الوقت- في الوقت الذي يتفنن جيش الاحتلال الإسرائيلي النازي في إجرامه بحق فلسطين وأهلها أثبتت نساء غزة الصامدات رغم حجم الألم الكبير للعالم كله أن الصمود أقوى من جيوش وطائرات وصواريخ العالم وأن جيوش العرب ما كانت يوماً إلا للاستعراض.
واليوم لكل امرأة في غزة بدل الحكاية حكايات مع إجرام المحتل الإسرائيلي وفظاعاته غير المسبوقة في تاريخ الإنسانية الحديث .. ومع طلوع فجر كل يوم جديد تتجدد المعاناة ولكن وقعها غالبا ما يتجاوز ما حدث الليلة السابقة، من المؤكد أن التاريخ سيذكر أن في غزة نساء من طينة لا تشبه طينة بقية نساء العالم وسيذكر التاريخ أن ما تحمله نساء غزة في ذاكرتهن أثقل من كل المآسي التي يتابع أطوارها العالم مباشرة خلف الشاشات.
شهادات مروعة
ما سنرويه هنا ليس أحداثا من فيلم دموي أبطاله عصابة من المافيا والمرتزقة كما يبدو للوهلة الأولى، بل إنها مشاهد واقعية عايشتها نساء غزة مع جيش "مجرم لا يمت للأخلاق بصلة"، كما روت بعضهن.
في بيت حانون لم يختلف الإجرام الصهيوني كثيراً حسب ما قال مواطنون فلسطينيون، نجحوا في النزوح من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، حيث إن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل مواطنين واعتدى على نساء وأطلق النار على النازحين داخل مدارس الإيواء، وقام جيش الاحتلال بإنشاء مركز تحقيق ميداني خلف المدرسة التي يتواجد فيها مئات النازحين وطلب من الجميع الخروج تحت تهديد السلاح، وأُجبرت النساء على خلع الحجاب، وتم تجريد الرجال من الملابس الخارجية.
للإجرام بقية
تقول الفلسطينية إسراء "اقتحموا شقق البرج بعدما فجروا الأبواب، جردوا الرجال من ملابسهم وعزلوهم، أنزلونا للأسفل خلعوا حجاب كثيرات منا، وضربونا بأسلحتهم على ظهورنا، وانهالوا علينا بالشتائم"، ونُقلت السيدات إلى الصالة المقابلة لباب المنزل الرئيس، وفتحه الجنود على مصرعيه وقتلوا 20 رجلا، حيث بدؤوا بإعدامهم واحدا تلو الآخر، إما رصاصة في الرأس أو القلب، كل رصاصة اخترقت جسدا واحدا، لكنها كسرت قلوب نساء في الجهة المقابلة، بعد ذلك أمر جيش الاحتلال نساء العائلة بالتجمع في الغرفة الغربية، ثم أطلقوا قذائف من دباباتهم بشكل مباشر عليهن، ولم يتوقف قصف المنزل بالقذائف حتى الفجر الذي انسحبت معه الآليات من الحي، و ظلت النساء ينزفن حتى وقت الانسحاب، ورغم تواصلهن مع الصليب الأحمر لإجلاء المصابات، فإنه لم يستجب إليهن، معللا ذلك بأنه "لا مساحة لنا للعمل شمال وادي غزة".
كان الخروج من الشقة إلى المستشفى يحتم على النساء المرور من فوق جثامين المعدومين المكدسة، وكان العبور كما وصفنه "انسلاخ للروح من الجسد" وعندما وقع نظر إسراء على جسدي أبيها وأخيها لم تفكر في شيء سوى بالبحث عن أغطية تستر بها أجسادهم المكشوفة.
فصل آخر من الإجرام
تروي إسراء فصلا أخيرا من التنكيل عاشته ابنة عمها التي أخرجها الجيش بعدما كانت في أول طابق اقتحمه الجنود، حيث أجبروها على الولوج في طريق "آمن" ومن ورائها دبابة، وجنود مدججون بالسلاح على جانبيها، وبعد تقدمها أمتارا قليلة عنهم أطلقوا عليها 5 رصاصات طرحتها أرضا وطفلها الذي كان بصحبتها "من شدة الألم لم تكن قادرة على مناداة أحد، ومن شدة الخوف من الكلاب المحيطة بها فقدت الوعي هي وابنها الصغير".
ومع حلول الظلام ونزف الجسد وقهر القلب على ابنها الأكبر الذي تركته بيد الجنود، وهم يرسمون على ظهره بالسكين تارة، ويحلقون بها شعره تارة أخرى، وجدت مريم يد العون تمتد إليها على هيئة حبل سميك سحبها فيه أحدهم مع ابنها، لتستيقظ على خبر إحراق الجيش لجثماني والد ووالدة زوجها في متجر الملابس الخاص بهما، وكانا قد نزحا إليه باعتباره في منطقة آمنة.
كل الطرق تقود إلى الموت المحتم
كل الطرق التي تصفها إسرائيل بـ"الآمنة "هي الأخطر على الإطلاق، وجلها يقود إلى "الموت المحقق" كما يصفها الفلسطينيون، فمن الطريق الآمن أيضا اعتقل الجنود الشابة أسيل أبو زايدة "19 عاما" أثناء نزوحها مع عائلتها من مدينة غزة لجنوب القطاع بعد تعرض بيتها للدمار، واستشهاد أخيها.
تقول أسيل للجزيرة نت "نادوا على اسمي، ووضعوني في معسكر مع مجموعة من المعتقلات، سرقوا ما بحوزتنا من أموال وخلعوا حجابنا، كبلوا أيدينا وعصبوا أعيننا إلى أن نقلونا إلى مركز توقيف "عناتوت" في مدينة القدس، لكن لم يبدأ العذاب هناك، ولم تكن محطته الأخيرة سجن "الدامون"، فالطريق بينهما كانت مكتظة بالعذابات والتنكيل، وتصف أسيل ليلة الاعتقال الأولى التي كانت الأقسى على الإطلاق "أمرونا بالمشي حفاة على حصى قاسية وباردة، ثم أجبرونا على النوم عليها مكبلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين".
قتل متعمد لنساء وأطفال غزة
نساء غزة من مختلف الأجيال منذ قيام كيان الاحتلال الغاصب على أرض فلسطين كنّ هدفا معلنا للاحتلال الذي يعتبر أنهن في مقدمة المخاطر التي يجب إزالتها كيف لا وهن عنوان البقاء والاستمرار و التوالد و التكاثر و لكن ايضا عنوان التحدي والصمود والتمسك بالأرض رغم المحرقة التي لا تستثني شيئا.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير أممية إلى أن نساء وفتيات فلسطينيات قد أُعدمن تعسفيًا في غزة مع أفراد أُسرهن وأطفالهن، وأقر خبراء في الأمم المتحدة بأن النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات تعرضن لأشكال عدة من الاعتداء الجنسي مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور، وأعرب خبراء في الأمم المتحدة بورود معلومات تفيد باستهداف متعمد وقتل خارج نطاق القضاء للنساء والأطفال في الأماكن التي لجؤوا إليها أو حتى أثناء فرارهم.
جاء ذلك في بيان مشترك حمل توقيع مقرري الأمم المتحدة، وأضافوا: "تفيد التقارير بأن إعدامات تعسفية تعرضت لها النساء والفتيات في غزة، غالبًا مع أفراد أسرهن، كما تؤكد أن النساء والفتيات الفلسطينيات يتم استهدافهن عمدًا وإعدامهن خارج نطاق القضاء في أماكن اللجوء أو أثناء فرارهن، وحسب ما ورد كان بعضهن يرفعن أعلامًا بيضاء عندما قُتلن على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي أو القوات التابعة له".
ختام القول
لا مبالغة بالقول إن المرأة الفلسطينية هي الضحية الأبرز في حرب الإبادة الصهيونية، وتدفع ضريبة كبيرة، وما تلك إلا حكايات لم تكتمل فصولها بعد، وثمة أخرى ستروى في حرب لا اعتبار فيها لجنس، ولا شفاعة فيها لنساء عشن ما يشبه القيامة.