الوقت – أدت الحرب في غزة إلى تدهور القوة العسكرية للكيان الصهيوني، حيث اعترف جيش هذا الكيان في الأيام الأخيرة، وبشكل غير مسبوق، بنقص المعدات المدرعة للجيش الإسرائيلي وعدم وجود برامج تدريبية، وهو اعتراف يمكن أن يوفر معيارا مهما لتقييم سير الحرب حتى الآن والتنبؤ بالتطورات المستقبلية.
والاثنين الماضي، اعترف الجيش الصهيوني بأنه فقد العديد من الدبابات خلال الحرب مع حماس، ولهذا السبب قام بتأجيل برنامج التدريب الخاص لمشغلي الدبابات، وكتب موقع "تايمز أوف إسرائيل" في هذا البيان أن "العديد من الدبابات تضررت خلال الحرب ولا يمكن استخدامها في ساحة المعركة أو لأغراض التدريب"، وأضاف "من غير المتوقع أن نتمكن من تخصيص دبابات جديدة لتدريب القوات المدرعة قريبا".
هذا الاعتراف، الذي لم يسبق له مثيل خلال الأشهر التسعة الماضية من الحرب، مهم جدًا من نواحٍ عديدة، وبينما كانت الوحدة المدرعة هي العمود الفقري للعمليات البرية للجيش الصهيوني في غزة، لم يتم تقديم إحصائيات دقيقة عن تدمير وعجز الدبابات والمركبات المدرعة التابعة لهذا الكيان خلال الحرب.
ومنذ الهجوم البري على غزة، اعتمد الصهاينة سياسة الرقابة الإعلامية المشددة على حجم الضحايا والأضرار المباشرة في الحرب، حتى أن وسائل الإعلام الصهيونية صُدمت من هذا الخبر، كما ذكر موقع "التايمز الإسرائيلي" هذا التناقض وكتب: "في وقت سابق، قال كبار ضباط الوحدة المدرعة إن الجيش الإسرائيلي خسر القليل من الدبابات في المعركة مع حماس في غزة، وأنه تم إصلاح الدبابات المتضررة بسرعة للعودة إلى ساحة المعركة".
لكن كتائب القسام التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، كررت بلاغها عن استهداف آليات ثقيلة مثل دبابات "الميركافا" التابعة للكيان، ضمن العمليات المستمرة لمقاتليها، بصاروخ ياسين 105، وأعلنت كتائب القسام في آخر إحصائياتها عن تدمير أكثر من 1500 آلية عسكرية إسرائيلية -كليا أو جزئيا-، وأشارت إلى أن هذه الإحصائية لا تشمل حتى الآن عدد الدبابات والمدرعات التي دمرت في معركة رفح.
لذلك، في المقام الأول، فإن اعتراف الصهاينة بتقليص عدد ناقلات الجند المدرعة يشير إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش أمام قوات المقاومة خلال الأشهر التسعة الماضية، وقد أدى مقتل أو إصابة مدربي الدبابات في منتصف الحرب إلى تأجيل عملية دمج المجندات في قوات الاحتياط.
وحسب مصادر صهيونية، فإن الألوية المدرعة التابعة للجيش الإسرائيلي تتكون من كتائب تضم سريتين للدبابات مع جنود من الجيش، بالإضافة إلى سرية ثالثة من قوات الاحتياط التي تقوم بتدريب أطقم الدبابات، ويرى البعض أن الإعلان عن تعليق العمليات التدريبية هو سبب لاستخدام قوات الاحتياط في ساحات القتال واستبدالها مكان قوات الجيش المنهارة نفسيا.
لقد وضعت "إسرائيل" 300 ألف جندي احتياطي في الخدمة بعد هجوم ال 7 من تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته حماس، ولكن مع تزايد الخسائر البشرية في هذه الحرب، أصبح النقص في القوى العاملة في الحرب واضحًا الآن تمامًا، كما أفادت القناة التليفزيونية الصهيونية 12 مؤخرًا عن تدهور وضع القوى العاملة في "إسرائيل" وأعلن جيش هذا الكيان الأمر ووصفه بأنه أزمة لتل أبيب.
من ناحية أخرى، تشير المعطيات الميدانية إلى أنه مع مرور 9 أشهر على الحرب ورغم الحصار الخانق على قطاع غزة، والذي يصعب دخول المساعدات الإنسانية، اكتسبت قوى المقاومة الفلسطينية قدرتها الكاملة على البناء ومن المتوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة أن تكون المعدات العسكرية قادرة على القيام بعمليات مشتركة ضد جيش الاحتلال بطريقة احترافية تماما.
كذلك، وبالتوازي مع التوطين والإنتاج المكثف لجميع أنواع الصواريخ ومنصات إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، يقول محللون عسكريون إن وقوع قوات الاحتلال بشكل متكرر في "كمائن معقدة" يثبت أن المقاومة تنتهج أسلوب "الحرب الخاصة"، وهذا الأسلوب يكون في العادة على أساس الفخاخ والعمليات المتفجرة.
وذكر المحللون أن عوامل مثل قلة المعلومات عن الوضع الميداني، وقلة الخبرة القتالية لدى الجنود الصهاينة وتدني معنوياتهم، أدى إلى تكرار الأخطاء، فضلا عن استخدام المقاومة لمبدأ المفاجئة، ولهذا فقد أوقعت خسائر فادحة في صفوف المحتلين في غزة، على سبيل المثال، في أحد العمليات، في ال 30 من يونيو/حزيران، تمكن مقاتلو حماس من تدمير مركز القيادة والسيطرة التابع للجيش الإسرائيلي بقنبلة قوية على جانب الطريق، وتدمير دبابة ميركافا متقدمة، بقذيفة هاون في شمال مدينة غزة.
من ناحية أخرى، يمتلك مقاتلو المقاومة طريقة جديدة لاصطياد دبابات "ميركافاي 4 و5" وناقلات الجند المدرعة "نمر"، المجهزة بأنظمة الحماية النشطة ولقد تمكنوا من تحقيق تقدم واضح في الحرب الإلكترونية المتقدمة في ساحة المعركة وتمكنوا من استخدام أنواع قاذفات الصواريخ.
وفي هذه الطريقة، ومن أجل تعطيل المنظومات الدفاعية للدبابات والمدرعات التابعة للجيش الصهيوني، تقوم قوات المقاومة أولاً باستهدافها بصواريخ آر بي جي، ثم يتم إطلاق صاروخ آخر مضاد للدبابات، ما يؤدي إلى تدمير الهدف، وعلى سبيل المثال، في عملية تمت بهذه الطريقة في ال 31 من تشرين الأول/أكتوبر، أصيبت عربة مدرعة للجيش الصهيوني، وقُتل 11 جنديًا من لواء جفعاتي.
عدم القدرة على مواصلة الحرب وفتح جبهات جديدة
منذ بداية الهجوم البري والجوي للكيان الصهيوني على غزة، لعبت الألوية المدرعة دورًا رئيسيًا في هذه العملية؛ حيث تواجدت دبابات الجيش بشكل كبير في كل أنحاء الشريط الحدودي مع مصر (محور فيلادلفيا) والشريط الساحلي ولقد قامت بقطع حزام الاتصالات لمدينة غزة من الوسط والجنوب (محور نتساريم).
وحسب المحللين العسكريين، لا تزال الدبابات تشكل العمود الفقري للقوات البرية للجيش الصهيوني، فقبل بدء الحرب على غزة، كان الصهاينة يتحدثون عن امتلاكهم لأسطول كبير من الدبابات، حيث يقدر مخزونها بأكثر من 2200 دبابة، بما في ذلك الإصدارات الحديثة والمطورة من ميركافا، وباراك، ومجاش.
إلا أن تدمير جزء كبير من هذه القدرة المدرعة في القوة البرية وآثاره التي لا يمكن إصلاحها على القوة العملياتية للجيش الصهيوني، أثار التساؤل: في ظل نقص المعدات والآليات، وخاصة دبابات الميركافا، كيف يمكن للاحتلال أن يلحق الهزيمة بقوات المقاومة ؟ هل يتجنب الجيش فتح جبهة جديدة مع حزب الله في الشمال والغزو البري لجنوب لبنان؟
والحقيقة أن إصدار هذا البيان والاعتراف الكبير بأن الجيش الصهيوني لن يصمد طويلا في الوقت الحالي قد يكون بهدف الضغط على حكومة نتنياهو للنظر في الحقائق الميدانية لمسرح المعركة والمخاطر الكبيرة التي يواجهها القادة العسكريون من دانييل هاغاري، المتحدث باسم الجيش، إلى هرتسي هاليفي، رئيس الأركان العامة للجيش، وعلى عكس التمنيات لرئيس الوزراء وزملائه المتشددين في مجلس الوزراء، فإنهم يبذلون الكثير من الجهود لإخبار الرأي العام الإسرائيلي بأن التعامل مع حزب الله كان أمرًا ضروريًا.