الوقت – احتفل اليمن الذي يحظى هذه الأيام باهتمام إقليمي ودولي بسبب وقوفه في وجه الظلم الأمريكي والكيان الصهيوني، بالذكرى العاشرة للثورة التي انطلقت شرارتها في الـ 21 من سبتمبر 2014 لإظهار الوحدة والتماسك الداخلي ليبين أن شتلة الثورة أصبحت الآن شجرة قوية قادرة على مقاومة الحوادث والعواصف. وفي هذا الصدد، أقيمت يوم السبت الماضي، مسيرة شعبية يمنية بمناسبة ثورة الـ 21 من سبتمبر في ساحة السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء، كما أعلن اليمنيون هذا العام، احتفالاً بثورة الـ 21 من سبتمبر، تضامنهم مع الشعب اللبناني وأدانوا العمليات الإرهابية المتمثلة في تفجير أجهزة البيجر واغتيال قادة المقاومة في لبنان.
كما أظهر 4000 جندي يمني، الأحد الماضي، قوتهم وجاهزيتهم، بمشاركتهم في عرض عسكري بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة في صنعاء، وأجري هذا التمرين تحت شعار "الثبات والنصر على الطريق إلى القدس" وقام الجيش اليمني بتصوير اسم غزة وعملية "طوفان الأقصى" في ساحة العرض، وأكد "محمد ناصر العطافي"، وزير الدفاع اليمني، خلال حفل العرض العسكري: "نحاول مواصلة الهجمات المؤلمة في عمق إسرائيل".
وهنأ زعيم الثورة اليمنية عبدالملك بدر الدين الحوثي، في كلمته، الشعب اليمني بالذكرى العاشرة للإنجاز التاريخي الكبير لثورة الـ 21 من سبتمبر، ووصف الحوثي إنجاز ثورة الـ 21 من سبتمبر بأنه إنجاز حقيقي بكل معنى الكلمة للشعب اليمني، كما قال قائد الثورة اليمنية: إن كل الفعاليات والمواقف التي تمت في إطار ثورة الـ 21 من سبتمبر كانت يمنية خالصة، دون أي تأثير أو تدخل أجنبي.
إن ثورة الـ 21 من سبتمبر ستكون لها نتائج بالغة الأهمية، وستكون آثارها ونتائجها تلبي كل آمال الشعب اليمني، ولم يحافظ شعب اليمن على منجزات هذه الثورة طوال 10 سنوات فحسب، بل واجه تحديات وما زال يواجه التحديات، ورغم عظم هذه التحديات إلا أنه حقق إنجازات مهمة.
وأكد الحوثي: أن الحركة المعادية لثورة الـ 21 من سبتمبر وعلى رأسها الأمريكيين والكيان الصهيوني يعتبرون أكبر الخاسرين لأنهم فقدوا سيطرتهم المباشرة على البلاد، وأمريكا هي الضحية الأولى لثورة الـ 21 من سبتمبر بسبب أطماعها المتغطرسة في السيطرة الكاملة على اليمن واستغلال ثرواته.
ثورة الـ21 من سبتمبر
ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014 لم تكن نتيجة حدث عابر في تاريخ اليمن، بل كانت كرد فعل طبيعي ضد حكومة منصور هادي آنذاك، التي حولت اليمن إلى ساحة للتدخلات الخارجية، وفي عام 2011، وفي خضم موجة الصحوة الإسلامية التي اجتاحت جزءًا كبيرًا من العالم العربي، بدأ الشعب اليمني انتفاضة للمطالبة بحقوقه المفقودة في ظل حكومة علي عبد الله صالح الدكتاتورية، وبعد أشهر من النضال والقمع واسع النطاق، تمكنوا من التخلص من الحكم الاستبدادي وتحقيق النصر لثورتهم، ومع ذلك، فإن آمال الشعب اليمني الذي كان يعاني في السيطرة على مصيره وكان يطمح لإنشاء بلد حر وعادل ومستقل من التدخل الأجنبي سرعان ما تحولت إلى يأس، ومهدت تصرفات الحكومة الجديدة الطريق لإعادة إنشاء البلد السابق بالاعتماد أكثر على الدول الأجنبية.
وبعد ثلاث سنوات من ثورة الـ 11 من أبريل 2011، تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي كانت ذات يوم الحلفاء الرئيسيين للديكتاتور السابق، من أخذ زمام المبادرة في تحديد عملية الانتقال السياسي في اليمن، من أجل تحويل المطالب الثورية للشعب وتنظيم التغييرات في طريقة حماية مصالحه في صنعاء، وساهمت هذه الإجراءات، التي رافقها عملاء سياسيون وعسكريون مرتزقة في حكومة منصور هادي، في تعميق حجم الأزمة والتدخل الأجنبي.
وفي الواقع، رغم أن علي عبد الله صالح قد سلم السلطة لعبد ربه منصور هادي، وكان أنصار الله يأملون في تحقيق مُثُل الثورة وأهدافها في الحكومة الجديدة، إلا أن منصور هادي، رغم أنه بدا مؤيداً للثوار، لكن من حيث المبدأ، كان منفذاً لأوامر مشيخات الخليج الفارسي، وخاصة السعودية، وكان ينفذ أوامرهم في اليمن.
في هذا الوضع، اجتذب الخطاب الثوري والإصلاحي لحركة أنصار الله العديد من الأقسام المحبطة في حكومة ما بعد الثورة بقيادة منصور هادي، الذين ما زالوا يشعرون بسلطة السيادة التقليدية والهيمنة الأجنبية للمملكة العربية السعودية على رؤوسهم، ووفروا الأرض لتطورات 2014 التي اندلعت بسبب أزمة الوقود، وتعود جذور هذه الثورة التاريخية إلى التطورات التي حدثت قبل أشهر قليلة، ففي صيف عام 2013، وبإشراف منصور هادي وبحضور جماعات سياسية يمنية، بما في ذلك أنصار الله، انعقد مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وتم خلالها التوصل إلى وثيقة بين المنظمات اليمنية، إلا أن نتائج هذه المحادثات لم تنفذ.
استمرت الاحتجاجات المتفرقة ضد الحكومة حتى بدأت الانتفاضة الشعبية في أغسطس/آب 2014 بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وجاء الناس بقيادة أنصار الله إلى صنعاء من جميع أنحاء اليمن واعتصموا، حتى خرجت أكبر مظاهرة حتى ذلك اليوم في صنعاء في الـ 27 من أغسطس/آب بدعوة من السيد عبد الملك الحوثي. واستمرت هذه العملية حتى وضع أنصار الله، الذين يعتبرونهم الهيئة الأساسية للمحتجين، ثلاثة شروط لإنهاء الاحتجاجات: 1- إلغاء أمر الإفراج عن ناقلات الوقود، 2- تنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطني، 3- إقالة الوفد الحكومي الذي وصفوه بالفاسد.
ومع ذلك، وبسبب رفض الحكومة تنفيذ مطالب المتظاهرين، استمرت الانتفاضة الشعبية واستولت اللجان الثورية المسلحة المقربة من أنصار الله على صنعاء ومبنى الإذاعة والتلفزيون اليمني في الــ 21 من سبتمبر/أيلول، وبعد هذه الصراعات وافق منصور هادي على اتفاق مع أنصار الله ووافق على مطالبهم، كما سلموا المباني الحكومية للحكومة، وتم تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة بمشاركة الجماعات السياسية بعد الكثير من الصراع وعلى الرغم من احتجاج أنصار الله.
وبعد تنصيب الحكومة الجديدة، عُقدت جولة جديدة من المفاوضات في هيئة مراقبة الحوار الوطني لصياغة الدستور اليمني الجديد، الذي كان من المفترض أن تتم صياغته وفق وثيقة المفاوضات 1392، بحضور المجموعات السياسية، وبعد إصرار هادي وبعض الجماعات على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم اتحادية، غادر أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة علي عبد الله صالح المحادثات احتجاجا على ما وصفوه بمحاولة تقسيم اليمن، وأصر أنصار الله على أنه بموجب الاتفاق يجب أن توافق جميع الأطراف على المسودة الجديدة.
وعقب الخلاف حول مشروع الدستور، اعتقل أنصار الله أحمد بن مبارك، رئيس مكتب منصور هادي في (17 يناير 2015) وقالوا إن ابن مبارك أكد على تقسيم اليمن، ومع اعتقال ابن مبارك في صنعاء، اندلع صراع مسلح مرة أخرى، واحتلت قوات أنصار الله المباني الحكومية مرة أخرى، وفي الـ 20 من يناير 2015 توصل أنصار الله إلى اتفاق مع هادي مرة أخرى، وتقرر تعديل مسودة الدستور بموافقة جميع الفئات، كما سيتم إطلاق سراح ابن مبارك، وخروج القوات التابعة لأنصار الله من المباني الحكومية.
لكن في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق مع أنصار الله، في الـ21 من يناير/كانون الثاني، قدم رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح استقالته إلى الرئيس، وبعد ساعات قليلة قدم منصور هادي استقالته أيضًا إلى البرلمان، وبما أن أنصار الله لم يكن لديهم أمل في تنفيذ الاتفاقات من قبل حكومة هادي، أخيرًا في الـ17 من فبراير، أقالوا منصور هادي من خلال قراءة بيان وشكلوا مجلسًا انتقاليًا اكتمل أخيرًا وأصبح أنصار الله الزعيم السياسي لليمن منذ ذلك الحين.
لقد كسرت ثورة الـ 21 من سبتمبر سلطة الوصاية والتدخل الأجنبي ونفوذ السفارات في اليمن وانتهت إلى غير رجعة، وأظهرت تفاصيلها، مع اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية في صنعاء، كيف تمكن الأجانب من التسلل إلى قطاعات اليمن الأمنية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية والسياسية والإعلامية من خلال جواسيسهم.
ثورة سبتمبر بداية تشكيل اليمن القوي
لقد شكلت ثورة الـ21 من سبتمبر نقطة تحول في تاريخ اليمن على الصعيدين الوطني والدولي، وأعادت السيادة الوطنية والاستقلال لهذا البلد، واستطاعت أن تحول هذا البلد من لاعب هامشي وتابع في تطورات غرب آسيا، إلى دولة قوية ومؤثرة في المعادلات الإقليمية، لدرجة أن هذه الدولة أصبحت الآن، من خلال هيمنتها على واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية حساسية في العالم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في حسابات القوى الإقليمية والخارجية، كما أن دعم صنعاء الثابت لمقاومة الشعب الفلسطيني بنا لها هيبة وعزز مكانة اليمن بين الدول الإسلامية.
إن حقن عنصر الثقة بالنفس في شعب اليمن، والذي كان إحدى ثمار ثورة سبتمبر، لم يجعل اليمنيين يصمدون في مواجهة 10 سنوات من العدوان العسكري واسع النطاق والمجازر والحصار الاقتصادي والأزمة الإنسانية فحسب، بل أيضاً وبإرادة فولاذية تغلبت على الأعداء الأقوياء وأجبرتهم على التراجع والتسول لليمن لقبول اتفاق وقف إطلاق النار والمصالحة.
وفي العقود التي سبقت ثورة سبتمبر، لم يكن لدى اليمن جيش قوي يمكنه وقف النفوذ الأجنبي ومنع المشاريع الانفصالية لجيرانه، لكن ثورة 2014 أنقذت اليمن من حالة عدم الاستقرار والضعف العسكري، والآن أنصار الله، على الرغم من العقوبات، بالاعتماد على القدرات المحلية، تمكنت الدول العربية الغربية من تحقيق العديد من الإنجازات في مجال الدفاع، كما أدى بناء الصواريخ الأسرع من الصوت والغواصات المسيرة والطائرات دون طيار إلى تحويل اليمن إلى قوة لا منازع عليها في البحر الأحمر حتى أن الغربيين غير قادرين على مواجهتها.
وعلى المستوى الداخلي، أجبر أنصار الله العدو على العودة إلى طاولة المفاوضات بعد عشر سنوات من خوض الحرب لإنقاذ أنفسهم من هذه الأزمة التي صنعوها بأنفسهم من خلال تحقيق توازن الرد والردع أمام التحالف المعتدي، وعلى المستوى الإقليمي، تحول اليمن من موقعه الاستراتيجي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى لاعب مركزي في الصراع الإقليمي، وخاصة في مواجهة الهيمنة الأمريكية ودعم القضية الفلسطينية.
وبالنظر إلى النجاحات التي حققها أنصار الله في المجال العسكري، يمكن لهذه الحركة أيضًا أن تحل المشكلة المعيشية للشعب اليمني في القطاع الاقتصادي، وقد أثبت أنصار الله أنهم خلال فترة الحصار يستطيعون التخلص من القوة الداخلية للتغلب على الأزمات التي خلقها لهم الآخرون، ولذلك كانت ثورة سبتمبر خيراً لليمنيين وستظهر ثمارها في كل المجالات مستقبلاً.
تتمتع اليمن بتنوع بحري فريد من نوعه بسبب موقعها الجغرافي المهم ووقوعها في الممر المائي الدولي للبحر الأحمر المطل على الخليج الفارسي والوصول إلى المحيط الهندي، ولا شك أن دولة بهذه المكونات تستحق مكانة أعلى في المنطقة، ومن أجل الخروج من الأزمات والأوضاع الاقتصادية الصعبة، فإنها تحتاج إلى القيادة الحكيمة لأنصار الله، التي حققت العديد من النجاحات في العقد الماضي، والآن وبعد 10 سنوات فشل التحالف السعودي الإماراتي المعتدي في فرض إرادته على الشعب اليمنية، وضاعت قوة الوصاية والتدخل الأجنبي وانتهى نفوذ السفارات وجلبت الثورة الحرية للناس.