الوقت - تشير التطورات الدبلوماسية والميدانية إلى أن تحركات واسعة تجري من جانب أطراف النزاع في سوريا بصدد إستئناف المعركة في مدينة حلب شمال غرب البلاد. وهذه المعركة بإعتقاد الكثير من المراقبين قد تقرر مصير الحرب في سوريا.
وخلال السنوات الخمس الماضية شهدت حلب معارك متعددة كان آخرها في شباط/فبراير الماضي حيث تمكنت قوى المقاومة التي تقاتل إلى جانب القوات السورية من تحرير مناطق إستراتيجية في مقدمتها نبل والزهراء وقطع أهم طرق إمداد الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" عبر الحدود التركية.
وبعد هذه الإنتصارات التي شكلت نقطة تحول في النزاع السوري توصلت روسيا وأمريكا وحلفاؤهما إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا. وكان من المتوقع أن يتيح هذا الإتفاق المجال لإحراز تقدم في المفاوضات السياسية لتسوية الأزمة السورية، وذلك من خلال تحفيز المعارضة على المشاركة الجديّة في هذه المفاوضات. ولكن رغم مرور قرابة الشهرين على الهدنة لم تحقق المفاوضات أي نتيجة تذكر. ليس هذا فحسب؛ بل عاودت الجماعات الإرهابية هجماتها ضد القوات السورية والقوى الحليفة لها والمدنيين في بعض المدن لاسيّما في حلب وتحديداً في منطقة "تل العيس" جنوب غربي المدينة ما أدى إلى إستشهاد وإصابة عدد من المدنيين ومقاتلي المقاومة.
ورغم إستمرار الهجمات الإرهابية التي شكّلت إنتهاكاً واضحاً لوقف إطلاق النار، سعى محور المقاومة والدول الحليفة له ومن بينها روسيا إلى ضبط النفس لإتاحة فرصة أكبر لمواصلة المفاوضات السياسية بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف.
إلاّ أنه وبعد فشل هذه المفاوضات قرر محور المقاومة إستئناف عملياته ضد الجماعات الإرهابية. ووفقاً للتقارير الميدانية الواردة من ساحة العمليات نشرت المقاومة قواتها ومعداتها إستعداداً لخوض معركة حلب، فيما واصلت روسيا مساعيها الدبلوماسية لإستئناف المفاوضات لإلقاء الحجة على الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وحلفائها في المنطقة.
وفي هذا الإطار إتهم وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" واشنطن بالتنصل عن تعهداتها بعزل ما تسميّه الإدارة الأمريكية "المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا" عن الجماعات الإرهابية لاسيّما "جبهة النصرة" في حلب.
وأشار لافروف إلى أن بلاده بصدد جمع معلومات عن تعاون "جبهة النصرة" مع باقي الجماعات المسلحة التي أعلنت موافقتها على وقف النار، لغرض إطلاع مجلس الأمن الدولي على هذا الأمر من أجل تغيير لائحة الجماعات المدرجة على قوائم الإرهاب.
وطبقاً للإتفاق الروسي - الأمريكي وقرارات مجلس الأمن الدولي تعتبر "جبهة النصرة" و"داعش" وكافة الجماعات المتعاونة معهما منظمات إرهابية ويُسمح بإستهدافها عسكرياً في سوريا والعراق وغيرها من الدول. وقبل عدّة أيام طالبت موسكو رسمياً مجلس الأمن الدولي بإدارج ما يسمى "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" في قائمة المنظمات الإرهابية.
ومن المناسب أن نشير هنا إلى بعض التصريحات التي أطلقها مؤخراً عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين بهذا الخصوص بينهم وزير الخارجية جون كيري والمتحدث بإسم ما يسمى "التحالف الدولي" لمحاربة الإرهاب "ستيف وارن" حيث أكدا أن "جبهة النصرة" التي تسيطر على مناطق واسعة في حلب غير مشمولة بالهدنة، ومن حق القوات السورية وحلفائها إستهدافها، الأمر الذي أثار حفيظة الأطراف المعارضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.
وخلال الأيام القليلة الماضية قام الجيش السوري بنشر الكثير من قواته مع عدد كبير من المعدات والتجهيزات العسكرية، بينها العشرات من كتائب المدفعية والدبابات والصواريخ في المناطق القريبة من حلب، كما قام محور المقاومة وفي مقدمته حزب الله بنقل الكثير من قواته من جبهة تدمر شمال شرق دمشق إلى أطراف حلب إستعداداً لبدء المعركة الفاصلة ضد الجماعات الإرهابية التي تسيطر على هذه المدينة وفي مقدمتها "جبهة النصرة" من أجل تحريرها من هذه العصابات.
وفيما نشرت القوات الروسية مدفعيتها في المناطق المحيطة بحلب، وصلت قوات ايرانية جديدة إلى عدد من الخطوط الأمامية من جبهات القتال ضد الجماعات الإرهابية في هذه المدينة.
وتشير جميع الإستعدادات العسكرية التي تقوم بها القوات السورية والقوات الحليفة لها إلى أن العد التنازلي لتحرير حلب بدأ يقترب، ولم يبق سوى إتخاذ القرار السياسي لتنفيذه، خصوصاً وأن المقاتلات الروسية شرعت منذ أيام بضرب مقرات ومواقع وآليات ومخازن عتاد الجماعات الإرهابية في العديد من مناطق هذه المدينة خصوصاً المكشوفة والتي لا توجد فيها كثافة سكّانية.
إستراتيجية معركة حلب
يعتقد معظم الخبراء والمحللين العسكريين بأن العمليات الواسعة النطاق التي تعتزم تنفيذها القوات السورية والقوات الحليفة لها لتحرير مدينة حلب ستنطلق مباشرة بعد تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية داخل المدينة من خلال محاصرتهم وقطع كافة طرق الإمداد عنهم تمهيداً لإقتحام المدينة من أكثر من محور، خصوصاً وأن الجيش السوري وقوات المقاومة المتحالفة معه كانت قد نجحت في تنفيذ هذا النوع من العمليات في مناطق مختلفة من البلاد وتمكنت من تحريرها بعد إلحاق هزائم منكرة بالجماعات الإرهابية وتكبيدها خسائر فادحة بالأرواح والمعدات.
كما يعتقد هؤلاء الخبراء بأن معركة تحرير حلب ستقلب المعادلة العسكرية في سوريا بشكل جذري وتنقل المبادرة الإستراتيجية بشكل نهائي وحاسم إلى الجيش السوري وكل من يقف معه في خندق واحد ضد الإرهاب والتقسيم.
والجدير بالذكر أن حلب كانت تعتبر عاصمة الإقتصاد السوري في السابق، أي قبل إندلاع الأزمة في هذا البلد في آذار/مارس 2011. وهذه المدينة تمثل الآن معيار القوى في شمال وشمال غرب البلاد، حيث الحدود التركية ومعادلة الموازين الإقليمية والدولية.