الوقت - في 24 ايار 2014 انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان حيث سلًم مفتاح القصر الرئاسي هذه المرة الى "فخامة الفراغ". الفراغ تصادف مع الذكرى الرابعة عشر لعيد المقاومة والتحرير،لذلك لم يكن هذا العيد الوطني يوماً سعيداً "ككل عام" على اللبنانيين الذين يعيش الكثير منهم هاجس الفراغ الرئاسي، وهو الفراغ الرابع في الجمهورية اللبنانية. فالفراغ الاول تمّ فجر 18 ايلول (سبتمبر) 1952 ،عندما أطل رئيس الاستقلال الشيخ بشارة الخوري مستقيلاً ومسلّماً الدستور لقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب بعد مرور 3 سنوات على التجديد له 6 سنوات حيث نشبت ثورة ضد الرئيس فإتخذ قراره بالتنحّي لئلا تتحوّل الثورة البيضاء الى حمراء نتيحة حرارة الشارع.
والفراغ الثاني تمّ في 23 ايلول 1988 تاريخ انتهاء ولاية الرئيس الثامن للجمهورية أمين الجميل وتسليم مقاليد السلطة الى رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون.وكان هذا الفراغ الأطول حيث دام حتى 5/11/1989 وتخلله دخول االبلد مرحلة الجمهورية بلا رئيس وبدء مرحلة جديدة من الازمات والحروب بدءاً بحرب التحرير وصولاً الى حرب الالغاء وانتهاءً بإتفاق الطائف.
والفراغ الثالث حصل إثر انتهاء ولاية الرئيس العماد اميل لحود في24/11/2007 حيث غادر القصر تاركاً الفراغ وراءه، بعد فشل انتخاب رئيس بسبب توازن القوى بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار، ودام الفراغ الثالث حتى 25 ايار 2008 تاريخ انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
تاريخيًا، ترافق الفراغ الرئاسي مع انقسام سياسي حاد، فتارةً بتشكيل حكومتين تتنازع للشرعية كما جرى في العام 1988 وأخرى بعدم اعتراف قسم كبير من القوى السياسية بشرعية الحكومة القائمة كما كان الحال مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى. وفي كلتا الحالتين يتبيّن أن الفراغ السياسي قد ترافق مع أحداث أمنية خطيرة وأدى الى شلل مؤسسات الدولة وزاد من الشرخ بين اللبنانيين وساهم بشكل كبير في تعميق الانقسام السياسي.
في النظام الديمقراطي البرلماني اللبناني، منح الدستور السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب صلاحية انتخاب رئيس الدولة. فالى جانب الصلاحيات الأخرى، تعتبر عملية انتخاب رئيس الجمهورية من المهام الرئيسية التي يتوجب على مجلس النواب اللبناني القيام بها حفاظاً على الدستور والكيان اللبناني والميثاق الوطني.
اليوم وبعد مضي حوالي ستة أشهر على استلام "فخامة الفراغ" وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للبلاد وفق الأطر الدستورية، أعلنت رئاسة مجلس النواب إرجاء الجلسة إلى 19 نوفمبر، أي قبل يوم من انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي ويرجح البعض أن يعمد البرلمان الى تمديد ولايته ما قد يزيد من ترهّل النظام السياسي اللبناني .
أما في الداخل اللبناني، تؤكد الأحزاب اللبنانية وخاصة المسيحية منها على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن ، لذلك يسعى “التيار الوطني الحر” إلى أن يحرك هذا الملف الساكن بعدما طرح مادة جديدة على المسرح السياسي من خلال تقديم عشرة نواب من التيار اقتراح قانون تعديل دستوري إلى مجلس النواب يرمي إلى انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب.
على اي حال،ان الفراغ الذي يشهده الواقع اللبناني في ظل انسداد الأفق في مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد بسبب توزّع القوى السياسية وعدم اكتمال النصاب في معظم الجلسات تمتلك بعض الدول الخارجية منه "حصة الأسد"، فقد ترددت مؤخرًا أنباء عن طرح سعودي نقل عبر الوسيط الروسي للقيادة السورية يقضي ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدة الحكم وتراجع دعم الرياض للمعارضة المسلحة ، مقابل تسميتها للرئيس الجديد في لبنان.
لبنان فشل حتى الآن في انتخاب رئيس للبلاد، ويشهد أوضاعًا أمنية واقتصادية متردية ، خصوصاً بعد أحداث عرسال وطرابلس التي أسفرت عن استشهاد عدد من الجيش والشرطة اللبنانية وأسر آخرين، الأمر الذي يدعوا المسؤولين في لبنان لأن يتكاتفوا ويقفوا صفا واحدا ليتفقوا على حماية الوطن والمواطن ومصلحتهما قبل فوات الأوان .
أخيراً وليس أخراً، صحيح أن لبنان لم ينتج تاريخيا رئيسا دون تدخل خارجي حاسم وهو في هذه الانتخابات يسير على الطريق نفسه، الا أن الوضعين الداخلي والاقليمي يحتمان على الجميع كلمة"انتخبوا رئيسا تختارونه"، لأن بقاء لبنان في مسار سياسي ودستوري عنوانه الفراغ سيدخله في نفق مظلم لا يمكن لأحد أن يتكهّن بكيفية الخروج مما قد يعيد لبنان الى عام 1975.