الوقت - ما هي إلا أيام على صدور قرار محكمة العدل الدولية، في 26 يناير/ كانون الثاني الجاري، يطالب كيان الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في القطاع، حتى عقد حزب "القوة اليهودية" الصهيوني اليميني المتطرف، مؤتمرًا سمّاه "مؤتمر النصر"، للترويج لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، وشمال الضفة الغربية، ردًا على أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بمشاركة وزراء ونواب كنيست.
إعادة الاستيطان.. ما الدوافع..؟
تكاد لا تخفى النوايا المباشرة لكيان الاحتلال وراء قيامه ببناء المستوطنات والتي هي سلوك استعماري أساساً يقوم بقضم أراض وفرض أمر واقع يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التابعة لكيان الاحتلال أن المشاركين في المؤتمر بلغ عددهم نحو ألف شخص من النشطاء اليمينيين، بينهم 12 وزيرا من حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إلى جانب وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وكلاهما يرأس حزبا يمينيا متطرفا في الائتلاف الحاكم.
وكان الشعار الرئيس في ذلك المؤتمر (ترحيل الفلسطينيين من غزة)، وذلك لتحقيق أهداف عدة منها: التوسع الجغرافي وقد تحدث عن هذا الهدف وزير السياحية "حاييم كاتس" وفق ما نقلت صحيفة "هآرتس" التابعة للكيان فقال: "اليوم، بعد 18 عامًا من فك الارتباط عن غزة، لدينا الفرصة لإعادة بناء وتوسيع أرض إسرائيل، هذه هي فرصتنا الأخيرة".
أما الهدف الثاني فكان الحفاظ على أمن الكيان، وذلك ما صرح به وزير الأمن القومي وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، إذ قال: "إذا كنا لا نريد 7 أكتوبر آخر، فعلينا العودة إلى ديارنا والسيطرة على (غزة)، نحتاج إلى إيجاد طريقة قانونية للهجرة الطوعية "، وهو أمر أكده وزير المالية وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش بقوله: "من دون استيطان لا يوجد أمن، ومن دون أمن على حدود إسرائيل، لن يكون هناك أمن في أي جزء من إسرائيل"، أما وزير الاتصالات شلومو كارعي فقد قال: "يجب أن نستوطن غزة".
موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري التابع للكيان ذكر أن سموتريتش وبن غفير، إلى جانب ستة من أعضاء الكنيست من أحزاب الحكومة، وقعوا على ما أُطلق عليه اسم (ميثاق النصر وتجديد الاستيطان)، الذي تعهد بأن الموقعين “سيعملون على تنمية المستوطنات اليهودية المليئة بالحياة” في قطاع غزة".
من جهة ثانية هناك "جهات ليكودية رفيعة انتقدت مشاركة وزراء ونواب من الحزب في المؤتمر الذي دعا إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة"، وفق مصادر في الكيان، والتي أكدت أن "الحدث بحد ذاته يلحق الضرر بإسرائيل على الحلبة الدولية في الوقت الذي تواجه فيه معركة إعلامية".
كما انتقد زعيم المعارضة في كيان الاحتلال "يائير لابيد"، المؤتمر، في منشور عبر حسابه بمنصة "إكس" فقال: "هذا يسبب ضررا دوليا لإسرائيل، وضررا لصفقة تبادل أسرى محتملة، ويعرض جنود الجيش الإسرائيلي للخطر، فتنظيم المؤتمر عبارة عن عدم مسؤولية فظيعة، نتنياهو غير مؤهل، وهذه الحكومة غير مؤهلة، وهي الأكثر ضررا في تاريخ البلاد".
الاستيطان الإسرائيلي
تعتبر الأمم المتحدة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة غير قانوني، وتدعو كيان الاحتلال إلى وقفه دون جدوى، محذرة من أنه يقوّض فرص معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين، وقد أيدت مرارا رؤية أن بناء "إسرائيل" المستوطنات يشكل انتهاكا للفقرة الـ 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، كما أن المجتمع الدولي يرى أن لجوء الكيان الإسرائيلي إلى توطين سكانه على أراض احتلها خلال حرب عام 1967، ليس أمرا قانونيا، بمن فيهم الولايات المتحدة التي كانت طرفا في هذا الإجماع الدولي.
الولايات المتحدة طالما كانت تشير إلى أن هذه المستوطنات "غير قانونية"، لكنها غيرت موقفها في 2019، ولا سيما بعد أن أعلنت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير قانونية، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي حينها مارك بومبيو: إن "وصف بناء المستوطنات الإسرائيلية بأنه مخالف للقانون الدولي لم يجد نفعا، ولم يساعد في إحراز أي تقدم في قضية السلام".
وفي المقابل السلطة الوطنية الفلسطينية رفضت القرار الأمريكي، وقالت إنه يشكل خطرا على "الأمن والاستقرار والسلام العالمي، وإن هذا التحرك يهدد باستبدال قانون الغاب بالقانون الدولي"، مؤكدة أن هذه الأراضي ملك للفلسطينيين، وترغب في أن تكون جزءا من دولة فلسطينية في المستقبل، فالاستيطان الإسرائيلي مصطلح يستخدم للإشارة إلى حركة استيطان استعماري يهودي في ظل كيان الاحتلال، ويشير إلى النشاط العمراني وإنشاء تجمعات سكانية يهودية حديثة على أرض فلسطينية، بالإضافة إلى ممارسات المستوطنين والدولة فيما يتعلق بالسيطرة على أراض أو نقل للسكان أو التحكم بقدرتهم على الحركة.
ويستخدم مصطلح المستوطنين الإسرائيليين للإشارة إلى مواطنين من كيان الاحتلال يعيشون أو كانوا يعيشون في التجمعات السكانية الاستعمارية اليهودية التي بنيت على الأراضي التي احتلها وتوسع عليها الكيان خلال حرب عام 1967.
إن مجموع ما أُقيم من الاستيطان القروي حتى انتهاء الانتداب البريطاني وإقامة كيان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية عام 1948 وصل إلى 290 مستوطنة قروية منتشرة في أنحاء فلسطين المختلفة، وخلال خمس سنوات من 1949 وحتى 1953 أُنشئت 300 قرية استيطانية جديدة، وشهد كيان الاحتلال موجة أُخرى من ازدياد الاستيطان القروي بعد حرب 1967 وحتى العام 1979 أُقيمت خلالها 79 مستوطنة قروية جديدة، وأخذت سياسة كيان الاحتلال الإسرائيلي توجه عنايتها نحو إقامة استيطان قروي وصناعي معاً على الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية.
الموقف الفلسطيني
نددت الخارجية الفلسطينية بالمؤتمر الصهيوني المنعقد تحت اسم "مؤتمر النصر"، وقالت في بيان: إن "الاجتماع الاستعماري بالقدس تحدٍ سافر لقرار (محكمة) العدل الدولية، وتحريضٌ علني بتهجير الفلسطينيين بالقوة".
حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قالت في بيان: إن "عقد الائتلاف الحاكم في إسرائيل لمؤتمر، يدعو فيه لضم الضفة وغزة إلى الكيان المحتل والاستيطان فيهما، وبمشاركة عشرات الوزراء والنواب في الكنيست، يكشف النوايا المبيتة لتطبيق جريمة التهجير والتطهير العرقي ضد شعبنا الفلسطيني"، مضيفة إن "تنظيم المؤتمر يعكس استخفاف هذا الكيان المارق بالقوانين والقرارات الدولية، وبقرارات محكمة العدل الدولية الأخيرة التي طالبته باتخاذ كل التدابير لوقف الإبادة الجماعية في غزة".
ودعت حماس في البيان "المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف حازم من عقد هذا المؤتمر، وإدانته بشكلٍ واضح باعتباره مؤتمرًا فاشيًا قائمًا على فكرة التطهير العرقي، وإلى الوقوف أمام الغطرسة والاستمرار في جريمة الإبادة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية شعبنا الفلسطيني تطبيقًا لمقررات محكمة العدل الدولية".