الوقت- منذ بدء عملية طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، اتخذت معظم الدول العربية، وخاصة الأنظمة المالكة، موقف اللامبالاة تجاه جرائم الكيان الصهيوني وما يرتكبه من قتل ودمار غير مسبوق في قطاع غزة، وفي هذه الأثناء، لم تكن المملكة الأردنية، في سلسلة من الإجراءات المفاجئة، غير مبالية، بل وقفت كحليف إلى جانب الكيان الصهيوني.
وبينما قطاع غزة تحت الحصار الكامل والمجاعة مستعرة هناك، وافق الأردن على إنشاء خط أرضي من دبي والجزيرة العربية لتوصيل الغذاء إلى "إسرائيل" عبر الأردن، هذه المساعدات الأردنية لـ"إسرائيل" هي على ما يبدو مجانية ولا يتم تقديم أي ثمن أو امتياز للأردن لأن الجيش الصهيوني دمر المستشفى الأردني مع مستشفيات أخرى في قطاع غزة، وأيضا عندما قام الأردن بنقل بعض المساعدات الغذائية بعد إسقاطها من الجو على قطاع غزة، منع الجيش الصهيوني وصول هذه المساعدات إلى سكان غزة.
خلال عملية "الوعد الصادق" والهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة من إيران على الكيان الصهيوني، وبينما حذرت الدول الأخرى من أن تكون أجواؤها ملعبا للصواريخ بين إيران و"إسرائيل" قبل هذا الهجوم، لكن الأردن قام من خلال سلاح الجو بمنع مرور الصواريخ الإيرانية، وأعلن بفخر أنه أسقط أربع أو خمس طائرات مسيرة إيرانية مرة في أجوائه، وفي غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن الأردن لن يكون أبداً مسرحاً لأي صراع إقليمي.
والحقيقة أنه منذ توقيع اتفاقية سلام وادي عربة بين الأردن و"إسرائيل" عام 1994، أصبح الأردن مقيداً في اتخاذ القرار وأصبحت جميع مرافقه مخدومة بالكامل بسياسات وأهداف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وبعد عام 2011، أثناء المؤامرة الكبرى على سوريا بهدف الإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد وتقسيم هذا البلد، تم تنفيذ معظم أجزاء هذه المؤامرة في غرفة عمليات موك شمال الأردن مع ضباط أمن تابعين للكيان، وتم التخطيط والتنفيذ من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل" والأردن وبعض الدول العربية.
وأهم قاعدة أمريكية في المنطقة للتعامل مع محور المقاومة، قاعدة "التنف" الواقعة على الحدود المشتركة بين الأردن وسوريا والعراق، وتحظى بدعم الأردن أيضاً، ولا يزال الأردن يلعب دوراً في الاضطرابات التي تشهدها جنوب سوريا في في منطقة "درعا"، وأثناء القتال بين الجيش السوري والقوات المتحالفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تم إرسال جرحى تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق الأردن إلى المستشفيات الإسرائيلية لتلقي العلاج.
وفي مقابل هذه الخدمات يعتمد الأردن على المساعدات المالية الأمريكية لأن هذا البلد لا يملك مصادر دخل مهمة، ولعل مصدر دخله الوحيد هو من خلال السياحة، ودخل قليل من العبور من ميناء العقبة، وهو بطبيعة الحال لا يكفي لإدارة البلاد، لكن يبدو الآن أن القضية الأهم التي تواجه الأردن هي قضية الوجود.
في الأساس، كان تشكيل دولة أطلق عليها البريطانيون اسم الأردن عام 1949 بعد انهيار الدولة العثمانية، لمملكة الأمير عبد الله، أحد أبناء الشريف الحسين بن علي شريف الحجاز، لسبب أن هذه الدولة ستكون حاجزًا بين "إسرائيل" ودولتي سوريا والعراق، ويشترك الأردن مع فلسطين المحتلة في حدود يبلغ طولها 335 كيلومترا، والسيطرة على هذه الحدود ومنع المقاومة من اختراق الكيان الصهيوني مهمة صعبة، 60% من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، و42% منهم يحملون شهادات ميلاد أردنية.
وبعد قيام دولة "إسرائيل" الغاصبة، أُعطيت الضفة الغربية لنهر الأردن، والتي تعتبر جزءاً مهماً من فلسطين، إلى المملكة الأردنية، كما أُسندت مسؤولية الأوقاف الإسلامية إلى هذه المملكة عندما احتل الجيش الصهيوني الضفة الغربية في حرب حزيران/يونيو 1967، ولذلك نفذت المقاومة الفلسطينية عمليات مهمة من الأراضي الأردنية ضد كيان الاحتلال، وكانت ذروتها معركة الكرامة في آذار/مارس 1968، حيث تلقى كيان الاحتلال ضربة موجعة.
لكن في أيلول/سبتمبر 1970 أنهى الجيش الأردني وجود المقاومة خلال اشتباكات واسعة، وبعدها تم نقل تنظيمات المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان.
لكن في الوضع الحالي، ومع تقدم الأسلحة العسكرية، وبينما تستهدف المقاومة الإسلامية في العراق ميناء حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط وميناء إيلات على خليج العقبة بطائرات مسيرة وصواريخ، فإن الأردن يقوم بواجبه كدولة مستقلة، وفي هذا الوضع، فإن الكيان الصهيوني، الذي لم يوافق قط على تنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338 القائمين على الانسحاب من الأراضي المحتلة، بما فيها الضفة الغربية، له وجهة نظر مختلفة تجاه الأردن، وهي نقل سكان الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، يعني إلى الأردن.
الافتتاحية الأولى تحدث فيها أرييل شارون عن خطة اسمها الترانسفير وأنه لن يكون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط دولة إلا "إسرائيل" ودولة فلسطين تقع في الأردن، ولا يزال هذا المشروع قائما وهناك مؤشرات كثيرة على أن الكيان الصهيوني لا يزال يخطط لنقل السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن وسكان قطاع غزة إلى مصر، وفي هذه الحالة ليس من الواضح ما هو مصير الأردن في المستقبل.
تظهر التقارير الواردة من الأردن هذه الأيام أن الداخل في هذا البلد ملتهب للغاية وهناك مظاهرات واسعة النطاق دعما لمقاومة غزة وضد الكيان الصهيوني، في حين تحاول الحكومة الأردنية احتواءها.