الوقت- أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي بعد سنين متمادية تقريرا عن أساليب التعذيب التي انتهجتها وكالة الاستخبارات المركزية السي آي ایه عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ، ورغم ان هذا التقرير جاء ملخصا جدا لكنه يكشف جانبا من الممارسات اللاانسانية للسي آي ايه ، ويتضمن التقرير وصف حالات اعتداء جنسي والحقن من الشرج والأذى الجنسي للمعتقلين والتهديد بالقتل والاعتداء جنسيا على افراد من عوائل المشتبه بهم والغرق الاصطناعي وهذا جزء يسير من عمليات التعذيب التي قام به السي آي ايه حيث يكتشف المرء ان اساليب القتل والتعذيب لدى المخابرات الامريكية لاتختلف عن اساليب القتل والارهاب الذي تستخدمها الجماعات الارهابية مثل تنظيم داعش والتي تدعي امريكا محاربتها .
واستعرض التقرير تفاصيل التعذيب التي خضع لها المعتقلون، من إيهامهم بالغرق إلى تركهم لأيام في ظلام دامس إلى وضعهم في مواجهة الحائط أو وضعهم في مياه مثلجة إلى حرمانهم من النوم لأسبوع كامل.
وبحسب التقرير، فقد تم تهديد معتقل واحد بواسطة مقدح كهربائي، في حين أخضع 5 معتقلين، على الأقل، بالقوة لعمليات "تزويد بالسوائل عن طريق الشرج"، وفي إحدى الحالات تم إدخال الطعام إلى جسم المعتقل عن طريق الشرج.
وأكد التقرير، الذي وضعته لجنة شؤون الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أن الرئيس الامركي السابق جورج بوش اطلع على صورة معتقل معلق إلى السقف بسلاسل لابسا حفاضا وقد أجبر على التغوط على نفسه.
وبحسب الوثيقة، فإن وكالة الاستخبارات المركزية لم تبلغ بوش إلا في 8 أبريل 2006 بأمر هذا البرنامج السري، الذي طبقته الوكالة على 119 مشبوها بالإرهاب اعتقلتهم في "مواقع سوداء".
ويقصد بالمواقع السوداء السجون السرية التي أقامتها الوكالة في دول أخرى لم يتم تحديدها، ولكنها تشمل على ما يبدو تايلاند وأفغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا.
ورغم ذلك أفاد تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي ان التعذيب خلال الاستجواب لم يكن وسيلة فعالة للحصول على معلومات أو تعاون المعتقلين.
ویقول التقریر ان تبرير السی آی ایه لاستخدام تقنيات مشددة خلال الاستجواب يستند إلى تأكيدات غير دقيقة بالنسبة لفاعليتها وأن التحقيقات مع المعتقلين كانت قاسية وأسوأ مما أقرت به السي آي ايه للمشرعين الامريكيين وكذلك ظروف اعتقال المحتجزين كانت أقسى مما أقرت به السي آي ايه للمشرعين وقد عرقلت السي آي ايه عملية اتخاذ القرار في البيت الأبيض ومراقبته للأمور.
ویضیف التقریر ان السي آي ایه لم تحص بشكل تام أو محدد، المحتجزين لديها وأبقت في السجون أشخاصا لا تنطبق عليهم المعايير، وأن تأكيدات السي آي ايه بخصوص اعداد المعتقلين وأولئك الذين خضعوا لتقنيات الاستجواب المشددة كانت غير دقيقة.
ولم تحاسب السي آي إيه موظفيها المسؤولين عن انتهاكات خطيرة ومهمة وتجاهلت انتقادات عدة داخلية واعتراضات بخصوص تطبيق وإدارة برنامجها للاعتقال والاستجواب.
وفي موقف يدل على مدى الاستفزاز الامريكي للعالم دافع الرئيس الامریکی السابق جورج بوش عن موقف السي آي ايه وقال "نحن محظوظون بأن لدينا رجالا ونساء يعملون بإخلاص في وكالة الاستخبارات المركزية لخدمتنا وأنهم وطنيون مهما ذكر التقرير في حقهم .
وأضاف جورج بوش : أنه اذا قلل التقرير من قيمة إسهامهم في حفظ الامن لبلدنا فسيكون ذلك غير مقبول .
وقد ترك التقرير الذي نشره مجلس الشيوخ الأميركي أصداء مدوية، ونددت منظمات حقوقية ومؤسسات ودول بما كشف عنه في هذا التقرير من تجاوزات تتناقض مع حقوق الإنسان.
وقد دعت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان امريكا إلى محاسبة المخطئين الذين كشف عنهم تقرير التعذيب ، وقالت مديرة مكتب المنظمة في الأمريكتين، إريكا جويفارا روزاس، "إن هذا التقرير يقدم تفاصيل انتهاكات حقوق الإنسان التي صرحت بها أعلى سلطات في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر" .
وأضافت روزاس أن هذا التقرير يعد رسالة تحذير للولايات المتحدة التي ينبغي أن تكشف الحقيقة الكاملة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وأن تحاسب المخطئين وتضمن العدالة للضحايا وهذا ما يتطلبه القانون الدولي ، مؤكدة أن المعلومات التي كشف عنها تقرير التعذيب تذكرة بفشل الولايات المتحدة الكامل لإنهاء الإفلات من العقاب وتمتع هؤلاء الذين صرحوا واستخدموا التعذيب وسوء المعاملة.
وقال المدير التنفيذى لمنظمة العفو الدولية في أمريكا ستيفين هواكينز، إن التقرير الصادر يوضح بشكل قوي أن الحكومة الأمريكية استخدمت التعذيب ، والتعذيب جريمة وهؤلاء المسؤولون عن الجرائم يجب أن يقدموا للعدالة.
وأضاف قائلا إنه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لا توجد ظروف استثنائية أيا كان ما يمكن التذرع به لتبرير التعذيب، ويجب التحقيق بشكل كامل مع المسؤولين عن السماح وتنفيذ التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة .
بينما قال مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، بن إيمرسون، إنه يجب مقاضاة ضباط وكالة المخابرات المركزية ومسؤولين حكوميين آخرين في الولايات المتحدة ، وأضاف : في الحقيقة أن السياسات التي تم الكشف عنها في التقرير تم السماح بها على مستوى عال داخل الحكومة الأمريكية التي لا تقدم أي عذر على الإطلاق .
وفي موقف يظهر السعي للتغطية على جرائم السي آي ايه وعدم ملاحقة المسؤولين عن التعذيب اکتفى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتعهد بعدم تكرار استخدام وسائل التحقيق القاسية خلال وجوده كرئيس للولايات المتحدة، وذلك في رد فعل له على تقرير مجلس الشيوخ .
وقال أوباما إن تلك الأساليب أحدثت أضرارا بالغة بالمصالح الأمريكية في الخارج ولم تخدم الجهود العامة لمحاربة الإرهاب مضيفا "بدلا من أن يكون التقرير سببا آخر في محاربة الأفكار القديمة، آمل أن يساعدنا التقرير في ترك الأساليب في مكانها في الماضي.
من جهته قال السيناتور الأميركي جون ماكين إنّه من المرجح أن يشعل تقرير الكونغرس حول أساليب الاستجواب القسرية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الأميركية ضد المعتقلين أعمال عنف في العالم الإسلامي.
وصرح مكين قائلا: لقد اعتقدت لفترة طويلة ان بعض هذه الممارسات وصلت إلى حد التعذيب، العالم أجمع يعرف مسبقا أننا قمنا بعمليات إغراق وهمي في استجواب السجناء ويعلم أننا استخدمنا أساليب اخرى متنوعة وفي مواقع سرية وهذا لم يعد سرا منذ عقد من الزمن.
وفي اطار ردود الفعل الدولية طالبت كوريا الشمالية التي تتّهمها الامم المتحدة بانتهاك حقوق الانسان مجلس الامن الدولي بادانة واشنطن مؤكدة أنّه اذا اراد مجلس الامن مناقشة حقوق الانسان يتعيّن عليه الاهتمام بانتهاكات حقوق الانسان في امريكا اولا قبل ان يتهم دولا اخرى.
کما أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي عن تنديد بلاده بأية عمليات تعذيب للمعتقلين، ومطالبتها الولايات المتحدة التقيد بمبادئ القانون الدولي.
وقال المتحدث تعليقا على تقرير الكونغرس الأمريكي : لقد انتبهنا إلى هذا التقرير، والصين كانت دائما ضد التعذيب ، ونعتبر أن على الولايات المتحدة إعادة النظر في مواقفها وتصحيحها، والتقيد بمبادئ القانون الدولي بالكامل .
إلى ذلك، أفادت وسائل إعلام صينية بما فيها وكالة شينخوا بأن وسائل التعذيب القاسية التي استخدمتها المخابرات الأمريكية ضد المعتقلين بدون محاكمة وتحقيق تخرق، ليس القوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان فحسب، بل وتلك القيم التي تحاول الولايات المتحدة القول بانها تدافع عنها .
هذا وتدل اعمال التعذيب الوحشية التي تمارسها الولايات المتحدة ضد المعتقلين والمشتبه بهم بأن شعار حقوق الانسان الذي ترفعه امريكا والدول الغربية ليس سوى أداة واسلوب للنيل من الدول التي تعارض او تعادي الولايات المتحدة وسياساتها العدوانية وممارسة الضغط على هذه الدول ، فالولايات المتحدة التي تشن الحروب على دول أخرى وتحتلها وتدمرها وتقتل مئات الألوف من سكانها وتمارس أشد انواع التعذيب تمارس بالفعل ارهاب الدولة في العالم .