الوقت- عاد "سعد الحريري" الى لبنان. فيما أعاد معه على ما يبدو خطاباته القديمة، والتي تحمل نكهةً سعودية. لكن الأمر المؤسف والذي ظهر في خطابه الأخير في ذكرى رحيل الشهيد "رفيق الحريري"، ليس فقط في محاولته استخفاف عقول اللبنانيين، بل في تهجمه غير المُبرَّر على إيران والتي ذكرها بالإسم، وكذلك هجومه على حزب الله دون تسميته. وهو الأمر الذي جعل العديد من المسؤولين والمحللين، يقفون عند هذا المستوى من الخطاب، والذي لا يليق بقائد تيارٍ سياسي. فماذا في "عودة الحريري" الى لبنان؟ ولماذا اختار "الحريري" النمط الهجومي والتحريضي في خطابه السياسي؟
في وقتٍ كان يتوقع فيه اللبنانيون أن تكون عودة "سعد الحريري" الى لبنان أمراً يُبشِّر بالخير، ويحمل أملاً في التلاقي اللبناني لحل المشكلات الخلافية، لکنه يبدو أن "الحريري" عاد حاملاً معها التوجه السعودي وبشكلٍ واضح، وهو ما برز في خطابه التحريضي الأخير. الأمر الذي لا يتناسب مع مصلحة لبنان حتماً. وهنا نُشير للتالي.
أولاً، على الصعيد المحلي:
- لا شك بأن المشهد السياسي الذي خلَّفه ترشيح "الحريري" للوزير "سليمان فرنجية"، الى جانب ردة الفعل القواتية بترشيح الجنرال "عون"، جعلت الأطراف اللبنانيين يدخلون مرحلةً جديدة على صعيد الإصطفافات الداخلية. لكن الأوضح في المشهد اللبناني، هو أن طرف الثامن من آذار استطاع التعاطي مع المشهد الجديد بطريقةٍ أخرجته مُنتصراً، بشكلٍ إجمالي، كون المرشحين محسوبين على الثامن من آذار. مع الأخذ بعين الإعتبار الإختلاف الطبيعي الداخلي حول تأييد هذا المرشح أو ذاك.
- وهنا فإن الحكمة التي تميّز بها موقف حزب الله عبر لسان أمينه العام، بحيث استطاع إعادة ضبط إيقاع الثامن من آذار، جعلت الطرف الآخر لا سيما المستقبل ومن خلفه، يدخلون في ارتباكٍ سياسيٍ لم يكن مُتوقعاً. وهو الأمر الذي يمكن أن يكون خلف الهجوم الذي أطلقه الحريري في خطابه منذ أيام.
- لذلك فإن العودة الحريرية الى لبنان ليست سوى محاولة لردم الهوة التي حصلت لدى فريق 14 آذار. بحيث أن الفخ الذي حاولوا نصبه للبنان، وقعوا هم فيه. ليكون المشهد السياسي الحالي في لبنان اليوم، فريقٌ ينتمي له مرشحان للإنتخابات الرئاسية. وفريقٌ آخرٌ يختلف فيما بينه على كيفية الخروج من المأزق هذا.
- لنصل الى نتيجةٍ مفادها، بأن عودة الحريري وإعلانه بقائه لمدة طويلة هذه المرة، هو محاولةٌ لإعادة إحياء الصورة الجامعة لـ 14 آذار.
ثانياً، الشق الإقليمي:
نقصد هنا بالشق الإقليمي، كلام "الحريري" الذي أعلن في فحواه بأنه يريد أن يجعل من لبنان إمارة سعودية، قائلاً بأن "لبنان لن تكون ولاية إيرانية، نحن عرب وسنبقى عربا". وهو الذي ربط هذا الكلام بحديثه عن حزب الله دون تسميه قائلاً؛ "إن لبنان يدفع يومياً من تقدّمه واستقراره، ضريبة الإرتجال السياسي، والإستقواء العسكري، والتذاكي الدبلوماسي، والإرتباك الإقتصادي والإجتماعي، والإندفاع غير المسؤول في تعريض مصالح لبنان للخطر، عبر التحامل على الدول الشقيقة، وعلى رأسها السعودية ودول الخليج العربیة التي لم تبادرنا يوماً بأي أذى"، متسائلاً: "أيّ عقلٍ متهوّر يُحرّك هذه السياسات، في مقاربة العلاقات الأخوية؟، هل نحن أمام أحزابٍ تعمل لله، أم أمام أحزابٍ تعمل للفتنة؟". فيما يخص الكلام هذا لا بد من الوقوف عنده، ليس لأهميته أو لحجم تأثيره، بل لوضع النقاط على الحروف. ولذلك نقول التالي:
- إذا كان الحريري يريد جعل لبنان إمارة سعودية، فهو قد بشَّر اللبنانيين بوقوع الكارثة. فمن يستطيع التعويل على دولةٍ بات الجميع يعرف حجمها الحقيقي، وتراجع إعتماد واشنطن عليها لفشلها في العديد من الملفات. ولعل البعض قد يُعطيه الحق في رفضه دوراً ما لأي طرفٍ إقليمي آخر، لكن ألا يتعارض إصراره على جعل لبنان إمارةً سعودية، مع طرحه وحديثه عن أهمية رفض الوصايات الخارجية؟ وهنا يكمن التناقض الأول.
- أما التناقض الثاني في خطابه، فهو في حديثه عن حزب الله وتذاكيه السياسي واسترجاله العسكري. وهنا نسأل "الحريري"، هل تكمن مصلحة لبنان في ارتمائه في أحضان الرياض، التي تتعاون مع الكيان الإسرائيلي، والذي ما يزال يحتل جزءاً من الأرض اللبنانية بالإضافة الى احتلاله لفلسطين؟ وأين تكمن العروبة والخيارات العربية، في طرفٍ كالسعودية، وهي التي تتآمر على الأمة العربية والإسلامية، ضد القضية الفلسطينية والقضايا الآخرى؟ وهنا التناقض الثالث.
- أما فيما يخص إشارة الحريري لإيران في خطابه، وحديثه عن أن لبنان دولة عربية، ولن يكون ولاية إيرانية، فلو يتفضل علينا الشيخ سعد، ويخبرنا عن تصريحٍ أو كلامٍ لمسؤولٍ إيراني تطرق فيه لذلك. ألم يُعلن مراراً وتكراراً السفير الإيراني في بيروت، بأن الملفات اللبنانية هي ملفات خاصة داخلية؟ وهل يمكن لأحد بأن يُذكِّر "الحريري" بالكلام المباشر والذي سمعه العالم بأسره خلال المؤتمر الصحفي المُشترك للرئيس "حسن روحاني" ونظيره الفرنسي في العاصمة باريس، والتي طلب فيها الرئيس الفرنسي من إيران المساعدة في الملف الرئاسي اللبناني، فأجاب الرئيس الإيراني بأن هذا شأن لبناني داخلي؟
إذن يجب وضع الأمور في نصابها لا أكثر. فكلام الحريري ليس كلاماً يمكن أن يُقدِّم أو يأخر. فيما يجب القول بأن لعبة الأحجام ومحاولات التهجُّم على إيران، لن تصب في صالح الطارئين على عالم السياسة. فالعارف بأحجام اللاعبين في الإقليم والعالم، يعرف جيداً حجم السعودية. وهنا يتوضَّح حجم "الحريري". أما بالنسبة لإيران، فهي ليست ضمن هذا النقاش، والعالم بأسره يحشد المواعيد للقاء مسؤوليها.
أخيراً، يجب القول بأنه في عالم السياسة لا عتب على أبناء الأمس. ولا بد أن "سعد الحريري" عاد إلى لبنان، وأعاد معه ما يملكه لا أكثر. لكنه حاول تقديم نفسه كنموذجٍ عروبي. فيما أخطأ في جعل الرياض مثلاً لذلك. لكن الكارثة تكمن في أن "الحريري" عاد بسياسته الذكية، والتي تهدف لرمي لبنان في أحضان الفشل السعودي.