الوقت – بعد فشل الوعود الأمریکیة بتأمین المعدات اللازمة للجیش العراقی الفتی؛ تواجه السیاسة الخارجیة الأمریکیة إحباطات کبیرة جاءت کجزء من فشل ذریع- وهو فشل فی الرؤیة السیاسیة- لکی تدفع العراق لعقد صفقات شراء معداته العسکریة مع اوکرانیا وروسیا وکوریا الجنوبیة.
وشهد التنظیم الهیکیلی العسکری العراقی بعد إنحلال جیشه بسبب الاحتلال والغزو الامریکی مراحل مفصلیة عصیبة بدأت منذ برنامج " النفط مقابل الغذاء" واستمرت لحد یومنا هذا متأملة بأن تحضی بالمعدات والتدریب اللازمین من قبل الامریکیین الذین لایزالون یماطلون فی تقدیمه مع کل ما کان من وعود وصفقات ابرموها مع الجانب العراقی.
وکانت امریکا قد تعهدت عبر الاتفاقیة الامنیة بتجهیز واسناد الجیش العراقی بالمعدات الامریکیة الحدیثة وقامت بإبرام صفقات خلال العام المنصرم فی هذا المجال لکی تؤمّن مایحتاجه العراق من الناحیة العسکریة الا ّ أنها تخلت عن عهودها فیما بعد.
وجاءت الذرائع الامریکیة علی سبیل المثال للتأخیر بتسلیم طائرات 16 F الی العراق عن الموعد المحدد لتسلیمها فی شهر ایلول المقبل، بأن "المدرج الموجود فی قاعدة بلد یحتاج الی اعمار خصوصا انه لم یتم اعماره منذ انسحاب القوات الامریکیة من العراق"، وأن "قاعدة بلد الجویة تحتاج الی اصلاح مخازن الطائرات وبنی تحتیة وتوفیر الامن لها فضلا عن تدریب المراتب والضباط فیها، لکی تکون قادرة علی استقبال طائرات 16 F ".
وکانت قد بدأت "الحکومة الامیرکیة بإرسال 14 ملیون قذیفة وطلقة متدرجة من انواع مختلفة من الاطلاقات للاسلحة الخفیفة والمتوسطة، وإیصال 7000 نوع من الاسلحة وهی عبارة عن بنادق ورشاشات وقاذفات صواریخ وقناصات"و 800 اطلاقة مدفع ،و 99 صاروخ هیل فایر و1000 قذیفة دبابة ابتداء من 17 کانون الثانی 2014وهذا یأتی ضمن التزام الحکومة الامیرکیة فی شراکتها مع الحکومة العراقیة".
وکان العراق قد وقع اتفاقاً مع واشنطن لشراء 36 طائرة مقاتلة من طراز أف 16، وقد أعلنت الحکومة العراقیة، عام 2011، عن تسدید الدفعة الأولی من قیمة الصفقة ثمناً لشراء 18 مقاتلة من هذا النوع.
وتسببت العراقیل الامریکیة للتوجّه العراقی نحو روسیا لکی یعقد معها صفقة قیمتها 4 میلیارات دولار لشراء المعدات التی یحتاج الیها الجیش العراقی. هذا فیما طالت هذه الصفقة أیضاً ظغوطاً وعراقیل مماتسببت بإلغائها من قبل الجانبین.وکانت التحذیرات من تداعیات العقوبات ضد موسکو بسبب تعاونها العسکری والنفطی مع العراق.
وکان قد حذر الإئتلاف العراقی الحاکم، من الانعکاسات السلبیة للعقوبات الأمیرکیة ضد روسیا، علی مستقبل التعاون العسکری والمعلوماتی وتنفیذ العقود النفطیة بین روسیا والعراق. وکانت روسیا والعراق وقعا عام 2012 صفقة بموجب اتفاقیة التعاون العسکری التقنی بینهما تبلغ قیمتها 4.3 ملیار دولار. وتتضمن الصفقة تورید معدات عسکریة بینها مروحیات من طراز "می-28 إن إی" (صیاد اللیل)، وقد تسلم العراق بموجبها حتی الآن عشرات الطائرات والمُدرعات والأسلحة المتوسطة.
وجاء القرار العراقی لکی یُنوّع من صفقاته مع بلدان عدة ومن جملتها اوکرانیا وکوریا الجنوبیة لیقوم بتجهیز الجیش العراقی. ولم یصل رجال الدولة العراقیون لهذا الامر الاّ من بعد أن خابت آمالهم بالجانب الامریکی وقرروا بأن یقوموا بتنویع المعدات والخروج تدریجیاً من الهیمنة العسکریة الامریکیة وتهاترها بعدم الإلتزام بالعهود والصفقات ولربما سیجعل ذلک ذریعة یستخدمها العراق کورقة ضاغطة علی الجانب الامریکی لعدم التزامه هو ایضاً بالاتفاق الامنی المشترک.
وفی السیاق ذاته ، استورد العراق دفعة ثانیة من مدرعات 64 مدرعة من طراز (بی تی ار 4) الاوکرانیة والتی تأتی جزءً من 420 مدرعة من المفترض ان تصل للعراق حسب الصفقة. وکانت أوکرانیا قد بدأت بتسلیمها الوجبة الأولی من المدرعات فی نیسان 2011. وکان یفترض أن تسلم اوکرانیا الدفعة الثانیة فی تموز من العام نفسه، لکنها أجلت ذلک، فیما هددت بغداد الشرکة المنتجة بفرض غرامة 3 ملایین دولار علیها بسبب تأخرها فی التسلیم، لکنها تراجعت فیما بعد عن التهدید.
وتم إرسال هذه المدرعات من علی متن إحدی البواخر فی میناء أودیسا البحری التجاری الی میناء ام قصرالعراق ضمن دفعة جدیدة من المدرعات ضمن الصفقة العسکریة الموقعة بین البلدین، وبموجب عقد وقعته الحکومة فی کانون الأول 2009 مع أوکرانیا بقیمة بلغت أکثر من 550 ملیون دولار لتجهیزه بـ400 آلیة مدرعة، وعشر طائرات عسکریة. وأبدت أوکرانیا، فی العاشر من آب 2012، استعدادها التعاون مع العراق فی المجال العسکری، مؤکدة علی إمکانیة فتح دورات للعراقیین فی الأکادیمیات العسکریة الأوکرانیة.
وأعلنت شرکة «کوریا ایروسبیس إنداستریز» الکوریة الجنوبیة أمس أنها وقعت اتفاقا مع العراق ستصدر إلیه بموجبه 24 طائرة مقاتلة خفیفة، فی صفقة قیمتها 1.1 ملیار دولار.
ویتصدر العراق منطقة الشرق الاوسط بشراء المعدات العسکریة بمبلغ یضاهی 16 میلیار دولار. فیما قامت امریکا بفتح جسر عسکری لتجهیز السعودیة بکافة المعدات العسکریة وهو الامر الذی اربک العراقیین من أن الجانب الامریکی لن یسعی للوفاء بعهوده وأنه یصبّ کل مساعیه لکی یجعل من السعودیة بلداً مسلحاً بالسلاح الامریکی الی أبعد نقطة ممکنة. ولکن ماهو الدلیل علی کل هذا الاصرار لعدم تسلیح وتجهیز العراق بالمعدات التی قام بتدمیرها جیش الغزو والاحتلال الامریکی من حربه الاولی ضد العراق ولحد الیوم بینما یقوم بزجّ جمیع المعدات والاجهزة فی السعودیة؟ هذا الاصرار ویضع امام العراقیین اموراً عدة من جملتها:
1- عدم إلتزامهم بالاتفاق الامنی المشترک مع الجانب الامریکی
2- المعدات العراقیة تأتی لکی تحدّ من نشاط داعش وهو الامر الذی لاترتضیه امریکا
3- التنویع فی المعدات العسکریة سیضع المبادرة بید الجانب العراقی لیتمکن من رفض شروط التسلیم
کل هذا یجعل الهیمنة والحضور الامریکی فی العراق یتـّجه نحو الانخفاض وهو الامر الذی شأنه تعزیز الامن والاستقرار والاتکاء علی القدرات الذاتیة التی قد شاهدها العالم بعدما تمتّ مقاطعة ایران البلد الجار للعراق 30 عاماً استطاع أن ینهض من اعماقه لکی یقوم بصنع کل مایحتاج الیه من عتاد وسلاح ومعدات.