الوقت- منذ تكليفه كمبعوث للامم المتحدة الى سوريا استطاع الدبلوماسي الجزائري "الاخضر الإبراهيمي" أن يعقد جلستي حوار بين النظام و المعارضة و لكن جهوده و محاولاته الحثيثة وصلت إلى طريق مسدود في شباط 2014 مما ادى إلى إستقالته بتاريخ 31 أيار 2014. فبدأ بعدها الأمين العام للامم المتحدة رحلة البحث عن مبعوث جديد يحمل في جعبته أبعادا جديدة و يمتلك قدرات خارقة تخرج البلاد من الازمة الحالية فوقع اختياره على دبلوماسي سويدي إيطالي عمل في الخارجية الإيطالية، ثم انتقل للعمل مع المنظمة الدولية وهو ستيفان دي مستورا. فهل كان اختياره صائبا؟ و اين اصبحت علاقات المبعوث الجديد مع اطراف النزاع؟
في احدى زياراته الى دمشق طرح دي مستورا خطة تقضي بوقف إطلاق نار جزئي من خلال البدء في "تجميد المعارك بحلب" وقد نالت المبادرة قبولا من طرف الرئيس بشار الأسد يتلخص في استعداده لدراسة الخطة والعمل عليها. بالمقابل،اختلفت اوساط المعرضة السورية بين مؤيد لها و معارض، لذلك لم تبصر النور، بل جمدت و لم توضع موضع التنفيذ.
جمّدت «خطة حلب» و تجمّد معها عمل المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. و بدات ازمة ثقة تظهر سريعا بين دمشق و الدبلوماسي السويدي،ولكن التواصل بين الطرفين لم ينقطع رغم ذلك.
لم يستطع ستيفان دي ميستورا يوما منذ تعيينه أن يكون محط ثقة الأطراف السورية المتنازعة. وقبل أن يزور المنطقة، رفض الانتقال سريعا إلى جنيف. و فضل البقاء في بروكسل "لدواع عائلية". و بعد تقديم الخطة القاضية بتجميد القتال في حلب غادر دي ماستورا دمشق والمنطقة في أيلول الماضي، ليزورها مساعده رمزي عز الدين متابعا عمل رئيسه.
"لا أملك خطة سلام بل خطة تحرك للتخفيف من معاناة السكان" هكذا عبر دي ماستورا عن مبادرته التي بقيت "مشروع مبادرة" غير قادر على اقناع جبهات القتال لتقبلها بعدما كانت تمتنع عن الحديث عن أي "تجميد للمعارك". فالجيش السوري يطوق كامل مدينة حلب ويعزلها عن ريفها المفتوح على الحدود التركية ومناطق "داعش"، فيما تستميت المجموعات المسلحة لكسر هذا الطوق، وفتح جبهات قريبة، كمحاولات الدخول إلى نبّل والزهراء في ريف المدينة الشمالي.
و تؤكد المصادر التي تعمل على فرض تواصل بين المبعوث الأممي والقيادة السورية أن التواصل بين الطرفين لا يزال قائما، و لكن دمشق تنتظر توضيحات طلبتها لبعض نقاط "خطة تجميد القتال في حلب" التي اقترحها دي ميستورا. وتلفت المصادر إلى أن هذه التوضيحات سيحملها إلى العاصمة السورية مساعد دي ميستورا المصري رمزي عزالدين.
مصادر أخرى على صلة بالقيادة السورية و بدي ميستورا تؤكد أن دمشق فقدت ثقتها بالمبعوث الاممي . فهي تتعامل معه الان كمبعوث أميركي ــ فرنسي. ولكنها ارادت منح فرصة للدبلوماسي السويدي، لسحب الذرائع من أمام الدول الغربية التي تتهم دمشق بتعطيل اي مشروع للحل السياسي. كما تؤكد المصادر أن ثقة القيادة السورية اهتزت سريعا بالمبعوث الاممي الذي بدا كمن يتحايل على دمشق لانتزاع موافقة منها على خطة مبهمة، يراد منها تطبيق إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري، وتحديدا في الريف الممتد من مدينة حلب إلى الحدود التركية.
تضيف المصادر المقربة من الحكومة السورية، ان دمشق وافقت على مبدأ تجميد القتال عندما اقترح دي ميستورا الخطة و لكنها طلبت عدة توضيحات أبرزها موقف الدول الداعمة للمسلحين، وتعهدها بوقف إمدادهم بالسلاح والمال والتدريب. و قد طلبت منه الحصول على تعهد من هذه الدول الداعمة للارهاب بوقف إرسال السلاح و المقاتلين و المال إلى المناطق التي سيجري فيها تجميد القتال. المطالب لفتت ايضا إلى وجوب ان لا يؤدي تجميد القتال إلى تقسيم مدينة حلب، عبر اقتراح بقاء المسلحين في مواقعهم. وأكدت دمشق أنها تقبل أي خطة من شأنها تجميد القتال لسحب المسلحين من المدينة، وإعادتها في النهاية إلى كنف الدولة السورية.
الملفت في الامر ان دي ميستورا عمل على قاعدة اللعب على الحبلين فاسمع المسؤولين السوريين ما يريدون سماعه، ثم توجه إلى تركيا و اوروبا، حيث أسمع المسؤولين الأتراك و الغربيين ما يريدونه أيضا. فوسع خطته لتشمل ريف حلب مع المدينة، وطالب ضمانات بتجميد القتال وفق خطوط التماس القائمة حاليا، و السماح لطرفي النزاع بإجراء تبديل دوري لقوات كل منهما في مواقعها، و ادخال المؤن و الإمدادات بحرية.
هذا الاقتراح يعني عمليا القبول بالتقسيم، وبالاعتراف بسلطة المجموعات المسلحة المعارضة على منطقة شاسعة من سوريا، متصلة بالحدود التركية، يتاح لهم فيها التدريب و التجهيز و الانتقال إلى مناطق أخرى بحرية تامة ضاربا بذلك كل مطالب الحكومة السورية بعرض الحائط، و كأن شيئا لم يكن.
وتعتبر مصادر مقربة من الحكومة السورية ان هذا الاقتراح يحمل في طياته امرا خطيرا، لناحية تشريع وجود "جبهة النصرة" و التي تعتبر امتدادا لتنظيم "القاعدة" في منطقة حلب، كونها رأس حربة التنظيمات المعارضة في حلب و ريفها.
و يعبر مصدر دبلوماسي عربي عن طريقة تعامل دمشق مع دي ميستورا بالقول لن يقطع السوريون العلاقات نهائيا مع الدبلوماسي الأممي السويدي، بل سيؤجلون اللقاءات ويطلبون لقاء مساعده، ثم قد يأتي هو ويذهب مرات عديدة عندها ستكون القصة انتهت وتغيرت العوامل السياسية و الميدانية فينسحب المبعوث الاممي من المشهد.
المشهد السوري اليوم يبرز اذا توترا حادا في العلاقات بين الحكومة السورية والمبعوث الاممي، و اقتراح الحل الذي طرحه الدبلوماسي السويدي لم يعد يحظى بالموافقة السورية، بل بدت التحفظات لللاعب الاكبر على الساحة، فهل يلتحق المبعوث المجمد بسلفه الابراهيمي تاركا الكرة في ملعب الاسد ليحسم المعارك؟ الايام وحدها قادرة على الاجابة....
