الوقت - وقع آل سعود في المحظور، وحط الارهاب هذه المرة في مملكته التي دأبت على تربيته، فمجزرة الأحساء ما هي الاّ ترجمة داخلية للسياسة الخارجية السعودية التي أغرقت منطقتنا العربية في بحر من الدم عبر دعمها للتنظيمات الارهابية التي لا بد أن تحرقها في يوم من الأيام.
اكدت مصادر مطلعة فضلت عدم الكشف عن اسمها أن "الأجهرة الأمنية السعودية كانت على علم مسبق بسيناريو مجزرة الاحساء"، فبعد أقل من 24 ساعة على مجزرة عاشوراء، أعلنت السعودية على لسان المتحدث الامني باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي القاء القبض على المجرمين "ممن يعتنقون الفكر الضال" في اشارة الى تنظيم القاعدة الارهابي، حسب تعبيره، موضحاً ان المتورطين المفترضين في هذه القضية "لم يذهبوا إلى الأحداث التي تتمنى التنظيمات الإرهابية الوصول إليها (في اشارة الى مناطق النزاع في االشرق الأوسط) بل قصدوا دماء مواطنين أبرياء وارتكبوا جريمتهم من أجل الفتنة بين أطراف المجتمع".
صحيح أن مجزرة الأحساء ليست حادثة عرضية وأن التيار التكفيري قام بتحول نوعي هذه المرة داخل مملكته فانتقل من مرحلة التكفير الى مرحلة التقتيل، الى أن الرد السعودي لم يرق الى الحد الأدنى مما كان مطلوباً، بل اقتصر على بيانات تنديد من المسؤولين و"هيئة كبار العلماء" والملاحقة الأمنية للادوات التي قامت باطلاق النار في حين يقدم هذا النظام دعمه التام للعقل المدبر لتلك الادوات، فالسعودية تريد "اعلاميا"ً ملاحقة نتائج هذا العمل التي تغذي أسبابه بنفسها، حتى أنها قدمت وزير اعلامها "كبش محرقة" لمحاولة مسه احدى هذه الأسباب.
تتكاثر دعوات التيار التكفير الحاكم فعلاً للانقضاض على الطائفة الشيعية في السعودية فهم"مشركين" و"منافقين" في نظر أغلبية مضللة، لذلك يقتلون بدم بارد، وفي أحسن الاحوال تتم دعوتهم "لاعتناق الإسلام"ممن يعتبرون انفسهم عقلاء المملكة.
" الشيعة اخطر على المسلمين من اليهود"، و"الشيعة سبب تخلف المسلمين" و"اهل البدع والاهواء" ، عبارات معروفة في الخطاب التكفيري، لكن قبل حادثة الاحساء ما كان يمنع التعرض للشيعة شرق السعودية وقتلهم على الطريقة الوهابية بنسختها الداعشية بالتاكيد ليس السلم الاهلي او حق المواطنة والعيش بسلام في ربوع الوطن، الا أنه في الواقع هو اتفاق سري بين المؤسستين الدينية والساسية لتهميشهم وعزلهم وبالتالي زوالهم على المدى البعيد دون اثارة أي مشاكل داخلية وخارجية لنظام هرم يلفظ أنفاسه الأخيرة.
صحيح أن المحرض الرئيسي على قتل الشيعة في حسينية المصطفى في محافظة الاحساء هي الوهابية ومشايخها الذين لا يكل لسانهم عن تهم اتباع أهل البيت(ع) بأسوء الصفات و ينفخون ليل نهار في الفتنة الطائفية، الاّ أن الواقع يؤكد أن "القيادة السياسية أي ال سعود هم من صنعوا سيناريو مجزرة الاحساء لتحقيق اهداف خبيثة "(وفق ما قال المصدر نفسه)، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: في ظل الثورات التي تشهدها منظقتنا العربية والاسلامية تسعى القيادة السياسية في السعودية الى "تخويف" الشيعة في المنطقة الشرقية فضلا عن "تجويعهم"، وبالتالي الحفاظ على هذا النظام الهرم التي تتهدده الاخطار من كل حد وصوب.
ثانياً: طالبت بعض الأصوات السعودية في الفترة الاخيرة بأمن ذاتي للمكون الشيعي، لأنه لايمكن التعويل على المنظومة الأمنية الرسمية السعودية الضعيفة والمخترقة، وعلى سلطات هي مصدر الارهاب وداعمته بالفتوى والمال والسلاح، لذلك حاولت "مملكة الارهاب" عبر هذا السيناريو الطائفي ضرب كل هذه الأصوات وبث اليأس في حناجرها.
ثالثاً: "عرض عضلات" وزارة الداخلية السعودية في القاء القبض على الفاعلين بأقل من 24 ساعة، يهدف لاعادة هيبة هذه السلطات محلياً واقليمياً بعد نشر تقارير عن استعانة السعودية بقوات مصرية وباكستانية لحماية حدودها مع العراق واليمن خوفاً من "داعش" وأنصار الله"الحوثيين".
رابعاً: حاولت السعودية ايصال رسالة مفادها:"نحن دولة محاربة للارهاب حتى وان كان الشيعة هم المستهدفون"، أي انها تريد سحب نفسها تدريجاً من الدول الداعمة للارهاب الداعشي في الشرق الأوسط.
خامساً: لهذا السيناريو أيضاً رسالتين مختلفتين على الصعيدين الداخلي والخارجي، فداخلياً تسعى السعودية لاظهارتنظيم "القاعدة" الارهابي جماعة تنسب إلى "الإخوان" المسلمين ولابد من القضاء عليها، أما على الصعيد الخارجي فقد حاولت اعادة تنظيم العلاقة مع أميركا عبر ضربها لهذا التنظيم الإرهابي بعد نشر تقارير غربية مؤخراً تؤكد دعم ال سعود للارهاب الداعشي.
في الختام، لا شك في أن الأحداث الأخيرة في السعودية تعتبر خطوة "خبيثة" لهذه المملكة "الخبيرة" في دعم الارهاب، فخيبة الامل التي تعتري القيادة السعودية في ضوء فشل مشروعها الشرق أوسطي، والفشل الذريع في سياستها الداخلية أسباب مختلفة تقف وراء سيناريو "مجزرة الدالوة"، القشة التي ستقصم ظهر النظام السعودي داخلياً وخارجياً.