الوقت- يبدو أن الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني مصرة على استكمال تطويق مدينة حلب وقطع طرق امداد المسلحين عبر الطريق الدولي، وفي حال نجحت في مساعيها، سينتظر حلب نفس مصير مدينة حمص القديمة، الأمر الذي سيجعل كامل مدينة حلب تحت سيطرة الدولة السوري. ولم تكن الفصائل المعارضة غافلة عن هذا المخطط، وهذا ما يفسر استماتتها وحلفائها في هذه المعركة، وحشدها لعدد كبير من قواتها واستقدام تعزيزات من مقراتها في إدلب لهذا الغرض، ولم تكن الهجمات التي قامت بها جبهة النصرة في الأسبوع الماضي على مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين في شمال الريف الحلبي إلا محاولة لإفشال هذا المخطط، من خلال توجيه ضربة استباقية للسيطرة على الطريق الدولي وتخفيف الضغط على الفصائل المقاتلة على جبهة حندرات، واستخدام المدنيين في البلدتين كورقة ضغط لإجبار قوات الدفاع الوطني على التراجع. وتشير مصادر مطلعة إلى مشاركة ضباط أتراك إلى جانب الفصائل المسلحة في التخطيط لتلك العملية التي باءت بالفشل.
هذا وكان الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني قد أحرزوا تقدماً كبيراً على جبهة حندرات، من خلال السيطرة على منطقة البريج الاستراتيجية، ولم يبق لدى القوات النظامية سوى 6 كيلومترات للوصول إلى بلدتي نبل والزهراء وكسر الحصار عنهما، وذلك مروراً ببلدتي باشكوي وبيانون، وبالتالي اطباق الطوق حول مدينة حلب ومحاصرة الجماعات المسلحة داخلها وقطع طرق الامداد عنها، مما سيؤدي إلى تكرار السيناريو الذي حصل في مدينة حمص، حيث اضطر المسلحين إلى مغادرة المدينة القديمة بعد أن فتح الجيش السوري لهم ممرات للخروج، بعد اتفاقية جرت تحت اشراف الأمم المتحدة.
وترى مصادر مطلعة أن استعادة الجيش السوري السيطرة على حلب يعني بداية النهاية لتلك الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم من الدول الغربية ودول عربية خليجية. ونقلت المصادر عن قيادات للجماعات المسلحة في منطقة حلب قولهم إنهم يعملون على تخزين المزيد من المواد الغذائية للحيلولة دون حدوث مجاعة واسعة قد تجبرهم على الاستسلام كما حدث في حمص في شهر مايو الماضي التي شكلت استعادتها من قبل القوات الحكومية السورية ضربة قوية للجماعات المسلحة.
ويطوّق الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني حلب حالياً من ثلاث جهات وخاصة بعد سيطرتها على مدينة الشيخ نجار الصناعية التي تقع شرقي حلب في شهر يوليو/تموز الماضي. ويحاول الجيش السوري حاليا إطباق الحصار على آخر ممر يقع تحت سيطرة المسلحين، وشكّلت خسارة الجماعات المسلحة للمدينة الصناعيّة صدمة بالنسبة إليهم، فقد ظلّت المدينة لما يزيد عن عامين تحت سيطرتهم، وكانت بمعاملها الحصينة، رادعاً للقوات الحكومية في زحفها شرق حلب. إذ يخشى مقاتلو الجماعات المسلحة أن تصبح المدينة نقطة لتمركز القوات الحكومية تستخدمها للتقدّم نحو الغرب، لإكمال الطوق العسكريّ على الأحياء التي تقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة في حلب، مستعينة في ذلك بسيطرتها على التلال المرتفعة المحيطة بها، ممّا يضمن لها عدم استعادة الجماعات المسلحة لها بسهولة.
وترفض الجماعات المسلحة خطة المبعوث الدولي "دي ميتسورا" لتجميد القتال في مدينة حلب، وذلك بسبب وضعهم الميداني الضعيف، حيث أن المتقدم على جبهات القتال هو من يستطيع أن يملي شروطه، فحرمان المجموعات المسلحة الموجودة في احياء المدينة من طرق الامداد سيضطرها لخوض معاركها القادمة من دون امدادت لوجستية، وهي تالياً ستلجأ إلى "التقنين" في استخدام الذخائر والعتاد الحربي، ما يمنح الجيش السوري افضلية في استخدام القوّة النارية واستنزاف المجموعات المسلحة، وانتظار اللحظة المناسبة ميدانياً للانقضاض عليها.
وفي حال سيطرة النظام السوري على مدينة حلب، تنتهي آمال المعارضة بجعلها عاصمة لهم، أو كما يعبر عنها ناشطون ببنغازي سوريا، حيث أن أحد أهداف المنطقة العازلة التي تتطالب بها تركيا هو منع طائرات النظام السوري من التحليق فوقها، وتثبيت حكومة للمعارضة تكون لها حدود مفتوحة مع تركيا، وتكون موطئ قدم لاستكمال السيطرة على سوريا.
الجدير بالذكر أن النظام السوري مازال يبسط سيطرته على مراكز المدن الأساسية في سوريا، كما أن المناطق الخاضعة لسيطرته تشكل الخزان البشري في سوريا، وسيطرة النظام على كامل حلب سيكون له دور هام في تعزيز سيطرته على المناطق الحيوية في سوريا.