الوقت- لم تکن اوروبا تعي ماذا تفعل عندما ساهمت و بأشکال متعددة في تکبير الوحش المتطرف عندما کان في مهده، وحش ولد في مهد سعودي, نمى وتربى عقائديا "على التكفير والقتل, بدعم ومباركة غربية وامريكية, فكان ما لا يتوقعون عندما هاجمهم جميعا", متجرعين كأس السم الذي صنعوه.
يكابر الغرب فى الإعتقاد الخاطئ انه قادر على ردع الإرهاب وعزل بلاده عن الذئاب الشاردة التي دربها وقدم لها وسائل الفتن والقتل، فقد اعتمد الغرب الإرهاب أداة من اجل تحقيق مشروعه الاستعماري الجديد في المنطقة وهو المشروع الذي فشل في فرضه عبر أربعة حروب متتالية نفذها في اقل من عقدين، وتصورت أميركا ومعها أوروبا وإسرائيل، أن تدميرالمنطقة واجتثاث تاريخها وتراثها وتهجير سكانها بعد الفرز على أساس ديني وعرقي، سيمكنها من إعادة صياغة المنطقة وفقا لما تريد، للانتقال من صورة سايكس بيكو التي انتجت إسرائيل، إلى صورة صهيواميركية تجعل من أميركا قائدة للعالم ومن إسرائيل مديرا إقليميا محليا للمنطقة ودول عربية مجرد مجموعات من القبائل والمذاهب تتقاتل تحت اسم الدين ويدمر بعضها بعضا".
فما جرى في سوريا ما هو الا الدليل اليقين على ذلك, بعد أن قامت اوروبا وامريكا ودول عربية بدعمها وبكل الاشكال, المجموعات التكفيرية التى اجتاحت سوريا والتي احرقت البشر والحجر, إرهاب خرج من السجون السعودية تحت رعايتهم جميعا", ظانين أنهم بهذه الطريقة يستطيعون تمزيق البلاد و العباد و يمکنهم التخلص من الخطر المختبئ تحت رماد دولهم المتمثل بالسلفيين المقيمين فيها.
فالحكومات الأوروبية تجاهلت نمو هذا الإرهاب في سوريا، لكن عندما تحول الإرهاب إلى جيشٍ، وجذب المقاتلين والتمويل والدعم من بعض دول أوروبا، استيقظت بعض تلك الحكومات على خطرٍ يقرع أبوابها واتخذت إجراءاتٍ أمنيةٍ لاستباق التهديدات التي تمثلها الهجرة العكسية للمقاتلين الأجانب .
لکن وبحسب الكثيرين فقد فات الاوان, لان اغلب العائدين الى بلادهم مشبعين بالكراهية والتكفير ناهيك عن القدرات والخبرات العسكرية التي اكتسبوها من جراء الحرب الدائرة هناك. ويكمن المأزق الغربي ايضا" بالمواطنين الذين يحملون جنسيات دوله، مثل "الدواعش الأوروبيين" الذين سافروا للقتال بصفوف داعش، فمن بين 11 ألف مقاتل أجنبي هناك 3 آلاف من مواطني الدول الأوروبية أمام هذا الخطر.
يبدو هامش الحركة لدى اوروبا ضيقا جداً، فالانظمة الاوروبية لا تملك أي سلطة قادرة على منع أي أوروبي من السفر الى أي دولة في العالم غير موضوعة على لائحة الخطر، وتركيا (الممر الاجباري للارهابيين الى سوريا) ليست من الدول الممنوعة، ومع عودة هؤلاء الى بلادهم يزداد الأمر صعوبة، وتبدو حالة مهدي نموش المتهم في اطلاق النار على المتحف اليهودي في بروكسل في 24 أيار الماضي مثالا واضحا على عجز الاجهزة الامنية من ملاحقة هؤلاء، فمهدي، وهو فرنسي الجنسية، الذي أمضى عاما كاملاً في سوريا كان معروفا من قبل الاجهزة الامنية الفرنسية، وقد أمضى اوقاتا متقطعة في السجون الفرنسية لجرائم عادية، وفي المرة الأخيرة أمضى ست سنوات تعرف خلالها على الفكر الجهادي داخل السجن، وانتقل بعد خروجه الى سوريا عبر عدة دول منها بريطانيا ولبنان من أجل التمويه قبل محطته الأخيرة ما قبل سوريا الاراضي التركية .
وما شهدته الحدود السعودية وفرنسا وبعض دول اوروبا مؤخرا" ما هو إلا خطوة من خطوات الارهابيين, التي ستؤرق نوم اوروبا وما يدور في فلكها. فهل ستقدم الدول الصانعة للوحش الجهادي على خطوات منطقية للتخلص منه او ستكابر على جريمتها ؟؟
الواضح حتى الان انهم ماضون في عنجهيتهم, فلم يتحرك أوباما أو أي من الرؤساء الأوروبيين أو قيادات الناتو، تحركا حقيقيا على الأرض لتجفيف منابع الإرهاب فى سوريا والعراق وليبيا وسيناء، لم يتحركوا لوقف تدفق الأسلحة والأموال على الميليشيات المسلحة، لم يتحركوا بجدية لسحب المقاتلين الأوروبيين والأمريكيين من مناطق القتال المشتعلة بالشرق الأوسط، لم يوقفوا عقود شركات القتل العاملة على توريد السلاح والمرتزقة وإشعال الحروب الأهلية بين الفصائل والطوائف المتنازعة .
يذهب البعض الى الاعتقاد بان الاحداث الاخيرة فرصةً ذهبية للسلطات الأوروبية لتبرير المشاركة في الحرب ضد تنظيم «داعش»، وستبرر أيضاً فرض المزيد من الإجراءات الأمنية وتسمح بتمرير الزيادات المطلوبة في الموازنات الأمنية والدفاعية. وإذا ما أردنا التركيز على حادثة الهجوم على الصحيفة الفرنسية بحد ذاتها، فإنه من المرجح أن تشكل هذه الحادثة ذريعة للسلطات الفرنسية للتدخل بشكل مباشر في سوريا بحجة محاربة الإرهاب، أكثر من أن تكون هذه الحادثة دافعاً لانعطافه في السياسة الفرنسية تجاه المنطقة.
لكن مهما كانت الإجاراءات فإنه من المرجح أن تشهد اوروبا ودول عربية هجمات جديدة, لان واقع الميدان من العراق الى سوريا تحديدا" ينبئ بأن مشروع التكفير قادم على هزائم متتالية, مما يحتم على الارهابيين الاجانب العودة الى بلادهم وهذا يدخل تلك البلاد في المحظور التي رسمته لغيرها مؤكدة المثل القائل "طابخ السم آكله".