولايات المتحدة والغرب من خلال حرب التكفير التي تشنها على محور المقاومة بهدف استنزاف قوته وابعاده عن الصراع مع الكيان الصهيوني .
وقد لعبت دول حليفة للولايات المتحدة دوراً هاماً في توظيف الحركات الارهابية ودعمها بالمال والسلاح وتسهيل تجنيد عناصر لها عبر العالم وتجهيزهم وادخالهم إلى دول المنطقة .
إلا أن خطر الجماعات الارهابية سرعان ما ارتد على الدول الداعمة له، وامتدت نيرانه لتصل الدول الغربية، الأمر الذي تجلى واضحاً في أحداث صحيفة شارلي ايبدو الأخيرة في فرنسا، مما وضع حكومات الدول الغربية في موقف حرج أمام شعوبها، فالقوى المتطرفة التي ساندتها الدول الغربية بوصفها قوى تحررية، تبين للرأي العام أنها ما كانت سوى حركات ارهابية بعيدة كل البعد عن مفاهيم الحرية والديمقراطية، مما اضطر الدول الغربية إلى تغيير أساليب دعمها لهذه الحركات والانتقال من مرحلة الدعم المباشر إلى مرحلة الدعم الغير مباشر، وذلك بالرغم من ادراجها للعديد من الحركات المتطرفة على قائمة الارهاب .
ونستعرض فيما يلي بعض من الشواهد على الدعم الغير مباشر الذي تقدمه الدول الغربية للحركات الارهابية في العالم :
- الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سوريا، والتي كان آخرها الاعتداء الاسرائيلي على كوادر لحزب الله والحرس الثوري الايراني في مزارع الملاح في مدينة القنيطرة السورية، حيث يعمل الكيان الاسرائيلي على ايجاد منطقة عازلة من الجماعات الارهابية تكون حائلاً بينه وبين قوات المقاومة السورية واللبنانية، وتشير اوساط مطلعة إلى وجود تنسيق استخباراتي ولوجستي بين الكيان الصهيوني والجماعات الارهابية بما فيها جبهة النصرة من أجل سيطرة الجماعات المسلحة على المناطق المحاذية للجولان السوري المحتل، الأمر الذي أنعكس ايجاباً على أداء هذه الجماعات في تلك المناطق .
وبالرغم من كل الانتهاكات لحقوق الانسان التي تقوم بها جبهة النصرة في المناطق التي تسيطر عليها، أعلنت دول أوروبية عن تأييدها لحذف جبهة النصرة من قائمة الارهاب، شرط تخلي الجبهة عن مبايعة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة .
- العمل على ايجاد اقطاب مسلحة في العراق من خلال تسليح بعض الجماعات الإرهابية، وخلق كيانات متناحرة منقسمة طائفياً ومناطقياً، في سعي منها لإضعاف الحكومة المركزية واستنزافها في معركتها مع "داعش" لحذف العراق من المعادلة الاقليمية والدولية، كما أن قوات التحالف التي يقودها الغرب قامت أكثر من مرة بإلقاء ذخائر لقوات داعش، متذرعة بأن ذلك تم عن طريق الخطأ، حيت ووفقاً لاعترافات لمسؤولين أمريكيين، لا تريد أمريكا والغرب القضاء على داعش، انما تعمل على تدجينه وحسب .
- العمل على عرقلة الحل السلمي في سوريا من خلال الضغط على بعض الفصائل المعارضة الموالية لها، وتدريب فصائل لما يسمى "الجيش السوري الحر" في كل من الأردن وقطر وتركيا، وتقديم الدعم لهذه الجماعات عبر الحدود الطويلة المفتوحة بين سوريا وتركيا .
- فرض عقوبات اقتصادية على الدول ذات الدور الأبرز في محاربة الارهاب والمتمثلة بسوريا وايران، بما فيها حظر بيع النفط الايراني والسوري، لإيجاد أزمات اقتصادية لهذين البلدين، تمنعها عن ضرب "داعش" بشكل مؤثر .
- التعامل المشبوه مع حركة بوکوحرام الارهابية في نیجيریا، حيث قدمت هذه الحركة خدمة جليلة للغرب من خلال اشاعة الاسلام فوبيا في العالم، واستخدام هذا الأمر للضغط سياسياً على الحكومة النيجيرية، الأمر الذي أسهم في نهاية المطاف لعدم تصويت نيجيريا في الأمم المتحدة على قرار تشكيل دولة فلسطينية مستقلة بما يتساوق مع الأهدف الغربية والاسرائيلية .
- خفض اسعار النفط في العالم، حيث انخفضت أسعار النفط في العالم نتيجة لمؤامرة سعودية مع الدول الغربية، الأمر الذي أنعكس سلباً على دول مثل ايران والعراق ونيجيريا هي بأمس الحاجة للموارد النفطية من أجل حربها على الارهاب، وذلك في محاولة مقصودة لإطالة عمر الحركات الارهابية واستخدامها لتحقيق المآرب الغربية في المنطقة .
هذه الشواهد ينبغي أن تدفع الانسان العربي والمسلم للتفكير ملياً فيما يحاك لبلاده من قبل قوى استعمارية لها تاريخ طويل من الهيمنة والاحتلال واذلال الشعوب، هذه الدول الاستعمارية لن تترك شعوب المنطقة كي تعيش بسلام مالم تتحد هذه الشعوب فيما بينها، وتتحلى بالوعي الكافي وتنبذ الفتنة الطائفية والمناطقية .