يتوافد الى العاصمة التركية أنقرة العديد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين، كان آخرهم وزير الدفاع الفرنسي، في زيارةٍ تتزامن مع أخرى يقوم بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية "جوزيف دانفورد". على الرغم من أن الأطراف المعنية لا سيما الطرف التركي أوضح أن الزيارات هي لتنسيق محاربة الإرهاب، الى جانب بحث الأزمة السورية. فيما تُطرح العديد من التساؤلات حول أهداف الزيارة، لا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن وضوح الدور التركي في دعم الإرهاب. فكيف يمكن تفسير التناغم التركي الغربي تحديداً الأمريكي اليوم؟ ولماذا تعتبر واشنطن راعية الإرهاب الذي تدعمه أنقرة؟
أولاً: الزيارات المشبوهة
التقى رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" مساء الثلاثاء، وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لودريان" في مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة أنقرة. وبحسب المصادر الإعلامية، فإن الطرفين ناقشا آخر التطورات الميدانية الحاصلة في سوريا، وسبل مكافحة المنظمات الإرهابية فيها. وكان وزير الدفاع الفرنسي قد التقى مع نظيره التركي "خلوسي أكار" في مقر قيادة الأركان التركية بأنقرة، حيث لم يتم الإدلاء بتصريحات عن فحوى المحادثات التي دارت بينهما. من جهةٍ أخرى تزامنت زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى أنقرة، مع زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية "جوزيف دانفورد"، والذي سيلتقي فيها نظيره التركي "أكار"، للتباحث في عدد من القضايا ذات الإهتمام المشترك بين تركيا والولايات المتحدة. إضافة إلى بحث تفاصيل الأزمة التركية الروسية الحاصلة عقب إسقاط المقاتلات التركية للطائرة الروسية، في 24 تشرين الثاني المنصرم.
ثانياً: التناغم التركي الغربي في دعم الإرهاب
لا يمكن التغاضي عن الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الأمنيون والعسكريون الى أنقرة، دون طرح العديد من الأسئلة. وهنا نختصر محتوى التساؤلات بالتالي: كيف يمكن التغاضي عن التناغم الأمريكي الحالي لأنقرة بعد أن أثبتت الحقائق تورط تركيا بدعم الإرهاب؟ ألا يعني هذا التناغم زيف الإدعاءات الأمريكية والغربية؟
وهنا وللإجابة على هذه التساؤلات، نسرد بالحقائق والأدلة، ما يثبت تورط واشنطن بما تقوم به أنقرة. وهو ما سندعمه من خلال ما قالته بعض الصحف الغربية، الى جانب بعض التصريحات الأمريكية التي تدين نفسها. لذلك نشير للتالي:
تحدثت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خلال شهر أيلول من العام المنصرم، عن أن تركيا شريكة في مبيعات النفط التي يقوم بها داعش، وأنها لم توقف تدفق النفط إليها، رغم الضغوط الغربية الممارسة عليها. كما أورد المقال تصريحاً للسفير الأمريكي السابق في أنقرة "فرانسيس ريتشاردوني"، والذي قال فيه أن الحكومة التركية وعلى الرغم من كل التحذيرات التي تلقتها من واشنطن والغرب، قامت بدعم تنظيم جبهة النصرة الذي يعد امتداداً لتنظيم القاعدة في سوريا.
من جهةٍ أخرى، كانت الصحافة العالمية قد تداولت تقارير تفيد أنه في شهر كانون الثاني 2014، وخلال جلسة ضمت سفير الإتحاد الأوروبي ومجموعة من الصحفيين، طرح النائب الكردي و رئيس بلدية مدينة ماردين التركية "أحمد تورك"، تقارير تؤكد الدعم الرسمي الذي تقدمه تركيا إلى داعش بالأدلة الدامغة.
وهنا، بناءاً لما تقدم، ما هي الأسباب الحقيقية التي تمنع واشنطن من مواجهة تركيا، إذا ما كانت تؤمن فعلاً بخطورة تنظيم داعش الإرهابي؟ فيما يبدو أن الحقائق تُشير بوضوح الى زيف الإدعاءات الأمريكية. وهنا نقول التالي:
يوجد تناقضٌ أمريكيٌ واضح في التعاطي مع تركيا بين السر والعلن، ففي الثاني من تشرين الأول 2014، نقلت صحيفة "حربيت ديلي نيوز" التركية عن "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي، قوله في خطابه الذي ألقاه في جامعة هارفارد، عن تورط تركيا المباشر في تمويل المتطرفين وتسليحهم وتسهيل مرورهم إلى سوريا، لكنه ما لبث أن قدم إعتذاراً بعد يومين إلى الرئيس التركي عن تصريحاته، وأصدر بياناً عن تقدير واشنطن لدور تركيا وحلفائها في الحرب على التنظيمات الإرهابية.
من جهةٍ أخرى، نجد أن الغرب يفضح بنفسه الشراكة الإستراتيجية بين تركيا وواشنطن فيما يخص دعم الإرهاب. فقد نشر الموقع (Veterans Today) في تشرين الأول 2014 كلام للصحفي الأمريكي "جوردن داف"، والذي تحدث فيه عن أن واشنطن وأنقرة هما شريكان في تأسيس داعش. مضيفاً أن الإرهابيين من مختلف الجنسيات يصلون إلي سوريا عبر تركيا، مؤكداً أن "أردوغان" هو أكبر الشركاء في النفط المسروق من سوريا، وأن الشركاء الآخرين هم الكيان الإسرائيلي، وأمريكا، والغرب الذين ينفقون المليارات في تدريب الإرهابيين لمكافحة الإرهاب. وفي آب عام 2015، كشف المدير السابق لوكالة الإستخبارات الدفاعية الأمريكية، الجنرال المتقاعد "مايكل فلين"، الدور الخفي للرئيس الأمريكي باراك أوباما في تأسيس تنظيم داعش الإرهابي. وهو ما أكده وفقاً لوثائق سرية تفضح دور الرئيس الأمريكي، والتي تم الحصول عليها بموجب قانون حرية المعلومات. كما أكد "فلين"، أن الإدارة الأمريكية تعمدت الإدعاء المفاجئ بظهور داعش، وهو أمر لا أساس له من الصحة، وأضاف أن ما يحدث حالياً هو نتيجة الدعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية للمتطرفين.
إذن يوماً بعد يوم يتضح حجم المؤامرة الكبرى على سوريا والمنطقة. فيما تُثبت الأحداث أن واشنطن تُعتبر أساس الأرهاب في المنطقة والعالم. وما الزيارات التي تجري، إلا محاولةٌ لتنسيق الجهود، من أجل التغطية على الخسائر التي مُنيت بها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لنقول أن زيارة وزير الدفاع الفرنسي الى أنقرة، والتي تلتها أيضاً زيارة رئيس هئية الأركان الأمريكية، ليست إلا تأكيدٌ على الشراكة الإستراتيجية بين الغرب وتركيا في دعم الإرهاب لا سيما الشراكة الأمريكية التركية.