الوقت - رصد تقرير نشرته صحيفة الإيكونوميست البريطانية، التبعات الإقتصادية التي خلفها انخفاض أسعار النفط على الدول الخليجية، والسياسات الإرجائية التي بات على هذه الدول اعتمادها، لعلها تُخفِّف من أزمتها، وتستطيع الإستمرار لا سيما اقتصادياً. وفي مقالٍ بتاريخ 26 آذار، تحت عنوان: "Oil and the Gulf states After the Party"، أي "النفط وحال دول الخليج بعد الحفلة (مصطلح المقصود به حفلة انخفاض الأسعار)"، سلطت المجلة الضوء على الأزمة النفطية التي تقهر الدول الخليجية بشدة. فماذا جاء في تقرير المجلة؟
أشار التقرير إلى أن الانخفاضات التي طالت أسعار النفط العالمية، والتي انخفضت إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل الواحد، تأتي في وقت تشهد فيه الدول الخليجية والتي اعتادت على الرفاهية تراجعاً في مستوى النمو، وارتفاعاً في مؤشرات البطالة. ووصل الحال بصناع القرار إلى التفكير وبجرأة في فرض ضرائب على المواطنين، وهو أمر لم تعتده الدول الخليجية الغنية. وبحسب التقرير، يعد النفط ركيزة أساسية لدول مجلس التعاون الست، والتي استخدمت مواردها الكبيرة في السنوات القليلة الماضية للإنفاق ببذخ، دون احتساب المخاطر.
وعلى عكس العديد من الدول المصدرة للنفط، مثل نيجيريا وفنزويلا، لدى هذه الدول الست احتياطات عالية للنقد الأجنبي، وديون منخفضة، ما يمكنها من تغطية الثغرات على المدى القصير فقط. ولكن الإعتياد على الإنفاق العام الكبير، والتركيز على القطاع الخاص، يعتمدان على قطاع النفط للبقاء على قيد الحياة. وهو ما يعني أنه يجب على الحكام والمسؤولين تغيير سياساتهم وهيكلياتهم الإقتصادية في عصر انخفاض الأسعار.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، تتابع المجلة، فإن انخفاض أسعار النفط قلَّص من الإيرادات الحكومية للحكومات العربية المصدرة للنفط بنحو 340 مليار دولار في عام 2015. ويبدو أن العام الجاري 2016 سيكون أسوأ بكثير. وكانت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف قد خفضت هذا الشهر تصنيف البحرين وسلطنة عمان، ووضعت تحت المراقبة أربعة من دول مجلس التعاون، وهي السعودية، الكويت، الإمارات وقطر. ونقل التقرير عن مسؤولٍ في بنك "HSBC" في دبي، قوله: "إنها نهاية حقبة في منطقة الخليج الفارسي".
وبحسب التقرير، تشكل عائدات النفط عادة أكثر من 80٪ من الإيرادات الحكومية لدول مجلس التعاون، وكانت قد ارتفعت إلى أكثر من 90٪ من الميزانية السعودية قبل الأزمة. فيما تعتبر إمارة دبي، إحدى الإمارات المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة، استثناءاً حيث تمثل عائدات النفط 5٪ فقط من الإيرادات. ويأتي ذلك لقيام الإمارة بتنويع استثماراتها بين السياحة والخدمات التي تمثل معظم عائدات الحكومة.
وأضاف التقرير أن ردود فعل الحكومات إزاء الأزمة الحالية تنوعت بين مزيج من الإستراتيجيات غير المعهودة، بما في ذلك سحب الإحتياطيات والإستدانة، وفرض تخفيضات الإنفاق. مشيرا إلى أن العام الماضي شهد قدراً من الحد من المزايا الممنوحة للموظفين العموميين. وسيكون هذا العام أكثر صرامة، وهو ما لم تعتد عليه هذه الدول. فبينما سحبت عمان السيارات الخاصة من موظفي الدولة، فقد قلصت مؤسسات قطرية، بما فيها قناة الجزيرة الفضائية، ومؤسسة قطر الخيرية أعداد موظفيها. ويشير التقرير إلى أنه مع هذه الإجراءات، يمكن للكويت والإمارات وقطر، حيث توجد جاليات صغيرة، واحتياطيات عالية من العملات الأجنبية، الصمود لمدة عشر سنوات.
ولكن الدول الثلاث الأخرى هي في وضع أصعب. فوفقًا للتقرير، إن سلطنة عمان والبحرين لديهما احتياطات منخفضة نسبياً. وسجلت عمان عجزاً أكبر من عجز الموازنة المتوقع في عام 2015، في ما يقرب 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وبحلول نهاية عام 2017، من المتوقع أن يصل إجمالي الدين في البحرين إلى 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وستكون الدولتان بحاجة إلى أن ترتفع أسعار النفط إلى 120 دولار للبرميل، حتى تستعيدا توازنهما. ولدى الدولتين مخاوف أخرى سياسية تتعلق بالحكم.
أما فيما يخص السعودية، يُبدي المراقبون قلقاً بشأن الرياض والتي تمتلك احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي بلغ حوالي 740 مليار دولار تقريباً في نهاية عام 2014، حيث تم سحب حوالي 115 مليار دولار في عام 2015. ولدى السعودية التعداد السكاني الأكبر في منطقة الخليج بتعداد بلغ 30 مليون نسمة.
وذكر التقرير أنه ولحسن الحظ، تركز التنبؤات التي تشير إلى أن أسعار النفط لن ترتفع بسرعة على الإصلاحات الهيكلية. الأمر الذي يدفع لأن تكون المرحلة وفيرة لصنع السياسات والقدرة على إدارة الأزمة. وهنا على سبيل المثال تشير المجلة الى أن الإمارات خفضت دعم الوقود في العام الماضي، والدول الأخرى تحذو حذوها. وألغت البحرين الدعم عن بعض المواد الغذائية. ورفعت السعودية تكلفة الكهرباء والماء. لكن المشكلة أن المصاريف في تلك الدول تظل مرتفعة. فالدول الخليجية ملتزمة بمشاريع البنية التحتية الكبيرة، كمترو الأنفاق، والمراكز المالية، والموانئ، والسكك الحديدية. كما ينفقون مليارات الدولارات على الأجور والمنح للسكان الذين تتزايد أعدادهم سريعاً. أما الدول حديثة العهد نسبياً تحتاج إلى إنفاق النقود على التعليم، فيما المشكلة الكبرى أنهم متورطون في حروب مكلفة في المنطقة.
ويشير التقرير إلى أن ما يجعل الأمور أسوأ، أن التخفيضات في الإنفاق قد تؤثر على القطاع الخاص المبتدئ، حيث أنه، بصرف النظر عن دولتي الإمارات والبحرين، ترتبط معظم النشاطات بالنفط، مثل الخدمات والصناعة، والإنفاق العام، وحتى البناء. وهنا فإن عدم وجود تدابير لمواجهة التقلبات الدورية يضاعف التبعات. فصحيحٌ أن المصارف تتبنى إجراءات أكثر صرامة على القروض عندما تريد الدولة تشجيع المزيد من الشركات الصغيرة. وتفيد بعض التقديرات بأن القطاع الخاص في الدول الخليجية يساهم بشكل أقل في الناتج المحلي الإجمالي الآن مما كانت عليه الأمور في العقود السابقة.
في الخاتمة، شدد التقرير على أن دول مجلس التعاون بحاجة إلى أن تفعل أكثر بكثير، إذا كانت تسعى لتحقيق التوازن في المستقبل. فالتنويع، يجب أن يحدث الآن، على الرغم من أنه من الصعب أن تفعل ذلك في الأوقات العصيبة.