الوقت - رفع نظام "آل سعود"، بالأمس، من عدائيته للبنانيين عبر قرار جديد يقضي بمنع السعوديين من زيارة لبنان، ضارباً عرض الحائط كافّة المناشدات وحفلات الإستجداء التي أطلقها ممثلو الرياض في بيروت.
البحرين والإمارات شاطرتا السعودية الأمر نفسه، ففي حين إتخذت المنامة موقف الرياض نفسه دون زيادة أو نقصان، زايدت الأخيرة، عاصمة الشيخ زايد، على "الشقيقة الكبرى" عبر إصدار قرار بمنع الإماراتيين من السفر إلى لبنان، وخفض أفراد بعثتها الدبلوماسية إلى الحد الادنى.
ويأتي القرار السعودي في سياق الحملة التي يشنّها على لبنان تحت ذريعة "حزب الله" حيث بدأ حملته المسعورة بقرار وقف الهبة العسكرية، ومن ثم ألحقها أحد الممثلين الجدد للرياض في لبنان أشرف ريفي بالإستقالة من وزارة العدل بعد فشل المحادثات في إطلاق أمير الكبتاغون لتعزّزها الرياض موقفها العدائي بقرار منع السعوديين من التوجّه إلى بلاد الأرز.
لا نستغرب الرد السعودي على مناشدات فريقه السياسي في لبنان، بإعتبار أن "الأنا" السعودية لا تفقه معنى "الغير"، وهذا الأمر ليس بجديد على العلاقة بين الطرفين إلا أن تقاطع المصالح التام كان سبباً في تلائم المواقف في الفترة السابقة، أو بالأحرى ترديد الأبواق "اللبنانية" للمواقف السعودية.
لا ينتابنا أي شك على كون السعودية خنجراً في خاصرة الأمتين العربية والإسلامية، بدءاً من الإجتماع الذي عقده الملك المؤسس "عبد العزيز آل سعود" مع الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" على متن المدمرة "كوينسي" وحتى صدور قرار الأمس، إلا أن الرياض عمدت منذ اليوم الأول لتأسيسها وحتى نهاية حقبة الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز إلى إستخدام سياسة الحرب بالوكيل "الوهابي" أو غيره، كالحكومات المتعاقبة في دول المنطقة. ولكن مع حلول عصر سلمان وإبنه محمد إستخدمت السعودية سياسة هجومية قوامها الهمجية التي أدخلت الرياض في حرب الإستنزاف في اليمن، وأفشلت مشاريعها في كل من سوريا والعراق.
تسعى الرياض من خلال هذه الخطوات التي قد تُلحقها، والإمارات والبحرين، بقرار طرد اللبنانيين الشيعة لمواجهة "حزب الله" عبر الضغط على بيئته الحاضنة بعد فشلها في المواجهة خارج الحدود اللبنانية، للمواجهة التي بدأت قبل فترة بمؤازرة أمريكية-إسرائيلية تحت عنوان "تجفيف موارد حزب الله المالية"، وكانت آخر حلقاتها في "حكاية حسن" التي إرتدت على من رعاها.
الموقف السياسي الجديد يحمل تفسيرات عدّة عنوانها فشل الإستراتيجية السعودية في المنطقة، ويمكن ايجازها في النقاط التالية:
أولاً: السعودية كانت تستطيع بالسابق، ومن خلال قدرتها الناعمة، فرض بعض قراراتها على اللبنانيين عبر ممثليها في المجلس النيابي اللبناني والحكومة، إلا أنها اليوم غدت غير قادرة، سواءً بالقوّة الناعمة أو الخشنة، على تمرير مشاريعها في لبنان.
ثانياً: يعكس الموقف السعودي الجديد فشلاً إستراتيجياً للرياض في المنطقة، فبعد أن كان هدف الرياض السيطرة على اليمن، وإسقاط الرئيس الأسد، بات حزب الله الشغل الشاغل للرياض. ولم يكن الموقف السعودي عبثياً من هذه الناحية، فحزب الله أسقط مشروعها في سوريا والعراق ودول أخرى وبات الكابوس الذي يؤرق "آل سعود".
ثالثاً: قد تتخذ الرياض والإمارات خطوات ذات عواقب وخيمة، كطرد اللبنانيين "الشيعة" من الإمارات والسعودية، فقد كشف أمين سر مجلس العمل والاستثمار في السعودية، ربيع الأمين، عن "بدء عدد كبير من ملاك العقارات الخليجيين في بيروت بعرض عقاراتهم للبيع، مبدياً مخاوفه من تقلص فرص عمل الشركات اللبنانية في الخليج، إذا لم تتخذ الحكومة اللبنانية موقفاً لاحتواء الأزمة الحالية، خصوصا السعودية"، بحسب ما نقلته صحيفة "الاقتصادية".
رابعاً: إن سياسة رفع الصوت السعودية تتلخص في عنوان واحد هو "الورقة الأخيرة". فمن اليمن حيث تمّ تعيين اللواء علي محسن الاحمر، في خطوة رمزية، نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى لبنان حيث من المتوقّع إتجاه الطائرات السعودية نحو مطار بيروت محمّلةً بالركاب الشيعة، تستخدم الرياض ورقتها الأخيرة.
الرياض ستعمد إلى إستخدام أبواقها في الداخل اللبناني بغية تأطير مشروعها حتى لو وصل الأمر إلى قطع التبادل التجاري الذي يبلغ 800 مليون دولار، منها 300 مليون دولار تدخل ضمن صادرات لبنان إلى السعودية في مقابل استيراد بقيمة 450 مليونا، أو حتى سحب السفراء، إلا أنها تبقى الخاسر الأكبر بسبب فقدانها لساحة جديدة في المنطقة. ولكن بعد فشل المشروع السعودي، ستدرك الرياض أنه لا مناص من التعاطي بواقعية مع الأزمات الإقليمية، وهذا ما قد يدفعها للتوجه نحو إيران التي ستكون حينها المنفذ، وربّما المُنقذ، الوحيد.