الوقت- مرور عامين على مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة يجسّد فشل العدالة وتعثر الجهود الدولية في مواجهة الانتهاكات ضد حرية الصحافة، ويُسلط الأضواء على كيان الاحتلال وعدم رغبته بالاعتراف بجريمته وتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الشنيعة بحقوق الإنسان، وإن تحقيقات الجيش الإسرائيلي التي أشارت إلى أن مقتل أبو عاقلة كان "عن طريق الخطأ" لم تؤدِّ إلى أي إجراءات جنائية ضد الجنود المسؤولين، ما يعكس انعدام الشفافية والمساءلة، ومع تقديم كيان الاحتلال اعتذارًا رسميًا، فإنه لا يمكن اعتبار ذلك بمثابة محاسبة فعلية بل تهربا من الجريمة.
تقويض لدور الصحافة
لا شك أن تقاعس السلطات الأمريكية عن تحمل مسؤولياتها في التحقيق المستقل، هو ما يعزّز انعدام الثقة في الآليات الدولية للعدالة، حيث عليها أن تضع ضغطًا أكبر على كيان الاحتلال للتعاون في التحقيق وضمان تحقيق العدالة، وإن الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد الصحفيين يعزّز من خطر المزيد من الانتهاكات، ويقوّض دور الصحافة كركيزة أساسية في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وعلى هذا الأساس، يعتبر إغلاق مكاتب شبكة الجزيرة في القدس الشرقية تحدياً جديدًا لحرية الصحافة، ويبرز الضغوط السياسية التي تواجهها وسائل الإعلام المستقلة في المنطقة، ومطالبة مراسلون بلا حدود وأفراد العائلة بالعدالة تمثّل نداءً للمجتمع الدولي للوقوف بجانب حرية الصحافة وحقوق الإنسان في فلسطين، وتشدد على ضرورة التحقيقات الشفافة والمستقلة لمثل هذه الجرائم.
ويظهر مقتل شيرين أبو عاقلة كحالة من حالات الظلم الذي يمارسه النظام الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين وضد حرية الصحافة بشكل عام، وعلى المستوى الدولي، يتعين على المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية تمارس تأثيرًا كبيرًا في المنطقة الضغط على كيان الاحتلال لتحقيق العدالة والمحاسبة الكاملة لمن ارتكب هذه الجريمة البشعة.
ومن الضروري أن يتم التأكيد على أهمية حماية حرية الصحافة كحق أساسي في المجتمعات، وضمان عدم الإفلات من العقاب لأولئك الذين يستهدفون الصحفيين ويعتبرونهم هدفًا لأعمال العنف، ويجب أن تقف المجتمعات الدولية بجانب الصحفيين وأسرهم في مثل هذه الحالات، وضمان حصولهم على العدالة التي يستحقونها، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المؤسسات الإعلامية والمنظمات ذات الصلة أن تواصل مطالبتها بالعدالة والتحقيقات الشفافة في هذه الجرائم، وأن تستمر في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الصحافة في المنطقة، وإن استمرار الضغط الدولي والشعبي للمطالبة بالعدالة قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق التغيير المطلوب وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.
وبالتالي، زيادة النفي تؤكد على الوقوف الثابت للعدو الإسرائيلي في مواجهة الحقائق المؤلمة، وتظهر تضليله المتواصل للرأي العام العالمي بشأن جرائمه ضد الصحفيين وحرية الصحافة ناهيك عن جرائمه بحق العزل، فعلى الرغم من البراهين الوافرة التي تشير إلى تورط قوات الاحتلال وعصاباته الصهيونية في مقتل شيرين أبو عاقلة، يصر الجيش الإسرائيلي على نفي المسؤولية وتجنب الحقائق الموثقة.
استمرار سياسة التمويه والتضليل
مقتل الصحفية البارزة أبو عاقلة، الذي تمت تغطيته بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس فظاعة الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الصحافة الحرة ودورها في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، وإن محاولات الجيش الإسرائيلي التبرئة من دم الصحفية ورفض التحقيقات الدولية تعكس استمرار سياسة التمويه والتضليل التي تعتمدها الحكومة الإسرائيلية لتجنب المساءلة الدولية عن انتهاكاتها.
وفي هذا السياق، شاهدنا كذبات استعداد الولايات المتحدة لفتح تحقيق في القضية كنقطة تحول مهمة، حيث يتبين أن هناك ضغوطًا دولية متزايدة لعدم تحقيق العدالة والمحاسبة، وإن حق المواطنة الأمريكية- الفلسطينية شيرين أبو عاقلة يجب أن يكون محورًا للمطالبات بتحقيق شامل ومستقل، وضمان حماية حقوق الصحفيين في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مناطق النزاع والاحتلال.
وتأتي التصرفات الصهيونية في ظل الإبادة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة حاليًا وخاصة في غزة، وذلك بسبب التكتيكات السياسية والعسكرية الخطيرة والمثيرة للجدل لحكومة بنيامين نتنياهو، الذي قام بتعيين شخصيات يمينية متطرفة في مناصب حساسة لإبادة الشعب الفلسطيني، بما في ذلك في الجيش والأمن الداخلي، وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي أكد أن كيان الاحتلال لن يتعاون مع أي تحقيق خارجي، وأنه يثق في التحقيق –الخادع- الذي أجرته وتقدمت به السلطات الإسرائيلية ولم يقنع الإسرائيليين أنفسهم.
ومع ذلك، فإن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية فتح تحقيق في القضية تظل محل شك، وخاصة في ظل الجهود المستمرة لتهدئة الوضع تجاه تل أبيب وعدم إثارة الاضطرابات ضدها أكثر في المنطقة، وعلى الرغم من علم الولايات المتحدة بأن "إسرائيل" هي المسؤولة الوحيدة عن مقتل شيرين أبو عاقلة، إلا أنها أظهرت استعدادًا كاذبا لفتح التحقيقات، ما يثير تساؤلات حول خطورة تلك الدوافع وتأثيرها المحتمل على تمويه تشويه الحقائق والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والكيان.
وفي هذا السياق، يظهر تفاقم العداء الفلسطيني للسياسات الأمريكية، وخاصة تجاه الرئيس جو بايدن، الذي اتهمته الأطراف الفلسطينية بالمحاباة لـ"إسرائيل" والسعي إلى تبرئتها من مسؤولية مقتل الصحفية الفلسطينية - الأمريكية، وهذا يبرز الانتقادات المستمرة للموقف الأمريكي وتأثيره السلبي المحتمل على العلاقات الإقليمية والدولية، حيث يُظهر التهرب الإسرائيلي من أي تحقيق، والذي ينتج عنه عدم تحمّل المسؤولية، اعترافًا صريحًا بجريمة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وإن هذا التهرب يُجدّد التذكير بالتاريخ الدموي للاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، الذي بني على دماء الأبرياء والدعم السخي من الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويبرز هذا التهرب من التحقيقات ومحاولة إعاقتها وتجاوز القرارات الدولية المُدانة للاحتلال، الرغبة الإسرائيلية في تبرئة الجناة وحماية مصالحها.
في النهاية، تظهر قذارة سياسة قادة كيان الاحتلال تجاه التحقيقات الدولية في جرائمهم المرتكبة، بما في ذلك إعدام أبو عاقلة الميداني، والاعتقاد الثابت بأن قواتهم تقف وراء كل الجرائم الدموية، ومع ذلك، فإن التصرفات الإسرائيلية تظهر أيضًا قناعتهم الثابتة بأن المحاسبة على أفعالهم قد تكون سلبية على مستقبلهم الإجرامي الذي يعتمد على "الحكم العسكري"، ولا شك أن ضرورة محاسبة الجناة المسؤولين عن مقتل شيرين أبو عاقلة تزداد أهمية بشكل لا يمكن إغفاله، وخاصة في ظل الحرب الدائرة على قطاع غزة والكارثة الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون، بعد أن تسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل وإصابة العديد من الأبرياء، ويجب ألا تمر جريمة قتل الصحفية شيرين دون محاسبة، ويجب أن يكون هناك التزام دولي قوي بتحقيق العدالة لشيرين أبو عاقلة وجميع الضحايا الأبرياء الآخرين للحرب على غزة، ويجب أن تكون هذه الجهود جزءًا من مساعٍ أوسع للمحاسبة عبر تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.