الوقت - تولى الجيش الأمريكي قيادة تحالف بحري يتكون من 12 دولة، لمواجهة هجمات الجيش اليمني.وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن القوات الأمريكية والبريطانية، المدعومة بأستراليا والبحرين وكندا وهولندا، شاركت في هجوم ليلي أصاب ما لا يقل عن 60 هدفًا، في 16 موقعًا في اليمن.
ووصفت الولايات المتحدة هذه الهجمات بأنها رد مباشر على الهجمات غير المسبوقة، التي نفّذها الجيش اليمني ضد السفن البحرية الدولية في البحر الأحمر، بما في ذلك استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، وقال الجيش اليمني أيضًا إنه سيرد على الهجمات.
قال الدكتور كمران كرمي، الباحث في شؤون السعودية والجزيرة العربية، عن هدف واشنطن من بدء هذه الهجمات: في الواقع، وحسب تصريحات أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، خلال جولته الإقليمية إلى غرب آسيا، فإن الهدف المزعوم للأمريكيين هو إعادة الأمن والاستقرار إلى البحر الأحمر.
إن الحفاظ على سيطرة واشنطن على البحر الأحمر، باعتباره أحد الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، أمر مهم للغاية، بالإضافة إلى ذلك، فإن أمن الممرات المائية الدولية مهم للغاية بالنسبة لحلفاء أمريكا، أي المتورطين في هذه التوترات، مثل السعودية، وغيرها من الجهات الفاعلة التي تمر أساطيلها البحرية والتجارية عبر البحر الأحمر.
ولذلك، منذ بداية الإعلان عن منع مرور السفن الصهيونية والدول الأخرى إلى موانئ فلسطين المحتلة من طريق البحر الأحمر من قبل الجيش اليمني، تعرضت الولايات المتحدة لضغوط من حلفائها الإقليميين بسبب عدم تعامله مع هذا التحدي.
وتابع كرمي: لذلك، قام الأمريكيون بهذه التحركات من أجل الحفاظ على هيبتهم المفقودة كقوة عظمى، وبهدف عدم خلق جبهة ثانية من التوترات في المنطقة بالتوازي مع حرب غزة، وهاجموا أهدافًا في اليمن جنبًا إلى جنب مع البريطانيين.
لكن يبدو أنه في العام الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا تتطلع إدارة بايدن إلى تصاعد التوترات في منطقة غرب آسيا، وخروج الأزمات القائمة عن السيطرة مع تشكيل حرب إقليمية.
ونتيجةً لذلك، قررت واشنطن إجراء عملية تكتيكية محدودة ومحددة على بعض المنشآت والقواعد والمطارات، الخاضعة لسيطرة أنصار الله داخل اليمن، وذلك لتحقيق الهدفين الرئيسيين.
وقف إطلاق النار في غزة هو المفتاح لخفض التوتر في باب المندب
رداً على سؤال ما إذا كانت هذه العملية ستخفف التوترات أم تزيدها، أكد الباحث في قضايا الجزيرة العربية: تقريباً حسب التصريحات والبيانات والمواقف التي أطلقتها السلطات اليمنية منذ بداية حرب غزة، فإن المصدر الرئيسي للتطورات التي تحدث الآن في البحر الأحمر، هو العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأضاف: ولذلك، فإن عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر، تتم بالتوازي مع تصاعد التوتر في غزة، وإذا اتجهت الحرب في غزة نحو وقف إطلاق النار، فإن صنعاء سوف تخفض أو توقف أعمالها الهجومية أيضاً، لذا، فمن الواضح أن أزمة غزة تشكل عنصراً أساسياً لفهم المشهد الذي يجري في المنطقة.
وحسب كرمي، نظراً لمفاوضات السلام الجارية بين السعودية واليمن، والتي لم تصل بعد إلى نتيجة نهائية، فإن الجانب اليمني يتطلع أيضاً إلى استغلال إنجازات هذه العملية على طاولة المفاوضات، وزيادة قدرته التفاوضية مع السعودية، لتحويل عملية السلام الهشة إلى إنجاز مؤکد ونهائي.
وبالإشارة إلى التداعيات الإقليمية للتطورات الأخيرة في البحر الأحمر وباب المندب، أكد هذا الباحث: اليوم تستطيع إيران وفصائل المقاومة أن تبعث برسالة إلى أمريكا وغيرها من القوى الكبرى، مفادها بأن لديها القدرة على تغيير قواعد اللعبة على المستوى الإقليمي.
ويعود تغيير اللعبة هذا إلى نموذج أساسي، وهو التوازن والموازنة بين عنصري الاقتصاد والتجارة مع الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولذلك، يمكن القول إن لهذه العملية أهدافاً قريبةً وبعيدةً، وهي تظهر في ظل الظروف السائلة وغير المستقرة التي تمر بها المنطقة.
وقال كرمي عن آفاق ومستقبل الأزمة الأخيرة في البحر الأحمر واليمن: باعتبار أن العمليات الأمريكية والبريطانية كانت دعائيةً بالأساس، وتهدف إلى إرسال رسالة وإظهار العزم، فإنها تعتبر بالأحرى انعكاساً لتهديد استراتيجي، وليس تهديداً لإعادة رسم المشهد الميداني في اليمن.
وهذا يعني أن الجيش اليمني، وخاصةً الجماعات والتيارات المساندة للمقاومة في الداخل اليمني، حقّق إنجازات ميدانية كبيرة خلال ثماني سنوات من الحرب مع التحالف العربي، وفي الوضع الحالي، ومع استعراض القوة في البحر الأحمر، سيتم الاعتراف بهم كواقع سياسي وعسكري واجتماعي على الساحة الميدانية لهذا البلد أكثر من ذي قبل.
وتابع: هذه العملية، بدلاً من أن تكون قادرةً على التأثير على المعادلات الداخلية لليمن، هي ناجمة أكثر عن تصرفات وردود أفعال الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة، بشأن إعادة تنظيم النظام الإقليمي والعالمي.
وفي الوقت نفسه، تحاول الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصةً جماعات المقاومة، إرسال رسالة مفادها بأن النظام الذي يرتكز على الولايات المتحدة قد انهار، ويتعين على الأمريكيين أن يتقبلوا حقائق عالم متعدد الأقطاب، حيث لن تتحرك قضايا الشرق الأوسط نحو الحل، من دون وضع الدور الذي تلعبه هذه القوى المحلية في الاعتبار.
وفي الختام، قال كرمي: إن حملة البحر الأحمر هذه هي استعراض للقوة في ممر مائي استراتيجي، وليس لها تأثير على معادلات اليمن الداخلية، وفي السنوات المقبلة، بجانب محوري البحر الأسود ومضيق تايوان، سيکون هذا البحر محور المعادلات والتصرفات وردود الفعل الرئيسية للفاعلين.