الوقت - وصل التصعيد السياسي والإعلامي بين الجزائر والمغرب الأسبوع الماضي مستوى جديداً بعد الإعلان عن افتتاح مكتب لما سميت جمهورية الريف المغربية، في العاصمة الجزائرية.
قرار يقول البعض إنه جاء للرد، ولو بشكل متأخر، عن تصريحات مغربية عديدة حول تأييد المغرب لحق تقرير مصير «الشعب القبائلي» في الجزائر، تمت في الأمم المتحدة، وفي منابر سياسية دولية متنوعة، من قبل ممثلين رسميين للدولة المغربية، منذ سنوات خلت على ما اعتبروه في حينها ردا على الموقف الجزائري المؤيد للصحراويين.
كما يتشابه المغرب والجزائر بشكل يندر أن يتكرر بين بلدين جارين على مستوى العالم، ولكن رغم ذلك فإن التوتر بينهما يعود لعقود طويلة، وقد شهدت العلاقات بينهما تدهوراً جديداً مؤخراً، فما هي جذور التوتر بين المغرب والجزائر، وتداعياته على منطقة الشمال الإفريقي برمتها؟
نادراً ما كانت العلاقات بين الحكومتين الجزائرية والمغربية ودية، وهذا بسبب الطبيعة المختلفة لكفاحهما ضد الاستعمار، والنظامين السياسيين المختلفين، والتوجهات الأيديولوجية المتعارضة.
وفي جديد خلافاتهما دانت الجزائر بأشد العبارات "مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب"، مؤكدة أن الحكومة الجزائرية "سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة".
وجاء في بيان لوزارة الخارجية: "لقد دخلت المملكة المغربية في مرحلة تصعيد جديدة في تصرفاتها الاستفزازية تجاه الجزائر، وقد تجلت هذه الاستفزازات الجديدة مؤخرا من خلال مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب".
ووفقا للبيان فإن الجزائر تعتبر أن ذلك "يشكل انتهاكا جسيما لاحترام وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية لدول ذات سيادة الذي تكرسه القوانين والأعراف الدولية"، مشيرا إلى أن "المشروع المغربي، الذي يتنافى مع الممارسات الدولية المتحضرة، ينحرف بشكل خطير عن التزامات اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية، التي تفرض عليها احترام وحماية السفارات المتواجدة على ترابها مهما كانت الظروف".
وأكد البيان أن "الجزائر تدين بأشد العبارات عملية السلب الموصوفة هذه، كما أنها تندد بقوة باللاشرعية وعدم التطابق مع الواجبات التي تتحملها كل دولة عضو في المجتمع الدولي بكل صرامة ومسؤولية".
وخلص البيان إلى أن "الحكومة الجزائرية سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة، كما سيتم اللجوء إلى كل السبل والوسائل القانونية المتاحة، ولا سيما في إطار الأمم المتحدة من أجل ضمان احترام مصالحها".
وفي هذا الصدد، أبرزت الخارجية الجزائرية أن “المشروع المغربي، الذي يتنافى مع الممارسات الدولية المتحضرة، يتعدى بشكل جسيم على الالتزامات المنبثقة عن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، والتي تفرض على المغرب احترام وحماية السفارات المتواجدة على أراضيه في كل الأوقات وتحت جميع الظروف”.
وتوعدت الحكومة الجزائرية بالرد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة، وذكرت أنها “ستلجأ إلى كل السبل والطرق القانونية المتاحة، ولا سيما في إطار الأمم المتحدة، بغرض ضمان احترام مصالحها”.
يذكر بأن الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في آب 2021، منددة بسلسلة من “الأعمال العدائية” من قبل جارتها، ولا سيما في ما يتعلق بالصحراء الغربية والتطبيع مع "إسرائيل".
بدورها قررت الحكومة المغربية، وباقتراح واستشارة من وزارتي الاقتصاد والمالية والداخلية، انتزاع عدد من العقارات والأراضي المملوكة للجمهورية الجزائرية بالعاصمة الإدارية الرباط قصد المنفعة العامة لاستغلالها في توسيع المقرات الخدماتية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية .
وحسب هذه المعلومات، تقرر إفراغ عقار بمساحة 619 مترا مربعا، ومساحة أخرى بمساحة 630 مترا مربعا تضم مسكنا من طابقين ومكاتب في الطابق الأرضي، فضلا عن فيلا بمساحة 491 مترا مربعا.
يذكر أن "الجريدة الرسمية المغربية" أفادت بأن الحكومة المغربية نزعت ملكية العديد من العقارات والأراضي، بعضها تابع للدولة الجزائرية في الرباط، لتوسعة مبان إدارية لمصلحة وزارة الخارجية.
فيما أفاد موقع “مغرب إنتليجنس” الجمعة بأن الحكومة المغربية قررت “مصادرة العديد من العقارات والأراضي التابعة للدولة الجزائرية” في العاصمة المغربية “لأغراض توسيع مبان خدمية تابعة لوزارة الشؤون الخارجية بالرباط”.
ولم تصدر الرباط أي إعلان رسمي حول هذا الموضوع ولم يتسن لوكالة فرانس برس الحصول على تعليق من الخارجية المغربية.
ويرى محللون أن كلا البلدين ضحى بالنمو الاقتصادي نظير عداوة مدمرة، إذ إن كلا البلدين غني بالموارد الطبيعية الاستراتيجية، والجزائر تتميز بنفطها الخام والغاز الطبيعي، وإن المستوى المعيشي لسكان البلدين الذين يبلغ عدد سكانهما سكان ألمانيا، سيتحسن كثيرًا لو وجدا سبلًا للتعاون.
وفقًا لبيانات من صندوق النقد الدولي، فإن المغرب والجزائر من أفقر دول العالم إذ تأتي المغرب في المرتبة 125 والجزائر في المرتبة 109 وكل جوانب التعاون باءت بالفشل، وما تبقى من آمال في هذا الملف، يواجه منذ فترة خطر الإنهاء والإغلاق للمجال الجوي أمام حركة الطيران المغربية، إلى جانب إغلاق خط أنابيب جزائري يمر بالأراضي المغربية.
تشهد العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب منذ استقلال البلدين تجاذبات لا تنتهي، على خلفية قضية الصحراء الغربية تحديدا، حيث وصلت لدرجة القطيعة الدبلوماسية وإغلاق الحدود، لكن هذه العلاقات تعرف أيضا محطات تصالح وانفراج وتقارب ثقافي بين الشعبين الجارين.
وكانت علاقتهما المضطربة عائقاً أمام تكامل المنطقة، فقد أسست الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس "اتحاد المغرب العربي" في عام 1989، لكنَّ الاتحاد أصبح في حالة احتضار منذ عام 1996 بسبب التوترات المستمرة في العلاقات المغربية الجزائرية.
وربما تكون التباينات في السنوات الأخيرة أكثر أهمية بكثير، ويمكن أن تهدد استقرار منطقة شمال إفريقيا بأكملها.
وتشكل قضية الصحراء الغربية محور الخلاف الرئيسي بين البلدين، إذ يتهم المغرب الجزائر بعدم الحياد في القضية ووقوفها إلى جانب جبهة البوليساريو، في حين تشدد الجزائر على أنها مجرد ملاحظ في الملف المعتمد من طرف الأمم المتحدة.