الوقت – شهدت صحارى الأردن الفارغة مؤخراً واحداً من أسوأ كوابيسها، وهذا الكابوس ليس أكثر من موت جنود أمريكيين في قاعدة عسكرية تقع على الحدود الأردنية السورية، ففي 28 يناير/كانون الثاني، قبل حوالي أسبوعين، تمكنت طائرة مسيرة دون طيار من التسلل إلى قاعدة عسكرية أمريكية على طول الحدود الأردنية مع سوريا، والمعروفة باسم البرج 22، في جوف الليل، وحلقت الطائرة دون طيار فوق أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية المتقدمة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة عشرات آخرين.
وفي الساعات الأولى من الحادث، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق، التي تضم عادة كتائب حزب الله وجماعة النجباء، مسؤوليتها عن هذا الهجوم، وأعلنت عن أن هذا الهجوم جاء ردا على دعم أمريكا للعدوان العسكري الإسرائيلي على غزة.
ورغم أن جماعات المقاومة الإقليمية تعمل بشكل مستقل، إلا أن أمريكا دائما ما تنسب هجمات هذه الجماعات إلى إيران من خلال توجيه الاتهامات لها بتوجيهها، وهو اتهام نفته طهران مرات عديدة، لكنه في الوقت نفسه أدى إلى زيادة التوتر بين طهران وواشنطن.
رسالة إلى الأردن
ويعتقد بعض الخبراء أن الهجوم على القاعدة الأمريكية في الأردن يحمل رسالة ذات معنى إلى عمان، وقالت ميريسا خورما، المحللة في مركز ويلسون، لـ”العربي الجديد” إنه على الرغم من أن الهدف الأولي لهجمات فصائل المقاومة كان مواجهة الوجود الأمريكي، إلا أن هذا الهجوم يعتبر أيضًا بمثابة رسالة للأردن، وكان الهجوم على القوات الأمريكية في الأردن أول هجوم في هذا البلد منذ حرب غزة، وتتمتع المملكة الأردنية بعلاقات قوية مع أمريكا والغرب، وتعتبر منذ فترة طويلة مكانًا آمنًا للجنود الأمريكيين، لكن الهجوم الأخير على القوات الأمريكية أظهر أن الأردن لم يعد قاعدة آمنة ومأمونة للجنود الغربيين والأمريكيين، ويجب على الحكومة أن تفهم هذه القضية.
وتعتبر القاعدة الأمريكية التي تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة في الأردن، قاعدة استراتيجية للأمريكيين على طريق بغداد – دمشق، والتي تعترض طريق مجموعات المقاومة في الطريق من العراق إلى سوريا وبالعكس، ولذلك فإن القاعدة المذكورة ليس مرحباً بها جداً من قبل قوى المقاومة الإقليمية، ويبدو أن قوى المقاومة المسلحة غير راضية عن استضافة الأردن للأمريكيين في هذه القاعدة، كما يظهر الهجوم استياء فصائل المقاومة من استضافة الأردن للقوات الأمريكية.
ويرى عبد الله الحايك، المحلل الأردني المقيم في واشنطن، أن فصائل المقاومة نجحت في توسيع نفوذها في العراق وسوريا في السنوات الماضية، والآن يبدو أن الأردن بعد العراق وسوريا هو الهدف التالي لقوى المقاومة في مواجهة القوات الأمريكية.
غضب الأردنيين من الوجود الأمريكي
في هذه الأثناء، يشعر الشعب الأردني بغضب شديد إزاء استمرار جرائم "إسرائيل" في حرب غزة التي دخلت شهرها الرابع، وبطبيعة الحال، فإن هذا الغضب موجه بشكل أساسي نحو الولايات المتحدة، أكبر ممول عسكري ل"إسرائيل"، وتقدم الولايات المتحدة أكثر من 3.8 مليارات دولار مساعدات عسكرية ل"إسرائيل" سنويا، ومنذ الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على غزة، الذي خلف أكثر من 28 ألف شهيد، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية إضافية بمليارات الدولارات ل"إسرائيل"، وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الأغلبية أو حوالي 60% من المقيمين الأردنيين هم من أصل فلسطيني.
ومنذ وقت ليس ببعيد، أعلن مراد عادلة، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، باعتبارها الفرع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أن أمريكا توفر غطاء كاملا لجرائم الكيان الصهيوني، وتظهر هذه التصريحات غضب الأردنيين المتزايد تجاه الوجود الأمريكي، وفي الوقت نفسه، تزايدت شعبية الجماعات المناهضة لأمريكا في الأردن، مثل جماعة الإخوان المسلمين، بشكل غير مسبوق، في حين ينتقد الكثير من الأردنيين مملكة هذا البلد لاستمرار تعاونها مع أمريكا و"إسرائيل".
عقب الهجوم الأخير لطائرات المقاومة الإسلامية العراقية على الأراضي الأردنية، طالب أعضاء البرلمان الأردني بالتحقيق في الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد، وهذا هو أوضح مؤشر على تزايد استياء الرأي العام الأردني من الوجود العسكري الأمريكي.
وفي عام 2021، وقع الأردن اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة تسمح بالدخول الحر للقوات والطائرات والمركبات الأمريكية إلى أراضي المملكة للتدريب والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وفي المقابل تحصل المملكة الأردنية على مساعدات بقيمة 425 مليون دولار سنويًا، والنقطة المهمة في هذه الاتفاقية أن إقرارها تم في إجراء استثنائي خارج البرلمان بأمر ملكي، وليس عن طريق أعضاء البرلمان!
كما نشرت تقارير عن مشاركة الأردن في الضربات الجوية الأمريكية في العراق ردا على الهجوم على القوات الأمريكية في الأردن، وقد أثارت هذه القضية غضب العراقيين، لدرجة أن أحد أعضاء البرلمان العراقي اقترح قطع صادرات النفط إلى الأردن، لذلك، رافق الوجود الأمريكي في الأردن نوع من السخط والغضب لدى الرأي العام للمواطنين الأردنيين، ويبدو أن الولايات المتحدة أصبحت مصدر إزعاج للأردنيين.
جغرافية التوتر الجديدة في المنطقة
أظهر هجوم الطائرات دون طيار على الجنود الأمريكيين في الأردن أن الأردن يدخل في فترة من عدم الاستقرار، ويبدو أن حالة عدم الاستقرار التي نشأت في أجزاء من سوريا والعراق نتيجة الوجود العسكري الأمريكي تمتد الآن إلى الأردن، ويرى المحلل الأردني عامر سبايلة، أن الهجوم الأخير بطائرات دون طيار على الأراضي الأردنية، مؤشر على توسع العمليات المناهضة لأمريكا إلى "جغرافيا الأردن".
ومن الناحية الاستراتيجية، يعد الأردن أحد أهم مناطق الشرق الأوسط هذه الأيام، وهو المكان الذي اختارته قوى المقاومة للضغط على أمريكا.
إن استخدام المجال الجوي والحدود البرية للأردن لتسيير طائرات دون طيار ضد المواقع الأمريكية يضع علاقات عمان مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" في موقف حرج، وهذا الوضع سوف يشكك في بعض اتفاقيات عمان السابقة مع واشنطن، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن تواجه المملكة الأردنية ضغطين متعارضين: "ضغط الرأي العام المعارض للوجود الأمريكي، وضغط واشنطن التي تسعى إلى تثبيت وجودها في صحارى الأردن".