الوقت- في تطور لافت على الساحة السياسية والأمنية الإسرائيلية، كشف مسؤول أمني رفيع المستوى عن السبب الرئيسي لفشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عملية صفقة تبادل الأسرى، ويأتي هذا الكشف في ظل تصاعد التوترات الداخلية والخارجية حول هذا الملف الشائك، وخاصة أن التخوف من انتهاء الفترة السياسية الحالية لنتنياهو كان الدافع الرئيسي وراء عرقلة أي اتفاق محتمل لتبادل الأسرى، ويرى كثيرون أن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى انهيار حكومة نتنياهو، ما يفسر تردده في المضي قدماً في المفاوضات.
موقف نتنياهو واستراتيجيته
إن نتنياهو، المعروف بتكتيكاته السياسية الحذرة، يبدو أنه يضع مصلحته السياسية الشخصية فوق أي اعتبار آخر، وتعكس تصريحاته وخطواته الأخيرة خوفه من فقدان السلطة في حال نجاح أي اتفاق قد يعزز من قوة حماس، وهو ما سيؤدي بدوره إلى فضح جرائمه الشنيعة، كما أن يحيى السنوار، القائد الفعلي في قطاع غزة، مستمر في تعزيز مواقعه وسيطرته على القطاع، وهذا الوضع يزيد من ضعف الموقف الإسرائيلي، حيث تسعى حماس إلى تحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض، وهو ما يعتبر تهديداً مباشراً لحكومة نتنياهو التي قادت حربا إبادية، كما أن حماس ليست مجرد منظمة سياسية بل هي جماعة مقاومة تهدف إلى إعادة الحقوق الفلسطينية، ما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق بشروط نتنياهو.
ويأتي تصريح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بطرح مطالب جديدة بشأن مفاوضات تبادل الأسرى ليؤكد تعقيد الوضع، وتطالب تل أبيب بضمانات تتيح لها العودة إلى الحرب لتحقيق أهدافها، ومنع تهريب الأسلحة إلى حماس، ومنع عودة آلاف المسلحين إلى غزة، هذه المطالب تعكس الرغبة الأمنية الإسرائيلية العميقة لعرقلة أي اتفاق مع حماس.
وفي الوقت الذي أثار فيه زعيم المعارضة يائير لابيد تساؤلات حول جدوى طرح مثل هذه المطالب في هذا التوقيت الحرج، يعكس الانقسام الداخلي الحاد في الكيان حول كيفية التعامل مع ملف الأسرى، وفي الوقت نفسه، تستمر التظاهرات ضد نتنياهو في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة، ما يعكس حجم التوترات السياسية والاجتماعية التي يواجهها رئيس الوزراء الصهيوني.
وإن الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء عرقلة نتنياهو لعملية الاتفاق يسلط الضوء على تعقيدات المشهد السياسي والأمني في الكيان، وفي ظل حكومة نتنياهو، يبقى التوصل إلى حل دائم مع حماس وتبادل الأسرى أمراً معقدا، وخاصة في ظل استمرار التوترات الداخلية والخارجية التي تحيط بهذا الملف الحساس، ويبقى السؤال الأهم هو ما إذا كان نتنياهو سيستطيع الاستمرار في نهجه الحالي دون أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة السياسية والأمنية في الكيان.
نهاية سياسية
في ظل الحرب الأخيرة على غزة والعدد الهائل من الضحايا، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديات غير مسبوقة تهدد مستقبله السياسي، فقد أصبح من الواضح أن نتنياهو، رغم محاولاته المستمرة للتمسك بالسلطة، قد وصل إلى نهاية طريقه السياسي، فيما تتزايد الانتقادات الموجهة إليه من مختلف الأطراف، سواء من داخل الكيان أو من الرأي العام العالمي والعربي، بالإضافة إلى القضايا القانونية التي تلاحقه.
ولقد أثارت الحرب الأخيرة على غزة استنكارًا واسعًا من قبل المجتمع الدولي، وتتزايد الدعوات لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسكان المدنيين في غزة، وهذه الانتقادات لم تقتصر على الحكومات بل شملت أيضًا منظمات حقوق الإنسان العالمية، التي أكدت على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطيني.
ومن ناحية أخرى، يتزايد الغضب والاستياء في العالم العربي تجاه سياسات نتنياهو العدوانية، لقد أصبحت غزة رمزًا للمقاومة والصمود في وجه العدوان، فيما يُنظر إلى نتنياهو على أنه رمز للعدوان والظلم، وتستمر التظاهرات والاحتجاجات في مختلف الدول تنديدًا بالسياسات الإسرائيلية، ما يزيد من عزلة الكيان على الصعيد الإقليمي والعالمي.
وخلفت الحرب الأخيرة دمارًا هائلًا في قطاع غزة، حيث تم تدمير البنية التحتية بشكل كبير، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، ثلثي عددهم نساء وأطفال، وتعاني غزة من أزمة إنسانية حادة، حيث تعيش معظم الأسر في ظروف مأساوية دون ماء نظيف أو كهرباء أو خدمات صحية، ويعتبر هذا الدمار بمثابة إبادة بطيئة للشعب الفلسطيني، ما يزيد من حجم الكراهية والعداء تجاه "إسرائيل".
ويؤدي هذا الدمار المستمر إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث يجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين في ظروف لا إنسانية، ويزيد هذا الوضع من الضغط الدولي على الكيان ويدفع بالمزيد من الحكومات والمنظمات إلى المطالبة بإنهاء الحصار ووقف الاعتداءات، ويواجه نتنياهو اتهامات جنائية تتعلق بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، ولقد بدأت محاكمته بالفعل، ويبدو أن الأدلة الموجهة ضده قوية ومقنعة، يحاول نتنياهو التهرب من العدالة واستخدام منصبه السياسي كوسيلة لحماية نفسه من الملاحقة القانونية، لكن يبدو أن ذلك لن يستمر طويلاً.
الخلاصة، لقد أثرت هذه القضايا بشكل كبير على شعبية نتنياهو داخل الكيان، ويتزايد الاستياء بين الإسرائيليين الذين يرون في نتنياهو شخصية فاسدة وغير جديرة بالثقة، وهذا الانخفاض في شعبيته يتزامن مع التظاهرات المستمرة والمطالبات بإقالته ومحاكمته، وفي ظل الانتقادات الدولية والعربية، والدمار الذي خلفته حروبه على غزة، وقضايا الفساد التي تلاحقه، يبدو أن بنيامين نتنياهو قد انتهى سياسيًا، مهما فعل، فإنه لن يتمكن من استعادة ثقة الجمهور أو تحسين صورته على الساحة الدولية، ولقد أصبح واضحًا للجميع أن نتنياهو لم يعد قادرًا على قيادة الكيان، وأن نهاية عهده السياسي قد حانت.