الوقت- تتكاثف الجهود الدولية لإيجاد مخرج للأزمة السورية التي اندلعت منذ قرابة 5 أعوام، وبعد مؤتمر جنيف 3 الذي قاطعته المعارضة السورية أعلن وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي عن توصل المجموعة الدولية لدعم سورية والتي تضم 17 دولة إلى اتفاق حول الملف السوري، وذلك بعد مفاوضات استمرت لأكثر من خمس ساعات خلال الاجتماع الذي عقد في ميونخ صدر عنه بيان كسر الجمود الذي طال الملف السوري منذ سنوات، على أمل أن يكون هذا البيان بداية نهاية آلام السوريين.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه يؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار في غضون إسبوعٍ واحد، على أن يتم تكليف خبراء روس وأمريكيين بتنسيق الاتصالات بين أطراف النزاع لمنع التصعيد وللتحقيق في حوادث خرق "الهدنة"، واتفق الجانبان على إبلاغ وزراء الدول الأعضاء في مجموعة دعم سورية بأي جهة تقوم بخرق وقف إطلاق النار بشكل مستمر، وقد يتم اتخاذ قرار باستثنائها من الهدنة، كما تم الاتفاق على بدء تسريع وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية فورًا، وينص بيان ميونخ على أنه "خلال 6 أشهر بعد بدء المفاوضات السورية-السورية، يجب التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاحات سياسية وتشكيل حكومة انتقالية، وإطلاق عملية وضع دستور جديد يتم وفقه إجراء انتخابات حرة وعادلة في موعد أقصاه 18 شهرًا"
الطريق إلى تسوية سياسية في سورية لاتزال شاقة ومليئة بالأشواك، فالقرار الذي توصلت إليه الدول ليس إلا حبرًا على ورق، وسيكون مشابهًا لقرارات وقف إطلاق النار التي جرى تطبيقها في سورية طيلة السنوات الماضية، وبالرغم من أن ما يسمى "وفد الرياض" رحب بالاتفاق ودعى إلى تنفيذه، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن الجماعات الإرهابية لن تصغي إلى بيان ميونخ، وهي غير جاهزة إلى فتح ممرات إنسانية للمناطق التي تقع تحت سيطرتها والمناطق المحاصرة، كما أنها لن تلتزم بالهدنة، فهي مشتتة ولا تتبع قيادة واحدة ومتناحرة فيما بينها، ولقد شاهدنا عدم التزامها بوقف النار أكثر من مرة طيلة الأعوام السابقة وفي مناطق مختلفة.
هناك الكثير من المؤشرات التي تنعى بيان جنيف قبل ولادته، فما معنى أن تتلقى الجماعات المسلحة صواريخ "غراد" قبل بيان ميونخ، وكيف سنفسر تأكيد السعودية نيتها إرسال قوات برية إلى سورية، والتأكيدات السعودية هذه جاءت بالتزامن مع اجتماع ميونخ، وكذلك فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى عدم مقدرة تركية على استقبال اللاجئين السوريين لوحدها، وطالب بإنشاء منطقة عازلة شمال سورية.
وما يزيد الأمور تعقيدًا أن البيان يؤكد على الهدنة ووقف إطلاق النار من جهة، ومن جهة أخرى يؤكد على مواصلة الحرب ضد الإرهاب وتحديدًا تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، ومن المعروف أن جبهة النصرة تمثل أحد فصائل جيش الفتح الذي يضم أحرار الشام، جند الأقصى، فيلق الشام، لواء الحق في ريف إدلب، وتنظيمات أخرى، فهل يمكن استمرار الحرب ضد "جبهة النصرة" وحدها وتطبيق هدنة مع باقي أعضاء جيش الفتح!؟، وكذلك فإن غالبية الفصائل الإرهابية في سورية تتلقى الدعم من السعودية التي ربط وزير خارجيتها التقدم في المفاوضات والحرب على الإرهاب برحيل الرئيس السوري.
الضباب يلف بيان ميونخ، ولا تزال الصورة غير واضحة، فمؤشرات اليأس من هذا المؤتمر ومن الجماعات التكفيرية المتخبطة كبيرة، ومؤشرات فشل "بيان ميونخ" تزامنت مع صدور هذا البيان، وفي مشهدٍ معقد يمكن التأكيد على أن ما تم التوصل إليه ليس إلا حبر على ورق، ولن يحكم السوريون على صدقه وفاعليته إلا بعد أن يطبق البيان على الأرض، وتظهر نتائجه، وسيبقى هذا الأمر مرهونٌ بقادم الأيام التي ستخبرنا هل "ميونخ" أنقذ "جنيف"، أم أن "ميونخ" وُلد ميتًا.