الوقت- القوات الأمريكية المنوي ارسالها إلى سوريا، و الهدنة و خروقاتها المتكررة في حلب خصوصاً، و خلفيات الهبّة المستجدة من أمريكا و حلفائها لمحاربة الإرهاب و مواضيع أخرى في سوريا و العراق و اليمن كانت موضوع حوارنا مع الخبير العسكري و الاستراتيجي العميد "محمد عباس"، و الذي جاء فيه:
الوقت: في بداية حوارنا سألنا "العميد عباس" حول خلفيات القرار الأمريكي إرسال قوات إضافية إلى سوريا خاصة أن لها تجارب فاشلة سابقة من حيث تدريب المعارضة و التحالف الذي شكلته؟
العميد عباس: "في الأصل هناك حوالي 50 جندي أمريكي متواجدون في الحسكة، أي المنطقة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية. و باعتقادي أن هذه القوات الجديدة سترسل إلى نفس هذه المناطق، و من ناحية القوانين الدولية و المواثيق والعرف السياسي فهذه بلطجة سياسة من الولايات المتحدة، لأن إدخال قوات دون موافقة الحكومة الشرعية السورية هو عملية لا تقرّها لا القوانين و لا المواثيق الدولية، و بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية لا تكترث لكل هذه الأمور إذا ما أرادت التدخل."
و أوضح قائلاً: "من جهة ثانية هذا التمركز جاء بعنوان تدريب و مساعدة لقوات المعارضة ضد داعش، و المقصود بهذه القوات سوريا الديمقراطية و وحدات حماية الشعب الكردي الموجودة في شمال الرّقة و في الحسكة، و بتقديري هذه القوات المرسلة هي لتكريس مناطق النفوذ لأن التدريب عملياً انتهى، اذ أن الأكراد سيطروا على تلك المناطق بدعم من سلاح جو التحالف الأمريكي تحديداً و بدون وجود قوات أمريكية على الأرض، و لكن الولايات المتحدة تتذرع بالتدريب لتتواجد على الأرض لإيجاد مناطق نفوذ بديلاً عن المنطقة الآمنة التي كان يطالب بها الأكراد، يعني منطقة نفوذ في الحسكة و الرقّة لحلفاء أمريكا أي الأكراد، و ريف حلب لتركيا و باقي المناطق للدولة السورية و غير مسموح القيام بعمليات في هذه المناطق، انتم هناك و نحن هنا، و دعوا العمليات في الرقّة لأمريكا و حلفائها، هذه هي الرسالة من الموضوع."
و تابع قائلاً: "أيضاً الوجود الأميركي في المنطقة يعزز نظرية النوايا الأمريكية بخلق كيانات أو اذا ما قلنا دول، حسب ما تحدثوا هم في مرّات عديدة حول دولة فدرالية سواء في العراق أو سوريا، و الفدرالية قائمة على اساس عرقي أو مذهبي و طائفي، و هو ما طرحه "جو بايدن" للعراق في 2004 ثم طرحه مسؤولين أمريكين حول سوريا، أنه آن الآوان لكي يقرر الشعب السوري مصيره بموضوع الفدرالية، و هم يتحدثون عن ضرورة وحدة أوروبا و لكن لا بأس بتقسيم سوريا، و يحضّون بريطانيا على البقاء في الاتحاد الأوروبي لأجل وحدة اوروبا و مصلحة أوروبا و مصلحة الإنسانية، أما تقسيم مناطقنا فهذا في آخر اهتماماتهم."
و أكمل: "من جهة أخرى فإن معركة حلب جاءت في هذا الإطار نفسه، ولم تحصل فجأة، فأتت بعد بدء المفاوضات و كان طرف الدولة السورية هو الأقوى في الميدان، و كان الجيش العربي السوري يتابع تقدمه السريع في ريف حمص الشرقي و حتى دير الزور او الرقّة كانتا مهددتان و وجدت إمكانية لإندفاع سريع للجيش العربي السوري نحو تلك المناطق المفتوحة عملياً، و عندما نتحدث عن معارك حلب نتحدث عن معارك صعبة لما لها من ظروف صعبة من اكتظاظ سكاني و غيره، بينما المعركة باتجاه الرقّة و دير الزور تحديداً كانت أسهل و كانت ستتيح للجيش السوري قطع الإمدادات عن داعش و المسلحين من تركيا و العراق، و هذا الأمر كان خطاً أحمر بالنسبة للأمريكيين لأن الاستثمار على داعش لم ينته بعد و لم يأن أوان الحل بعد بنظرهم، لأنه لو كان هذا واقع الأمر كانوا سمحوا للقوات العراقية بالتقدم في غرب الأنبار، و التقدم البطيء للقوات العراقية هو بسبب العرقلة الأمريكية، و نحن نعلم ان الجيش العراقي توجه بعد الرمادي شرقاً و لم يتوجه غرباً، و الآن التقدم غرباً محدود فوصل الجيش العراقي الى هيت، أما الوصول الى الحدود السورية العراقية فهذا من شأنه اراحة الجيش السوري و السماح له بالتقدم هناك."
و استنتج قائلاً: "بتقديري في معركة دير الزور لم يرغب الأمريكيون بتفوق الجيش السوري، لذلك و بالحد الأدنى غضّوا النظر عن الهجوم في ريف حلب الجنوبي و مدينة حلب الذي قام به المسلحون و لم نسمع تصريحاً واحداً مستنكراً لهذا الخرق الواضح للهدنة، خاصة أن من قام بهذا الخرق هي قوات وافقت على قرار وقف اطلاق النار و في مناطق مشمولة في الاتفاق، بينما نرى ارتفاع في اللهجة عند تحرك الجيش السوري لاسترجاع هذه المناطق التي فقدها في المعارك الأخيرة سواء في العيس أو غيرها، فيتصل "كيري" بـ "لافروف" و يطلب منه الضغط على السوريين لمنع خرق الهدنة، و هذا يؤكد أن ما حصل في حلب هو بقرار أمريكي و بتنفيذ ما سمّي بمعارضة و بدعم تركي و سعودي و قطري لاعادة نوع من التوازن في الميدان ينعكس على المفاوضات السياسية في جنيف."
الوقت: شكلت المعارضة فرقة أسمتها "الحمزة" بهدف محاربة داعش، و الإمارات بدأت حملة في الجنوب اليمني ضد داعش و القاعدة، و كلا الأمرين برعاية أمريكية، ما الذي غيّر الأولويات الميدانية عند هذه الأطراف في هذا الوقت تحديداً؟
العميد عباس: "المسألة أصبحت مفضوحة، لأنه في اليمن و في مناطق تواجد التحالف الأمريكي السعودي باتت تتواجد داعش و القاعدة، اما في المناطق تحت سيطرة الجيش و اللجان الشعبية فلا أثر للقاعدة و داعش، و هذه التنظيمات تمددت مستفيدة من الحرب القائمة و من التسهيلات التي أعطيت لها عندما فشل العدوان السعودي في تحقيق أهدافه، فغض النظر عن هذه التنظيمات الارهابية لأنها الأقدر على خوض المعارك و أقدر على الاستقطاب."
و تابع: "تماماً كما حصل في سوريا، فعندما وجدوا انه ليس هناك جيش حرّ اعلنوا فترة سماح، بأن خذوا راحتكم باستعمال أي قوى، و هذا ما يتحدثون عنه في الكونغرس بأنه سُمح للنصرة و داعش بالتمدد في سوريا لأن باقي التنظيمات هي هشّة و هلامية لا قيمة لها، و هؤلاء فقط قادرين على القتال في وجه الدولة السورية و جيشها، و الدليل ان كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة هي بمعظمها تحت سيطرة النصرة و داعش، و البقية تحت ما تصّر أمريكا بتسميته بالمعارضة المعتدلة، و موضوع قتال داعش هو بسبب افتضاح الأمر و خصوصاً بسبب الضغوط الشعبية و الصحفية الأمريكية و الغربية و التساؤلات داخل مجلس الشيوخ، و ما سمعناه من عضو الحزب الجمهوري الذي اعتبر ان داعش و الارهاب ينمو في المناطق التي تقع تحت نظر الغرب و الأمريكيين."
الوقت: لماذا لم تبدأ هذه الحملة عندما كانت داعش في أوج قوتها و كادت تهدد بغداد مثلاً، لماذا بدأت هذه الحملة بعدما بدأ المحور الآخر أي سوريا و حلفائها بالتقدم جدّياً في مواجهة الإرهاب و داعش؟ هل يستثمرون في مشروع ناجح؟
العميد عباس: "طبعاً، إنهم 60 دولة و فيهم أربع او خمس دول ذات قدرات عسكرية أكبر من روسيا، و يشكلون تحالفاً بالاضافة الى ما يسمى بالتحالف العربي و لم يحققوا شيئاً، و لم تكن النية موجودة أساساً لتدمير داعش، و كان هدفهم احتواء داعش لا تدميرها، لأن داعش ستبقى تستثمر حتى تتحقق الأهداف النهائية في تقسيم المنطقة، و هم استخدموا داعش كما قال عضو الكونغرس الجمهوري لإسقاط الدول العلمانية في المنطقة، و استعانوا بدول ذات ايديولوجيات اسلامية متطرفة لاحداث هذه الفوضى في المنطقة."
و أكمل:" هم لم يكونوا جادّين و سمحوا لداعش بالتمدد للوصول الى الموصل لفرض أجنداتهم في العراق، و الآن نرى نتائج هذا الأمر الذي انعكس سلباً على أوروبا و لكن الولايات المتحدة تقريباً بعيدة عن متناول يد داعش و تهديده، فلا يهمهم اذا ما حصل عملية او اثنتين فيما ترزح اوروبا تحت الخطر الأكبر."
و استنتج قائلاً: "اذاً التوقيت جاء بعد سنتين من تمدد داعش و تحت نظر التحالف الأمريكي، وبعد التدخل الروسي و حلفاء سوريا فُضح قصورهم فقط في أربع أشهر، ليُنتزع مناطق استراتيجية عديدة من داعش، و كادت تهزم داعش و النصرة نهائياً في سوريا، و تقدم الجيش بسرعة كبيرة و هم انفسهم اعترفوا بذلك بأن داعش فقدت مناطق كبيرة في سوريا و لكن لم يصرحوا طبعاً أنها فقدت لصالح الجيش السوري، لذا اتوا ليقولوا نحن أيضاً نقاتل داعش، و ليرسموا مناطق النفوذ التي سبق و تحدثنا عنها."
الوقت: و أخيراً نسأل حول التضخيم الاعلامي العربي و الغربي لأي عمل عسكري للجيش السوري ضد الارهابين و اعتباره خرقاً للهدنة، فيما لا يأتون على ذكر ما يحصل في حلب مثلاً؟
العميد عباس: "هذا طبيعي، فالمعركة تستهدف سوريا الدولة و الشعب، لذا يغضون النظر عن داعش و النصرة و الارهاب ككل، فحتى اليوم لم نسمع تصريح أمريكي واحد يستنكر التفجيرات التي تحصل في سوريا و تستهدف المدنيين سواء في الزهراء أو في السيدة زينب مؤخراً، هم و حتى يومنا لا زال هدفهم الرئيسي المضمر و المُعلن هو إسقاط الدولة السورية، أما شعار اسقاط داعش هو فقط للاستهلاك."
و أكمل: "هم و حتى يومنا لم يضعوا داعش و النصرة على اللوائح الأمريكية للارهاب بمعنى التطبيق و التنفيذ، وضعوهم نظرياً فقط، بينما عندما وضعوا حزب الله على لوائح الارهاب بدؤا بتنفيذ القرارات مباشرة، فيما لم يحدث ذلك بالنسبة لموارد داعش المالية و الدول الراعية لها مثلاً، و حتى لم يمنعوا تدفق المسلحين الى سوريا."
و انتهى قائلاً:"موضوع الهدنة و خرقها هو من ضمن الاستهداف الدائم لسوريا، فمثلاً النصر الكبير الذي حققه الجيش السوري في تدمر ضد داعش لم يأتي الأمريكيون على ذكره أصلاً رغم انه ضد داعش، و في العراق هم يعيقون العملية العسكرية و يبطؤنها بحجج عدة و يثيرون النعرات الطائفية رغم ان العدو هناك داعش فقط، و لكنهم يريدون المناطق المحررة في يد جماعات طائفية معيّنة بعد تحريرها، و ذلك ضمن مخططهم للتقسيم الفدرالي المرسوم للعراق."
