الوقت - في تحليله للتطورات السورية والخلافات بين الجماعات المسلحة المتواجدة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، أكّد السيد هاني زاده على الدور المحوري للأقليات الدينية والعرقية في مستقبل سوريا، وشدد على أنه في حال عجزت الحكومة السورية المستقبلية عن السيطرة على هيئة تحرير الشام والجماعات المتطرفة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى اندلاع ثورة من قِبَل الشباب المؤمن والمسلمين الحقيقيين في سوريا.
إن اندلاع عملية "ردع العدوان" بُعيد إعلان وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، يكشف بجلاء أن هذه المجموعة الوكيلة كانت جزءاً من النظرية العكسية لوحدة ساحات المقاومة، بيد أن المستجدات الأخيرة في دمشق، تشير بوضوح إلى أن موطئ قدمهم لن يترسخ في الأراضي السورية.
وتتجلى رؤية المرشد الإيراني الأعلی الاستشرافية في توقعه صعود مجموعة قوية ونزيهة إلى سدة الحكم في دمشق، بالتزامن مع طرد المعتدين، وهو ما تظهر مؤشراته الأولية التي ستتضح نتائجها قريباً على أرض الواقع.
وفي هذا السياق، يقدّم الخبير في شؤون غرب آسيا السيد "حسن هاني زاده" قراءةً تحليليةً لمستقبل سوريا، مشيراً إلى تصاعد حدة التوتر بين العلويين والجماعات الإرهابية المتمركزة في المناطق الساحلية السورية، مؤكداً أن المشهد الراهن يكتنفه الغموض وعدم الوضوح.
الوقت: إلى أين تتجه سوريا بعد صعود الجولاني؟ وهل سيكون للقوات المحتلة مستقبل مشرق في دمشق؟
السيد "حسن هاني زاده": دخلت سوريا مرحلةً مقلقةً بعد إسقاط حكومة بشار الأسد، حيث تتواجد حالياً 36 جماعة مسلحة، أكبرها يسيطر على مفاصل الدولة والحكم في دمشق، وقد أثار وجود الجماعات المسلحة الأخرى في مختلف المدن مخاوف الأقليات العرقية والدينية في سوريا، إذ شهدت الأسابيع الأخيرة، عقب سقوط نظام الأسد، إعدام وتصفية ما يزيد على 4000 شخص من الأقليات الدينية والعرقية في مدن مختلفة كحلب وإدلب واللاذقية وطرطوس وغيرها، دون محاكمات.
كما اضطرت أعداد كبيرة من الأقليات الدينية للنزوح قسراً إلى لبنان، وتشير هذه الأحداث مجتمعةً إلى هيمنة نظرة طائفية ودينية وعرقية في سوريا، والتي إن لم يتم ضبطها، ستجد الأقليات الدينية - بما فيها المسيحيون والدروز والعلويون والإسماعيليون والشيعة - أنفسها مضطرون لمواجهة هذه الجماعات المسلحة غير المنضبطة.
ويبدو أن هذه المجموعات، وخاصةً هيئة تحرير الشام، لا تمتلك رؤيةً لبناء الدولة بقدر ما تسعى للانتقام، ويُرجح أن تكون هذه مرحلة عابرة، إذ سينتفض الشباب المؤمن والمسلم الحقيقي في سوريا ضد هذه الجماعات المسلحة، ونظراً للعلاقات القائمة بين هيئة تحرير الشام والكيان الصهيوني وأمريكا وتركيا - وهو ما يتعارض مع توجهات الشباب المسلم السوري - فإن صمت الهيئة إزاء الجرائم الصهيونية ضد المسلمين وقصف البنية التحتية السورية، سيؤدي حتماً إلى غضب الشباب السوري.
الوقت: هل سيكون دور الأقليات الدينية أكثر بروزاً في التطورات المستقبلية في سوريا؟
السيد "حسن هاني زاده": من الطبيعي أنه يتجلى في المشهد السوري المستقبلي دورٌ متنامٍ للأقليات الدينية بصورة لافتة، وما لا شك فيه أن الغالبية المسلمة السُنّية تضمّ في نسيجها تيارات متعددة تقف موقفاً صلباً في معارضة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق، فإن النهج الذي تتبناه هيئة تحرير الشام، بما يحمله من سياسات مجافية للواقع ومناقضة للحقيقة، والتي تتعارض جوهرياً مع المصالح الوطنية العليا، يُقابَل برفض قاطع من قِبَل الشريحة الشبابية السورية، وتشير المعطيات إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تحولات جذرية في المشهد السوري.
الوقت: يبرز بوضوح جلي الدور المحوري للولايات المتحدة وتركيا في تمكين هيئة تحرير الشام وتشكيل الواقع السوري الراهن، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف ستتعامل هذه القوى مع المتغيرات المستقبلية في حال اندلاع انتفاضة شعبية يقودها الشباب السوري ضد الجماعات المسلحة؟
السيد "حسن هاني زاده": من الجلي أن البصمات التركية واضحة في دعم صعود هيئة تحرير الشام، وتعزيز نفوذ الجماعات المصنفة إرهابياً، إذ تسعى أنقرة إلى تحقيق أجندة خاصة في سوريا، يأتي في مقدمتها إخضاع دمشق للنفوذ الصهيوني، وفي الوقت الراهن، تمارس تركيا ضغوطاً حثيثةً على هيئة تحرير الشام لتسريع افتتاح سفارة الكيان الصهيوني في العاصمة السورية، مع السعي لإبرام اتفاقية تطبيع شاملة بين الكيان الصهيوني والحكومة السورية القائمة.
وفي خضم هذه التطورات المتسارعة، تُبدي هيئة تحرير الشام تحفظاً ملحوظاً تجاه إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة، في حين تترقب طهران بعناية موقف الهيئة النهائي من المحور الإسرائيلي.
الوقت: هل يمكن استشراف السلوك والنهج الإيراني في التطورات السورية المرتقبة؟
السيد "حسن هاني زاده": تتبنى طهران موقفاً يتسم بالترقب المدروس، منتظرةً تبلور المشهد بصورة جلية؛ إذ تشهد الساحة السورية تصعيداً ملحوظاً في حدة المواجهات بين القوى الكردية وتنظيم "داعش" الإرهابي والفصائل المسلحة المتعددة، وقد بلغت الاشتباكات ذروتها بين القوات التركية النظامية وقوات النظام السوري من جهة، وبين القوات الحكومية السورية وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى.
وفي تطور لافت، برزت توترات حادة في المناطق الساحلية السورية بين المكون العلوي والعناصر المصنفة إرهابياً المتمركزة في تلك المنطقة، ما يُلقي بظلال من الضبابية على المشهد الراهن، وفي هذا السياق، تتخذ إيران موقفاً استراتيجياً يقوم على الانتظار المحسوب، متطلعةً إلى انقشاع هذه الضبابية في المستقبل القريب، لتعيد رسم خارطة سياساتها بعد تبلور حكومة راسخة وواضحة المعالم والتوجهات.
وفي حال شهد المشهد السوري تحولاً جذرياً يتمثل في اندلاع حراك ثوري يناهض الوضع الراهن، فمن المرجح أن تشهد الساحة حضوراً إيرانياً أكثر فاعليةً وتأثيراً، مدعوماً بثقل استراتيجي متزايد.