الوقت- تعي السعودية جيداً أن تهديدات تنظيم داعش الارهابي تفوق بأضعاف تلك التي عانت منها السعودية بفعل هجمات تنظيم القاعدة سابقا، نظرا لشراسة هذا التنظيم في تنفيذ مخططاته على الأراضي السورية والعراقية، وتنفي الرياض علاقتها بهذا التنظيم الارهابي مستشهدةً بالتصريحات التي يطلقها "داعش" الارهابي ضد الحكم السعودي.
دأب النظام السعودي منذ تسعينيات القرن الماضي على انتهاج ”عقيدة أمنية” تجاه التيارات التكفيرية، قوامها الدعم السري للجماعات التكفيرية خارج الحدود، وتوظيف هذه الجماعات سياسيا لتحقيق مصلحة السياسة الخارجية السعودية.لا يخفى على أحد مجاهرة السعودية في دعم التنظيمات الارهابية المسلحة في المنطقة تحت ذريعة الحرية والديمقراطية، لكنها في الفترة الأخيرة نفت دعمها لهذه التنظيمات وتحديداً "داعش" الارهابي ولكن لو نظرنا الى وقائع الميدان لا نرى أي دليل يثبت الادعاءات السعودية بل نرى العكس تماماً، فهل تدعم السعودية تنظيم داعش الارهابي؟، أم أن الاتهامات التي تتلقاها المملكة تدخل في سياق الاتهام السياسي؟
لم تنكر السعودية حتى الماضي القريب دعمها لتنظيم داعش الارهابي، لكنها وبعد النقمة الدوليه عليه نظراً لاستفحاله في نشر الارهاب، سحبت المملكة ولو اعلامياً دعمها لداعش اتقاءاً لما يمثله دعم مثل هذه العصابات الاجرامية من ارتدادات خطيرة من قبل دول العالم كافة، ولكن لو صرفنا النظر عن الموقف الاعلامي، ونظرنا الى الواقع الميداني ماذا سنرى؟
شهد شاهد من أهلها
فجّر نائب الرئيس الامريكي جو بايدن في كلمة ألقاها يوم الخميس 2 تشرين الاول / اكتوبر في جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس الامريكية، قنبلة من العيار الثقيل، عندما اتهم صراحة بعض حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط بانهم هم من دعم ومول وسلح "داعش" و "النصرة" و التنظيمات التكفيرية الاخرى التي تقاتل في سوريا منذ اربع سنوات.
وأضاف بايدن: "مشكلتنا الأكبر كانت في حلفائنا بالمنطقة، الأتراك كانوا أصدقاء رائعين وكذلك السعوديون وسكان الإمارات وغيرهم. ولكن ماذا فعلوا؟ كان همهم الوحيد هو إسقاط الأسد وخاضوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات ملايين الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لكل من وافق على القتال ضد الأسد".
وباعتراف بايدن ان "الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مسلحي "جبهة النصرة" و"القاعدة" وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم".
سيناريو الموصل
لم يكن ما حصل في الموصل أمرا طبيعياً بل كشف تورط أطراف داخلية وخارجية في الاعداد والتنفيذ، وقد كشفت صحيفة "الأندبندنت أون صنداي" البريطانية معلومات في هذا السياق تشير الى دور السعودية في مساعدة داعش على الاستحواذ على شمالي العراق.
وكشفت الصحيفة عن لقاء جمع مدير الاستخبارات السعودية السابق بندر بن سلطان مع مدير الاستخبارات البريطانية ريتشارد ديرلوف، حيث قال بندر للأخير "إن اليوم ليس ببعيد حين يحس مليار مسلم سني أنه احتملوا ما يكفي من الشيعة"
وتوضح الصحيفة إن "ليس لدى ديرلوف شك بأن التنظيمات الجهادية السنية حصلت على تمويل من جهات قطرية وسعودية، وإن السلطات في البلدين غضت الطرف عن ذلك"
وتؤكد الصحيفة أن "هذا تعاون شيوخ القبائل السنة مع داعش، الذين لا يمكن أن يتخذوا هذا الموقف دون رضى من يدفعون لهم في السعودية وقطر"
وتختم الصحيفة بتصريح بندر لرئيس الاستخبارات البريطاني "كان الله في عون الشيعة"، مضيفة "أنه بفضل الأمير السعودي فإن المجتمعات السنية المحطمة في العراق وسوريا قد تحتاج إلى مساعدة إلهية أكثر من الشيعة".
البيئة الحاضنة:
بالرغم من وجود تنظيم "داعش" الارهابي على الحدود مع السعودية وشعورها بالتوتر إزاء مشارفة التوغّل الإرهاب على أراضيها، لا تزال مصدر الدعم الرئيس لهذا التنظيم من الناحية الشعبية والأيديولوجية. فمنذ هجوم داعش على الموصل تتوالى التويتات الداعمة لهذا التنظيم("عصر فتوحات داعش"، و"مليار مسلم من أجل انتصارداعش" على سبيل المثال) بالانتشار سريعاً في السعودية، وكانت حوالي 95٪ من التويتات سعودية بامتياز.
ووفقًا للبعض، تحافظ داعش بالفعل على وجودها في السعودية، ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك ويزعم أن هناك تعاطفًا حتى داخل الجيش السعودي.
الدعم المالي
يعتبر الدعم المالي لتنظيم داعش الارهابي بمثابة الهواء الذي يتنفسه، وتشير بعض المصادر المطلعة الى أن السعودية وعدت بان تدعم داعش بما تريده من اموال، وان تدفع المعاشات الشهرية لأكثر من 15 الف مسلح من داعش، تتراوح مرتباتهم بين 1000 و 3000 دولار، شرط ان ينفذوا كل ما تطلبه السعودية حتى اسقاط النظام السوري.
سيارات سعودية
أكد النائب عن ائتلاف دولة القانون سلمان الموسوي إن العراق حصل على وثائق جديدة تشير إلى تورط حكومة السعودية في دعم الارهاب في العراق وتمويله بالأسلحة والاموال والسيارات الرباعية الحديثة لضرب الجيش والشرطة."
وتابع الموسوي قائلا: "بعض مجاميع داعش التي ألقي القبض عليها اعترفت صراحة بتورط الحكومة السعودية في ملف إرباك الاوضاع الامنية في البلاد ودعم مجاميع مختلفة ابرزها داعش لأحداث الفوضى."
وفي السياق نفسه أعلنت القوات الأمنية العراقية بعد إحكام سيطرتها على مدينة تلعفر التي شهدت فرار عصابات داعش الارهابية تاركة اسلحتها ومعداتها، أعلنت تدمير ۱۰۰ سيارة سعودية رباعية الدفع في مخبأ قرب الحدود السورية القريبة من محافظة نينوى.
المقاتلين السعوديين
لا يخفى على أحد الحضور السعودي الكبير في صفوف التنظيمات الارهابية بدأً بالقاعدة مروراً بالنصرة وصولاً الى داعش، فقد أكد صحيفة الوطن السعودية عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة، قولها إن 1400 سعودي(البعض يشير الى وجود أكثر من 2000 مقاتل سعودي) يشاركون في المعارك الدائرة في سوريا فقط، غالبيتهم من صغار السن.
المدارس الدينية:
قامت السعودية بتأسيس عشرات الألوف من المدارس، والمعاهد الدينية، والمساجد في العالم (أنفقت السعودية حوالي87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم حسب صحيفة Mid East Monitor ) بذريعة نشر التعاليم الإسلامية "السمحاء"، ولكن في الحقيقة كانت تنشر التعاليم الوهابية التكفيرية المتشددة التي تنشر الكراهية والبغضاء بين البشر، وتكفر حتى المسلمين من غير المذهب الوهابي. فقام مشايخ الوهابية بعملية غسيل أدمغة مئات الألوف من الشباب المسلمين، وتحويلهم إلى وحوش وربوتات وقنابل بشرية موقوتة لنشر الإرهاب، والخراب والدمار في العالم، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي، وآخر هذه التنظيمات الإرهابية هو تنظيم (داعش) في العراق وسوريا.
اذاً، وبالنظر الى وقائع الميدان لا يخفى على كل ذو لب فطن أن التصاريح الاعلامية للسعودية تندرج في اطار التضليل الاعلامي، لأن وقائع الميدان تثبت أن السعودية تمارس سياسية النفاق المزدوج، وكلما تمادت في دعم الإرهاب تصاعدت أبواقها مدعية بأنها تحارب الإرهاب، وبالتالي ينطبق عليها قول الروائي الفرنسي بلزاك: "حذار من امرأة تتحدث عن الشرف كثيرا".