الوقت- لا يقتصر العدوان السعودي على إستهداف اليمنيين من صعدا إلى صنعاء فتعز وعدن، بل تطالعنا العديد من وسائل الإعلام العربية، لاسيّما السعودية والإماراتية، بين الفينة والآخر عن مقتل جنود بـ"نيران صديقة" توضع في خانة "الخطاء"غير المتعمّد.
تحجب أحداث العدوان السعودي على الشعب اليمني الأضواء الإعلامية عمّا يدور في بين "الأصدقاء" في التحالف العربي. التحالف الذي تشكّل لإدارة العدوان على اليمن، بغية تحقيق أهداف معيّنة مسبقاً، إلا أن تطوّرات الميدان بعد مرور حوالي 11 شهر، كشفت الأهداف الحقيقية لدول هذا التحالف، وتحديداً الإمارات والسعودية.
السعودية منذ اليوم الأول حدّدت أهدافها بالقضاء على أنصار الله والرئيس صالح وإعادة الحكم إلى الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي"، وأما الإمارات فلم تُظهر أهدافها بشكل واضح، إلا أن التطورات اليمنية أظهرت جملة من أهدافها التي بدأت بالسيطرة على ميناء عدن خشية تحويله في يوم من الأيام إلى "مدينة لوجستية" تضاهي مرفأ دبي أو تنفيذ مشروع مدينة النور الذي يتضمّن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وأفريقيا، ومرّت عبر دعم رئيس الحكومة "خالد بحاح" الذي يقف على مسافة من "هادي"، لتصل إلى جزيرة سقطرى اليمنية التي تنوي الإمارات إستئجارها لمدّة 99 عاماً من الرئيس المستقيل.
ما يجري في اليمن يُظهر رغبة سياسية سعودية وآخرى إقتصادية إماراتية، جعلت من التحالف وأتباعه عُرضة للنيران المتقابلة، فقد نفّذ الطيران الحربي الإماراتي غارات انتقامية تجمعات لعناصر متشددة موالية للسعودية في مدينة الحوطة في لحج، جنوب اليمن، وذلك بعد أقل من 24 ساعة استهداف رتل عسكري إماراتي. الغريب أن الطائرات الحربية التي يتم شرائها من الغرب، سواءً السعودية أو الإمارتية، تصل دقّة أهدافها إلى بضع أمتار ولا نبالغ إذا قلنا بضع سنتيمرات، فيكف لها أن تخطأ، ولمرات عديدة من قبل الطرفين، ألا يدل ذلك على وجود "قطبة مخفيّة"؟
لم يكن الخلاف السعودي الإماراتي ليطفوا على السطح لولا السيطرة على عدن، حيث بدأت حدّة الخلافات بالتزايد يوماً بعد آخر، لاسيّما مع دعم الرياض لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين رغم المواجهة المباشرة مع القوة الإماراتية المتواجدة في عدن آنذاك، أو وقوف الرياض إل جانب "هادي" مقابل وقوف أبوظبي إلى جانب"بحاح" الذي سعی "هادي" لعزله لولا تدخّل الرياض خشية تدهور الأوضاع.
الإمارات وبعد تحقيق الحد الأدنى من أهدافها في عدن، وسلسة من الضربات الموجعة في العديد من المناطق اليمنية لاسيّما صافر حيث إستهدفت القوّة الصاروخية في الجيش واللجان الشعبية قاعدة عسكرية أدّت إلى مقتل أكثر من 45 جندي إماراتي، ومن بعدها مقتل قائد القوّة الإماراتية في اليمن العقيد "سلطان بن هويدان" في باب المندب الأمر قام بجردة حسابات في عدوانها خلُص إلى إنسحاب "الدفعة الأولى" من القوات الإماراتية من اليمن لترتفع معه حدّة الصراع السعودي-الإماراتي في الجنوب إلى الواجهة من جديد.
لم تُبقي الإمارت على جنودها في اليمن حيث إستبدلت القسم الاكبر منهم بمرتزقة "بلاك ووتر"، إلا أنها عمدت مؤخراً إلى إطلاق خطة، بإشراف أمريكي، هدفها تأمين أحياء عدن خلال ثلاثة أشهر، "100 يوم لعزل عدن"، وذلك بعدما شهدت المدينة تصعيداً في الهجمات العسكرية وعمليات الاغتيالات التي طالت العشرات من القيادات العسكرية والأمنية المقرّبة من بحّاح والإمارات على حدٍّ سواء.
يبدو أن القوّة الإماراتية تسعى من خلال الردّ بالمثل على إستهدف جنودها بـ"نيران صديقة" لتكريس "قواعد إشتباك" جديدة بالتزامن مع إطلاق حملتها في عزل عدن حتى لا تتكرّر حوادث الإغتيال للقوات اليمنية الموالية لها هناك، فالرد على أي إستهداف "بالخطاء" سيقابل بالمثل، وفق "المنطق" الإماراتي الجديد. إلا أن ذلك يعني تحقيق الأهداف الإقتصادية الإماراتية في اليمن، لاسيما في حال تمّت صفقة جزيرة "سقرطى" اليمنية، مقابل عجز سعودي تام على تحقيق الأهداف المرسومة للعدوان منذ اليوم الأول.
ما يهمّ الإمارات اليوم، لاسيّما في ظل الهبوط النفطي التي أدى إلى خسارتها عشرات المليارات من الدولارات هو تأمين موارد إقتصادية جديدة في عدن وجزيرة سقرطى بالتزامن مع الحفاظ على إستراتيجية مرفأ دبي، وما عدا ذلك فيما يخصّ العدوان يبقى حبراً على ورق. الإمارات غير مستعدّة لتكبّد المزيد من القتلى في معركة لم تعد مهمّة بالنسبة إليها لذلك تعمد إلى تكريس "قواعد إشتباك" جديدة مع الأصدقاء، وعلى راسها السعودية، فهل ستبقى الرياض مكتوفة الأيدي؟