الوقت- أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الـ 29 من نيسان/أبريل الماضي، إعلاناً مفاجئاً أعلن فيه أن الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع معاهدة دفاعية جديدة بين البلدين، وبعد ذلك قال الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي أيضا إنه من المتوقع توقيع اتفاقيات ثنائية بين الجانبين "في المستقبل القريب"، هذه التصريحات جعلت وسائل الإعلام الإقليمية تتدافع للتكهن بالتوقيع الوشيك على الاتفاق وبنوده المحتملة، لكن في الواقع، هناك العديد من المحللين الذين يعتقدون أنه لا يزال من السابق لأوانه الإعلان عن اقتراب الاتفاق من التوقيع، ولا يزال هناك طريق طويل قبل التوصل إلى اتفاق كامل بشأن صفقة كبيرة.
وفي حين يبدو من الواضح أن المفاوضات من وراء الكواليس جارية، إلا أنه لا تزال هناك عقبتان رئيسيتان يجب إزالتهما: أولاً، ما المتوقع أن تطلبه الرياض من الولايات المتحدة، وثانياً، طلب واشنطن المضاد بأن مثل هذا الاتفاق يجب أن يكون مصحوباً بمفاوضات لتطبيع العلاقات السعودية مع الكيان الصهيوني، وفي هذا الصدد، يرى جون ألترمان، رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية (CSIS)، أنه على الرغم من التصريحات الرسمية، فمن غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في الفترة المقبلة.
ماذا تريد الرياض من واشنطن؟
المسألة الأولى والتحدي الأكبر في التوصل إلى اتفاق، تتعلق بالفجوة بين توقعات الطرفين بشأن طبيعة وشكل اتفاق الدفاع الجديد، ولم يتم الإعلان رسميًا حتى الآن عن أي معلومات حول الشكل الذي سيكون عليه هذا الاتفاق العسكري، وفي هذا الصدد، وصف علي بكر، الأستاذ في جامعة قطر والعضو البارز غير المقيم في مجموعة مبادرة أمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، الاتفاق المحتمل مع السعودية بأنه "غامض"، لكن حسب أخبار ومصادر إعلامية غير رسمية وباعتراف محللين سياسيين، تسعى الرياض إلى إلزام واشنطن بالتوقيع على اتفاقية دفاع، تلتزم بموجبها الولايات المتحدة بالدفاع عن وحدة أراضي المملكة العربية السعودية ضد التهديدات، على غرار الاتفاقية الدفاعية، والالتزام المتبادل الوارد في المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي سيكون أجنبيا.
وقال كريستيان ألكسندر، رئيس برنامج الأمن الدولي والإرهاب في مركز الأبحاث والاستشارات Trends Research & Advisory ومقره الإمارات العربية المتحدة: إنه بموجب اتفاقية الدفاع هذه "ستوفر الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية ضمانات أمنية قد تشمل التزامات بالدفاع عن المملكة العربية السعودية"، ويمكن أن يمنح الاتفاق أيضًا المملكة العربية السعودية إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتقدمة التي كانت مقيدة في السابق، وفي الوقت نفسه، فإن إحدى القضايا الصعبة التي أثارها المحللون هي أن الولايات المتحدة ببساطة غير راغبة في التوقيع على اتفاقيات دفاع رسمية مع دولة ثالثة، وهو أمر يصر عليه السعوديون.
وعلى الرغم من التعاون العسكري وحتى الدعم العسكري المكثف من العديد من البلدان، فإن الولايات المتحدة لديها اتفاقيات دفاعية مع عدد صغير، في الواقع، فإن فكرة معاهدة دفاع مكتوبة ليست شيئًا تقبله الولايات المتحدة عادةً بسهولة، إذ تعني أن هناك احتمالاً أن تُجبر الولايات المتحدة على خوض حروب غير ضرورية ويموت الجنود الأمريكيون وفقًا لمتطلبات المعاهدة، وأضاف: "السعوديون يريدون الاقتراب قدر الإمكان من الاتفاق المكتوب للولايات المتحدة للدفاع عن المملكة في ظل ظروف مختلفة، لكن لم يكن من الواضح ما هي تلك الشروط مع الكشف عن القليل من التفاصيل".
ويرى ألكسندر أنه في حين أن مثل هذه الصفقة العسكرية ستتطلب موافقة مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أنها "من المرجح أن تثير مخاوف بعض المشرعين الأمريكيين الذين ينظرون إلى الحكومة السعودية كشريك غير موثوق به، نظرا لسجلها في مجال حقوق الإنسان وتدخلاتها في "الصراع في اليمن"، وإذا لم يوافق الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون على هذه المعاهدة الرسمية، على الرغم من أن البيت الأبيض يمكنه متابعة مسار التنفيذ، فإن هذا ليس شيئًا يمكن أن يؤدي إلى رضا الجانب السعودي، هناك أيضًا تحدٍ آخر لم يتم حله، وهو الجهود الأمريكية لفرض قيود على علاقات الرياض المتوسعة مع بكين وموسكو.
ووفقًا لبلومبرج أيضا، قد يوافق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الحد من التدخل التكنولوجي للصين في بعض القطاعات الأكثر حساسية في الاقتصاد مقابل استثمارات أمريكية كبيرة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وبناء برنامج نووي مدني، ومن أجل الحد من الوجود الصيني المتوسع في الخليج الفارسي وإبعاد دول المنطقة عن المشاركة في مشروع الحزام والطريق العملاق، أمرت الحكومة الأمريكية لفترة طويلة بممر العبور بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المعروف باسم "IMEC". وقد وضعت في العمل وتشمل خطة العبور ممر نقل متعدد الوسائط يربط الساحل الغربي للهند بالإمارات العربية المتحدة عن طريق البحر، ومن ثم طريق السكك الحديدية الذي يمتد من شبه الجزيرة العربية إلى ميناء حيفا في الأراضي المحتلة إلى أوروبا.
التطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية بعيد المنال
لكن العائق الثاني والأكبر أمام التوصل إلى اتفاق أمني شامل هو توقعات واشنطن بالاعتماد على أي اتفاق دفاعي بين البلدين بشأن مسألة تطبيع علاقات السعودية مع الكيان الصهيوني، وأوضح مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جاك سوليفان الأسبوع الماضي أن أي اتفاق مع السعودية يجب أن يشمل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وأن التطبيع جزء لا يتجزأ من الحزمة المقترحة، وجاء هذا التصريح الرسمي للمسؤول الأمني الأمريكي رفيع المستوى بعد أن تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن احتمال وجود مشروع خطة ب، بما في ذلك اتفاقية دفاع ثنائية لا تعتمد على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
إن إصرار البيت الأبيض على ضرورة أن تراهن السعودية على حصان التطبيع الأعرج، في حين طرح السعوديون، على الأقل في مواقفهم المعلنة، شرطا صعبا لقبول التطبيع، والذي "يتضمن إنهاء الصراع في غزة وإنهاء النزاع في الأراضي المحتلة واتخاذ خطوات في اتجاه إنشاء الدولة الفلسطينية"، كما أن القضية التي يعارضها مجلس الوزراء الصهيوني بشدة، وحتى التصويت السلبي للولايات المتحدة على مشروع القرار الخاص بإقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن، أظهرت أيضاً أن واشنطن لديها سياسة مماثلة لسياسة المتطرفين الصهاينة.
كما أن دور "إسرائيل" في مواجهة أي تفوق عسكري إستراتيجي للسعودية، فضلا عن معارضتها الأساسية لوصول الرياض إلى دورة إنتاج الوقود النووي، يشكل عنصرا مهما للغاية ومؤثرا في تحديد آفاق المعاهدة الأمنية الدفاعية الأمريكية مع المملكة العربية السعودية.
لذلك، وبالنظر إلى التحديين الرئيسيين المذكورين على طريق التوصل بسرعة إلى اتفاق دفاعي، يرى أندرياس كريج، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات المخاطر الإستراتيجية مينا أناليتيكا، ومقرها لندن، أن الضجة السياسية والإعلامية الأخيرة هي محاولة من جو بايدن ومسؤولو الإدارة لخلق الكثير من الضجيج حول قصة [ميثاق الدفاع]، فقد أظهرت أنها قريبة من حل أزمة الحرب في غزة وتشكيل الدولة الفلسطينية، وتنظيم وضعها الانتخابي.