الوقت- يجري الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لقاءً مع نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال هذا الأسبوع في أول زيارة رسمية تقام بينهما إلى مصر منذ اثنتي عشرة سنة، تأتي هذه الزيارة في ظل اهتمام واسع من الرأي العام في البلدين بشأن أهدافها، في ظل التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط نتيجة للأحداث الجارية في قطاع غزة، ويعتبر تعزيز عملية التطبيع في العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا أحد أهم أهداف هذه الزيارة، ومن المتوقع أن تشهد المباحثات التي ستجري خلال الزيارة خطوات لزيادة حجم التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية والتجارة بين البلدين، وتُعد الزيارة المقررة في الرابع عشر من الشهر الحالي للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى مصر ذات أهمية بالغة، حيث تمثل أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ أحد عشر عامًا، آخر زيارة لرئيس تركي إلى مصر كانت في السابع من فبراير/شباط عام 2013، وكان ذلك خلال فترة رئاسة الرئيس السابق عبد الله جول.
أهداف زيارة الرئيس التركي
زار أردوغان القاهرة آخر مرة خلال فترة ولايته كرئيس للوزراء في نوفمبر 2012 للقاء الرئيس المصري آنذاك، محمد مرسي، وتضمنت أهداف زيارة أردوغان إلى مصر مناقشة من يُبادر بأول زيارة بعد استعادة العلاقات بين البلدين، وبعد رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتعيين سفراء متبادلين، كان هناك توقع بزيارة الرئيس المصري السيسي لتركيا في يوليو 2023، إلا أن الزيارة لم تتم، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات عامة حول أي اتفاقات ملموسة أو خطوات محددة في إطار الزيارة المقررة، إلا أن أنقرة ترى أن استمرار عملية التطبيع من خلال زيارة رسمية عالية المستوى يعد أمرًا بالغ الأهمية.
هناك احتمال بأن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان المقبل، وأن تتمكن تركيا من تحمل دور نشط في مرحلة ما بعد النزاعات المحتملة، وتعتبر مصر ذات أهمية حيوية لأنقرة في تحقيق هذه الأهداف، وفي بيان للخارجية التركية حول الزيارة، أكدت أن المفاوضات في القاهرة ستتركز على خطوات تعزيز العلاقات التركية المصرية وإحياء آليات التعاون الثنائي على أعلى المستويات، وسيتم تبادل وجهات النظر حول الوضع في قطاع غزة.
وفقًا للمعلومات، تهدف تركيا من خلال الزيارة إلى زيادة حجم التجارة مع مصر، الذي يُعتبر أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، إلى 15 مليار دولار وتوسيع الاستثمارات التركية في مصر، وقد أشار السفير التركي المتقاعد، شفق جوكتورك، الذي شغل منصب سفير تركيا لدى القاهرة في الفترة بين عامي 2005 و2009، إلى عدم توقعه لنتائج ملموسة من الزيارة، حيث استمرت التجارة بين البلدين لسنوات عديدة على الرغم من تدهور العلاقات السياسية، وفي حال تقدمت المفاوضات بشكل جيد، قد تسمح مصر بإقامة المستشفى الميداني الذي ترغب تركيا في إقامته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
من ناحية ثانية، إن أردوغان كان من المتوقع أن يزور معبر رفح نهاية يناير الماضي، إلا أن الأخبار الأخيرة حول العملية العسكرية المحتملة في رفح تثير مخاوف الجانب المصري، وتضم رفح الفلسطينية حاليًا أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني نزحوا إليها بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقد حذرت المنظمات الإنسانية من أن تقدم "إسرائيل" في رفح قد يؤدي إلى إبادة جماعية في المنطقة، حيث يعيش أكثر من مليون شخص محاصرين، وتشير تلك المنظمات إلى أن المساعدات الإنسانية في خطر الانهيار، وفي هذا السياق، يعتبر الأثر الإيجابي الأكبر لتطبيع العلاقات مع مصر هو في تيسير إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإجلاء الجرحى والمواطنين.
في الوقت نفسه، إن شراء مصر للطائرات دون طيار من تركيا يأتي في إطار جهود عملية التطبيع بين البلدين، ومن المقرر أن يتم التعاون في مجال الصناعات الدفاعية وعملية بيع الطائرات دون طيار، كما يُتوقع أن تشمل اجتماعات الرئيس أردوغان قضية موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وخاصة أن مصر تعتبر دولة رئيسية في المنطقة وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، ولا شك أن تعاون مصر مع دول أخرى على سواحل شرق البحر الأبيض المتوسط قد أدى إلى عزل تركيا لفترة من الزمن.
وتركز محادثات القاهرة، وفقًا للرئاسة التركية، على "الخطوات الممكن اتخاذها في إطار تطوير العلاقات بين تركيا ومصر، وتنشيط آليات التعاون الثنائي رفيعة المستوى"، ومن المقرر أن تشمل أجندة أعمال الزيارة "تبادل وجهات النظر بشأن القضايا العالمية والإقليمية الراهنة، وخصوصاً الهجمات الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة".
علاقات دبلوماسية متحسنة
بعد رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء في يوليو الماضي، والتقارب بينهما في السنوات الأخيرة، يأتي هذا اللقاء في توقيت مهم للمنطقة، وهذه الزيارة ستكون "نقطة مهمة" في مسار العلاقات بين البلدين بعد فترة التوقف الطويلة، وتتسق الزيارة، مع التغيرات الجذرية في السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة، حيث تعزز الشراكة التركية - العربية مع الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما أن زيارة إردوغان إلى القاهرة تحظى بدعم وتأييد من مختلف التيارات السياسية ووسائل الإعلام، حتى المعارضة لسياسات الرئيس.
وبالتالي، إن وصول الرئيس التركي للقاهرة سيؤدي لـ"كسر حاجز من الجمود" تراكم في السنوات الماضية، وهو الأمر الذي سيدفع العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الأمام على مختلف الأصعدة، كما أن الزيارة تأتي استكمالًا لنهج التحايل على القضايا الخلافية، والتوجه نحو تحويل العلاقات لـ"مستوى استراتيجي"، وهو أمر لا يقتصر فقط على زيارة الرئيس التركي، ولكن على الصفقات التجارية والعسكرية والنشاطات المختلفة المتوقع تعزيز التعاون فيها بين البلدين.
مصر بالمقابل، ستدعم تعزيز الاستثمارات التركية فيها، وبالمقابل، لدى أنقرة فرصة للاستفادة من الدور المصري في مشاريع الغاز في شرق المتوسط، وكذلك في توسيع وجودها في أفريقيا، وهو أمر يعتبر من أحد الملفات المهمة في السياسة الخارجية التركية، بجانب التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية لخدمة مصالح البلدين، وقد أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأسبوع الماضي موافقة بلاده على "تزويد مصر بطائراتها المسيرة التي تحظى بشعبية كبيرة"، مشيرًا إلى أن الصفقة تأتي في "إطار تطبيع العلاقات بين البلدين".
كذلك، صفقة "المسيّرات" التركية لمصر لا ترتبط فقط بالجانب العسكري، بل أيضًا بالجانب التجاري، حيث تشهد مناقشات موسعة بين المستثمرين من البلدين، مع أهمية النقاش في الجانب الاقتصادي كجزء أساسي من التعاون الثنائي، وتدرس مصر وتركيا تطبيق آلية التبادل التجاري بالعملتين المحليتين وفق مناقشات بين البنك المركزي المصري ونظيره التركي، مع توقعات بتنفيذ نسبة تتراوح بين 20 و25 في المئة من حجم التجارة المشتركة بالعملات المحلية قبل نهاية العام الحالي.
في النهاية، إن تحسن العلاقات التركية المصرية يعتبر تطورًا إيجابيًا يسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة، ومن خلال تبادل الزيارات الرسمية وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، يمكن تحقيق مصالح مشتركة تعود بالنفع على البلدين والمنطقة بأسرها، وبالتزامن مع التفاهمات الاقتصادية والعسكرية والتجارية، يُعزز هذا التحسن من آفاق التعاون ويفتح الباب أمام فرص جديدة لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فالعلاقات بين البلدين تتجه نحو أن تكون أكثر شمولًا وتغطي مجالات السياسة والاقتصاد، ما يعزز من الاستقرار في المنطقة وخاصة في ظل التوترات الحالية، ناهيك عن أهمية المناقشات المستفيضة للقضية الفلسطينية والمواقف المشتركة بين البلدين، واستعداد تركيا لإرسال كميات كبيرة من المساعدات لأهالي غزة عبر معبر رفح خلال الفترة المقبلة.