الوقت- لا يستطيع احد ان ينكر انجذابه لمواقف حزب العدالة والتنمية التركي في بداية سنوات حكمه التي بدأت عام 2002 والتي اتسمت بنوع من التحرر والدعوات لنصرة الشعوب المظلومة خاصة الشعب الفلسطيني وما سفينة مرمرة الا مثال على اكبر تحدي قاده العدالة والتنمية لكسر الحصار عن شعب غزة.
لكن مع مرور الوقت بدأت تصدر منه مواقف مغايرة للمبادئ والشعارات التي رفعها، هذا ما شكل ازمة ثقة بينه وبين كل من أعجب بسياساته التي انتهجها في البداية .
فمنذ أن وصل هذا الحزب الى سدة الحكم في تركيا رفع شعار الاسلام المعتدل الداعي للسلام والمحبة وبدأ سياسة داخلية قائمة على التعاون مع كل الفرقاء السياسيين وتخفيف حدة التوتر مع حزب العمال الكردستاني والسعي نحو تحقيق ازدهار اقتصادي بالإضافة الى تدعيم السياسة الخارجية باقامة علاقات مميزة مع دول الجوار وفي مقدمتهم سوريا وايران.
وبالفعل استطاع الحزب ان ينهض بالاقتصاد التركي الى مستويات كبيرة واصبحت تركيا دولة محورية بالمنطقة حتى انها اقتربت من مسألة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي لولا الرفض الفرنسي لذلك بسبب مجازر الارمن التي قام بها العثمانيين القدماء.
لكن عندما يصف البعض حزب العدالة والتنمية بالعثمانيين الجدد فاعلم ان تغيرات جوهرية قد طرأت على سياساته والتي يمكن القول انها اخذت تنحو منحى الديكتاتورية في التعامل مع الفرقاء حتى ان احمد داوود اوغلو في عام 2009 وكان وزيرا للخارجية انذاك اقر بأنه وحزبه ورثة الدولة العثمانية وانهم العثمانيون الجدد.
وهو ما اعتبره الكثير من الساسة وجهاً جديداً للعدالة والتنمية يكشف عن نزعة سلطوية لدى مسؤولي هذا الحزب الذين بدأوا يسعون الى احكام السيطرة على مقاليد الحكم بالبلاد من خلال تحويل نظام الحكم الى رئاسي وهو مالم يلاقي ترحيبا من قبل الشعب التركي.
وقد ظهر هذا جلياً من خلال الانتخابات المتعاقبة التي خاضها حزب العدالة والتنمية والتي استطاع الفوز من خلالها الا انه لم يحقق النسبة التي تمكنه من تحقيق هذا الحلم.
ففي 12 يونيو 2011 فاز الحزب بالانتخابات التشريعية وذلك بعد حصوله على327 مقعداً من أصل 550 مقعد في البرلمان، إلا أن ذلك لم يخوّله بتنفيذ مراده في تعديل الدستور دون الرجوع للمعارضة، الأمر الذي يتطلب ثلثي مقاعد البرلمان أي 367 مقعد.
وفي انتخابات 7 يونيو 2015، فاز الحزب بأغلبية غير ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى حيث حصل على 258 مقعد من جملة 550، وكان يجب عليه تكوين حكومة تحالفات مع أحزاب أخرى، ولكن لم يحصل اتفاق وبقيت حكومة "أحمد داوود أوغلو" الثانية حكومة مؤقتة حتى انتخابات نوفمبر المبكرة.
وفي انتخابات 1 نوفمبر 2015، فاز الحزب بأغلبية ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى حيث حصل على 317 مقعد من جملة 550، واصبح لديه القدرة لتكوين حكومة وحده.
عندما نتحدث عن التغيرات التي طرأت على سياسة الحزب الداخلية، لا بد من الاشارة الى التغيرات في السياسة الخارجية التي وسمها البعض بالعنيفة والتي وصلت حد الجنون.
فمنذ اندلاع احداث ما يسمى بالربيع العربي اتخذت تركيا موقف المناصر للشعوب بتحقيق مصيرها حيث وقفت الى جانب الشعب التونسي والليبي والمصري ودعمت ثورتهم وكانت حليفا لمحمد مرسي الرئيس المصري الذي لم يبق طويلا بالحكم حتى تم الاطاحة به وهذا ما دفع تركيا الى معاداة "عبد الفتاح السيسي" الذي تسلم مقاليد الحكم في مصر و ما تزال علاقاته متوترة مع الاتراك حتى هذا اليوم.
واذا ما انتقلنا الى سوريا الجارة الاقرب لتركيا والتي تشترك معها ب 800 كيلومتر . نجد كيف بدات تركيا بإسداء النصائح للرئيس "الاسد" الذي كان يعد صديقا حميما لها عقب اندلاع الازمة السورية عام 2011 الى ان وصلت هذه النصائح حد مطالبة "الاسد" بالتنحي وهذا ما عدته الحكومة السورية تدخلا سافرا بالشؤون الداخلية للبلاد.
ما جعل الرئيس الصديق يتحول فجأة الى عدو بنظرها وهنا بدأت سياسة العداء لسوريا والتي تمثلت بفتح الحدود لما اسمتهم المجاهدين ضد نظام الاسد العلوي الذي يقتل السنة على حد تعبيرها.
هذه السياسة المتطرفة التي لم يعهدها الشارع الاسلامي والعربي من حزب التنمية بدأت تظهر جلية من خطابات مسؤوليه الذين اعلنوا انفسهم حماة السنة في المنطقة وهم يعلمون خطورة هذه التصريحات وما تؤدي اليه من توتر طائفي كبير خاصة بعد الحلف الذي شكلته مع السعودية وضم عددا من الدول الاسلامية والذي ينضوي على اهداف خطيرة تنبعث منها رائحة التطرف والمذهبية. ولكي تكتمل حلقات المسلسل التركي فقد قام العدالة والتنمية بانشاء مخيمات للنازحين من الشعب السوري عند الحدود.
هذه المخيمات التي شهدت حالات اغتصاب وانتهاك سافر لاعراض السوريين وهو ليس بالامر المخفي بل تحدثت به كل وسائل الاعلام، فأين كان حزب العدالة والتنمية من هذه الانتهاكات؟
الايام التي تلت كشفت لنا الهدف الانساني التركي من وراء اقامة تلك المخيمات الا وهو الضغط على اوروبا لتقديم تنازلات فيما يخص اتفاقية انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي وذلك عن طريق السماح لالاف اللاجئين بالهجرة الى دول الاتحاد.
وما الاتفاقية الاخيرة التي تم توقيعها بين اوروبا وتركيا الاخير شاهد على ذلك و أما مئات السوريين الذين ابتلعتهم مياه البحر قبل الوصول الى ارض الاحلام التي غصت باللاجئين فهم ورقة الضغط التركية التي احترفت اللعب بها.
ونحن عندما نتحدث عن سياسة عداء حزب العدالة والتنمية لسوريا لا بد ان نذكر قيام عصابات محمية من قبل النظام التركي بخطة ممنهجة للقضاء على الشريان الاقتصادي في سوريا وذلك عن طريق تفكيك وسرقة كل المعدات والاجهزة من المعامل السورية في حلب وتهريبها الى تركياوهو الامر الذي تحدثت عنه الصحف التركية قبل السورية.
المشكلة ان النزعة الديكتاتورية للعدالة والتنمية لم تتوقف عند هذا الحد من التدخل بل تعدته الى تدخل عسكري مباشر عن طريق مد الجماعات المسلحة بالمال والسلاح وصولا الى قصف مباشر لمواقع الجيش السوري في الريف الحلبي للتخفيف عن هذه الجماعات وهذا كله جعل الراي العام التركي بغالبيته ينقلب على سياسة الحزب التي اخذت تنعكس في الداخل التركي من خلال عمليات تفجير هنا وهناك أرّقت الشارع التركي .
وحتى روسيا لم تسلم من حماقات الحزب الحاكم في تركيا والذي ارتكب خطأً فادحاً بإسقاطه لطائرة السوخوي الروسية عام 2015 الامر الذي مهد لحرب باردة بين الروس والاتراك التي لانعلم متى ستتحول الى حرب ساخنة مباشرة خاصة ان التطورات الميدانية في سوريا تشير الى هدنة في كل الجبهات ما عدا جبهة حلب والتي ربما ستشهد في الأيام القادمة معركة مباشرة بين الجيش السوري وحلفاؤه من جهة والجماعات المسلحة وتركيا التي تتوعد بتحرير حلب من جهة ثانية. الى متى سيستمر حزب العدالة والتنمية في تركيا بهذه السياسات التي ما جلبت لتركيا ودول المنطقة إلا الخراب ؟