الوقت- تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إجرامها بالإبادة الجماعية في غزة، وترفض وقف إطلاق النار، وتعمل على أن تكون غزة غير صالحة للعيش بالتدمير والتهجير، ومَن يحالفه الحظ يبقى حيًا، لكن الحراك القانوني يحاول أن ينصر الدم الفلسطيني بشتى الوسائل بالتزامن مع تصاعد الدعوات الدولية من زعماء دول ومنظمات ومحامين لمحاكمة كيان الاحتلال الإسرائيلي ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة عدوان، ضد سكان قطاع غزة.
حراك قانوني
جاء آخر الحراك القانوني قيام محامين هولنديين بتقديم طلب إلى المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، ومن وسط الظلام الأمريكي ارتفع صوت النائبة الديمقراطية في الكونغرس رشيدة طالب، مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالإسراع في اعتقال المسؤولين الإسرائيليين بعد التوغل الإسرائيلي في رفح الفلسطينية، وقالت رشيدة طالب وهي الفلسطينية الأمريكية الوحيدة في الكونجرس، إنه مع التوغل المستمر في مدينة رفح الجنوبية، لا يوجد مكان آمن للفلسطينيين في غزة، موضحة أن نتنياهو سيبقى في منصبه طالما استمر الصراع، وفقا لصحيفة ذا هيل، وأضافت: أحث المحكمة الجنائية الدولية على إصدار أوامر اعتقال سريعة بحق نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين لمحاسبتهم أخيرًا على هذه الإبادة الجماعية، كما تبرره هذه الانتهاكات الموثقة جيدًا لاتفاقية الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي .
وقالت: “لقد أصبح من الواضح الآن أكثر من أي وقت مضى أنه يجب علينا إنهاء كل التمويل العسكري الأمريكي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ومطالبة الرئيس جو بايدن بتيسير وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتضمن انسحابًا كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن”.
لكن هنا يبرز السؤال الأهم، هل سيتمكن المجتمع الدولي ومحاكمه من تنفيذ القانون وتحدي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والضغط على المحكمة الجنائية الدولية لإحالة نتنياهو وقادة جيشه للمحاكمة الدولية بأسرع ما يمكن، لوقف مجازرهم في غزة بعد هذا الكم الكبير من الإجرام الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا!
وهل تمتلك المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، استقلالية عن ضغوط الدول الغربية المهيمنة عليها، وخاصة من ناحية التمويل، تمكنها من إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين المعنيين بجرائم الحرب في غزة؟
النفوذ الغربي والحراك المعاكس
ورغم أن الحياة السياسية لنتنياهو قد انتهت وأن مساوئ وجوده في الساحة السياسية الإسرائيلية أكثر من فوائده للحلفاء الغربيين، إلا أنه إذا صدرت مذكرة اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار، بمن فيهم نتنياهو، فإن ذلك سيكون حدثا كبيرا بالنسبة للمحكمة الجنائية نفسها، وللشعب الفلسطيني أو "إسرائيل" أو حلفاء "إسرائيل"، لكن الجهود جارية لمنع صدور الحكم من خلال الضغط على المحكمة، أو في الوقت نفسه، لإصدار حكم ضد مسؤولي حماس.
على سبيل المثال، حذر أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس الأمريكي محكمة الجنايات الدولية في لاهاي من أمر الاعتقال الصادر بحق كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في "إسرائيل"، كما تقدم بعض النواب الجمهوريين والديمقراطيين بمقترحات لعرضها على مجلس النواب ومجلس الشيوخ لمعاقبة مسؤولي محكمة لاهاي الجنائية.
نقل موقع أكسيوس عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مايكل ماكول، أن الأعضاء الجمهوريين بالمجلس يعدون تشريعا احترازيا لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، إذا أصدروا أوامر لاعتقال مسؤولين إسرائيليين.
وقال ماكول لأكسيوس إنه مع عدد من مشرعي الحزب الجمهوري تواصلوا مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لتأكيد أن المضي في إصدار أوامر اعتقال لمسؤولين إسرائيليين "سيدمر العلاقات"، وأضاف "لسنا واثقين إن كان إصدار أوامر الاعتقال وشيكا لكنه إجراء احترازي ليعلموا (المحكمة الجنائية الدولية) أنهم إذا فعلوا ذلك فإن لدينا هذا التشريع جاهز"، وتابع إنهم لن يطرحوا التشريع الاحترازي للتصويت إلا إذا اضطروا لذلك.
مفارقة
ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة الجنائية الدولية طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد انضمام دولة فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة.
لكن المفارقة أنه رغم كل المعلومات والملفات والدعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم حكومة الاحتلال الصهيوني التي تم ارتكابها خلال حروبها الأخيرة على قطاع غزة، إلا أن المحكمة لم تدن الكيان الغاصب، بل لم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي مسؤول إسرائيلي بمن فيهم نتنياهو.
بينما لم يتطلب إصدار "الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقود ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، سوى أسبوعين، بعد أن تقدمت 39 دولة أعضاء في المحكمة بطلب التحقيق في الجرائم المرتكبة داخل أوكرانيا.
وهذا ما يجعل الكثير من المراقبين يشككون ويتساءلون عن مدى قدرة المحكمة على إصدار مذكرات الاعتقال و المحاكمة بحق مسؤولي الكيان بتهم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، والتي ترتكب على مرأى ومسمع من العالم، وموثقة بالصوت والصورة والشهود بل باعتراف الجناة أحيانا وافتخارهم بجرائمهم أحيانا أخرى.
ترهيب المحكمة
طالب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتوقف عما وصفه بترهيب العاملين في المحكمة، قائلا إن مثل هذه التهديدات قد تشكل جريمة بحق المحكمة المختصة بجرائم الحرب.
وقال المكتب في بيان نشره على موقع إكس إن كل محاولات عرقلة عمل الموظفين أو ترهيبهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق لا بد أن تتوقف فورا، مشيرا إلى أن نظام روما الأساسي، الذي يحدد هيكل المحكمة ومجالات اختصاصها، يمنع هذه التصرفات.
فيما حرض كيان الاحتلال الإسرائيلي عدة دول أعضاء بوقف التمويل أو تقليصه عن الجنائية الدولية، وعلى رأسها ألمانيا واليابان، وليس من المؤكد مدى استجابة هذه الدول للضغوط الإسرائيلية، لكن المحكمة لم تصدر طوال السنوات الثلاثة الأخيرة أي مذكرة توقيف في حق أي من قادة "إسرائيل" المتهمين بارتكاب أي من الجرائم ذات الاختصاص، و لكن الرأي العام العالمي يتطلع اليوم لجدية المحكمة في إصدار مذكرات الاعتقال التي طال انتظارها !!