الوقت- كشف المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية عن زيارة مرتقبة سيقوم بها رئيس الاستخبارات السعودية خالد بن بندر الى واشنطن أخر الأسبوع الحالي، زيارة تأتي في وقت حرج تعيشه المملكة بسبب المرض الشديد للملك عبدلله وبروز تناحر خطير بين الأمراء السعوديين للاستيلاء على كرسي الحكم، فضلاً عن العديد من التهديدات الخارجية التي تحدق بالمملكة النفطية، فما هي أبعاد هذه الزيارة؟ وهل تهدف للحرب على داعش، كزيارة وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف الشهر الماضي، أم أنها تسعى لترتيب البيت السعودي قبل فوات الآوان بعد أنباء أكدت وفاة الملك عبدالله؟
التحديات التي واجهتها السعودية في الآونة الأخيرة فاقت التوقعات، والسبب بطبيعة الحال النهج الذي يسير عليه آل سعود. داخلياً يواجه الحكم أزمة التطرف الديني وانتشاره بشكل مرعب في أرجاء المملكة بسبب اشتراك الكثير من السعوديين في القتال مع تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، فضلاً عن ثورة أبناء المنطقة الشرقية للحصول على حقوقهم كمواطنيين سعوديين في ظل اهمال الحكم لهذه المنطقةلأسباب طائفية بغيظة، وكذلك بروز صراعات حادة بين الوهابية وأحفاد الملك عبد العزيز. أما اقليمياً فثورة الشعب البحريني تقض مضاجع آل سعود خوفاً من انتقال هذه الظاهرة الى دول الجوار، كما أن الانتصارات الساحقة لأنصار الله في اليمن وجهت ضربة قاسية لسياسة المملكة في الخليج الفارسي، ناهيك عن فشل رئيس الاستخبارات الأسبق الأمير بندر بن سلطان في اسقاط النظام السوري. ما زاد الطين بلّة وجعل الحكم النظام السعودي في وضع لا يحسد عليه، تهديدات تنظيم داعش الارهابي بالتوسع نحو المملكة ووصوله الى مشارفها في اليومين الأخيرين، وبروز أزمة ماليه تمثلت بعجز مالي ضخم في ميزانية العام 2015، بسبب انخفاض أسعار النفط نتيجةً لسياسة الحكومة السعودية، حسب زعم الأمير السعودي الوليد بن طلال.
توقيت الزيارة:
كما أن السعودية لم تمر في ظروف صعبة في تاريخها، كما تمر بها الان، لم يمرآل سعود أنفسهم في حالة من التنافس المرير بين امرائها للوصول الى كرسي الحكم، وكذلك لم تستشعر أمريكا بالخطر على مصالحها الاستراتيجية في النفط كما حالها اليوم منذ العام 1971 حين قطع الامير فيصل آنذاك النفط العربي عن حليفة اسرائيل، ما يعني أن زيارة خالد بن بندر الى الحليف الأمريكي مصيرية بكل ما تعنية الكلمة.
لا ريب في أن الزيارة تهدف للحفاظ على الحكم والنظام القائم في السعودية عبر تأمين مصالح الأمريكيين في الحصول على النفط، ولعلها تندرج أيضاً في سياق الزيارات المكوكية التي يقوم بها الأمراء السعوديين لاسترضاء الأمريكي في قيادة السعودية بعد عبدلله، ولكن لرؤية المشهد من زاوية أوسع، لا بد لنا من ذكر الأوضاع التي تشهدها المملكة حالياً لمعرفة أسباب أخرى قد تكون وراء هذه الزيارة وفي هذا الوقت تحديداً.
لا يخفى على ذي لب فطن أن الشارع السعودي، والعربي كذلك، فضلاً عن الشارع الدولي ينتظرون ما ستؤول اليه الأمور "بعد عبدلله"، فهل ستخرج الامور عن سيطرة الجميع، أم أن الأمريكي سينجح في ترتيب البيت قبل اعلان وفاة الملك كما حصل مع ملك الأردن سابقاً. ولادراك مدى الخشية السعودية يكفي أن نذّكر بأن ناشطيين سعوديين تداولوا في الأونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي قرصا مدمجا قالوا إن "الحكومة السعودية تقوم بتوزيعه ضمن حملة منظمة تحث المواطنين على وجوب طاعة ولي الأمر، والالتزام بحكمه، وعدم الخروج عليه
ويحتوي القرص المدمج وفق الناشطين على مادة صوتية بداخلها عدة فتاوى لبعض مشايخ السعودية "تحض على طاعة ولي الأمر، وعظم إثم الخروج عليه، أو التفكير في معارضته، استنادا إلى نصوص دينية تم تأويلها وفقا لهؤلاء الشيوخ"، بحسب الناشطين .
زيارة رئيس الاستخبارات السعودي تأتي أيضاً بعد كشف مصادر مطلعة في وزارة الدفاع الأمريكية تقارير سرية تؤكد استقرار وحدة تنفيذية تابعة لشركة "ايجيس" البريطانية للخدمات الدفاعية في السعودية. وقد أفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية "أن جهاز الاستخبارات السعودية عقد اتفاقية مع الشركة البريطانية تهدف لحيلولة دون اندلاع انتفاضة شعبية في ظل المواجهات السياسية في المنطقة بعد ما سمي بالربيع العربي " ، ما يعني أن الحكم السعودي دخل في مرحلة الانعاش المركز.
لا يمكن فصل زيارة خالد بن بندر عن مجريات الأحداث في العراق أيضا، فقبل يومين تحديداً أعلن مسؤول أمني عراقي في محافظة الأنبارالمحاذية للسعودية:"إن العشرات من تنظيم "داعش" هاجموا ثلاثة مخافر حدودية مع السعودية مقابل بلدة جديدة عرعر، وهي مخافر عنازة والبيار والحجاج"، ولفت الفهداوي إلى أن القوات السعودية التي تبعد عن موقع الاشتباك نحو ثلاثة كيلومترات فقط، دخلت حالة التأهب تحسبًا لأي اختراق لأراضيها، رغم وجود حواجز أمنية وسور إسمنتي أنشأته السعودية قبل أشهر من الآن عقب أحداث الموصل بالتحديد، ما يعني أن مقاتلين تنظيم "داعش" الارهابي باتوا قاب قوسين أو أدني من دخول بلاد "آل سلول" كما توعد زعيم تنظيم "أبو بكر البغدادي" قبل فترة في تسجيله الصوتي.
اذاً، تعددت أسباب الزيارة والهدف واحد، عنوانه الحفاظ على حكم آل سعود الهرم واعطائه جرعة من الحياة. قد تنجح أمريكا في ترتيب البيت السعودي مرحلياً، لكن التنافس الذي يحصل حالياً بين الأمراء السعوديين على كرسي الحكم سيؤول في نهاية المطاف الى زوال النظام القائم، وحلول نظام ديمقراطي يسعى اليه الشعب منذ زمن. لعلنا قاب قوسين أو أدنى من اعلان"الجمهورية الاسلامية العربية" في بلاد الحجاز.