الوقت- أثارت الأحلام العسكرية للكيان الصهيوني لمحور فيلادلفيا قلقا لدى المصريين، وحذر مراقبون مصريون من تصاعد الوضع الأمني والعسكري بين مصر و"إسرائيل" نتيجة الهجمات على هذا الشريط الحدودي، وفيما تدخل الحرب شهرها الثالث، فإن العمليات العسكرية للكيان الصهيوني في غزة لاقت حاجز مقاومة قوات حماس وتقدمها البري في محاور عديدة في الشمال والوسط، وخاصة في مدن جنوب القطاع بما فيها خان يونس ورفح، لكن توقفت في الأيام الأخيرة رأس سهم هجمات الكيان، وتغير اتجاهه نحو الشريط الحدودي بين غزة ومصر تحت اسم محور "فيلادلفيا"، وتتعرض هذه المنطقة لاستهداف متكرر من قبل قوات الاحتلال.
الغارات الجوية
والأربعاء الماضي، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن هجوم "غير عادي" للجيش على الشريط الحدودي بين مصر وغزة بهدف السيطرة على محور فيلادلفيا وتدمير أنفاق المقاومة الفلسطينية في هذه المنطقة، ونقلت الجزيرة عن شاهد محلي تأكيده أن شدة القصف في هذه المنطقة تزداد كل يوم وتهتز المباني السكنية داخل الحدود المصرية من كثافته.
تجدر الإشارة إلى أن هجوم قوات الاحتلال على المنطقة العازلة بين مصر وغزة ليس الهجوم الأول من نوعه، إلا أن حجمه اشتد مؤخرًا، وبناء على ذلك، كشفت وسائل إعلام عن تصريحات منسوبة لنتنياهو، أمام الجلسة المغلقة للجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست الأسبوع الماضي، مفادها بأنه عبر عن نيته السيطرة على محور فيلادلفيا باعتباره الحدود بين غزة والحدود الشرقية لمدينة غزة ومصر.
إحداثيات محور فيلادلفيا
وجغرافياً، يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة مسافة 14 كيلومتراً من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً، وحسب معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" عام 1979، والتي أصبحت تعرف باسم معاهدة كامب ديفيد، فإن هذا المحور عبارة عن منطقة عازلة كانت تحت سيطرة وحماية هذا الكيان قبل انسحاب "إسرائيل" من قطاع غزة عام 2005.
وفي العام نفسه وقعت "إسرائيل" مع مصر بروتوكولا أطلق عليه اسم "بروتوكول فيلادلفيا" لا يلغي أو يعدل اتفاق السلام، لكن هذا البروتوكول يسمح لمصر بنشر 750 جنديا (كقوة شرطة وليس قوة عسكرية) في المنطقة.
منطقة لمكافحة تأسيس الإرهاب والنفوذ عبر الحدود
وبعد عامين، وبعد سيطرتها على قطاع غزة، سيطرت حركة حماس على هذا الممر المغطى بالأسلاك الشائكة، الذي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، وخلال السنوات التالية، عندما شدد الكيان الصهيوني حصاره على قطاع غزة، استخدم الفلسطينيون هذا الممر الحدودي للعبور إلى مصر، ومنذ ذلك الحين، شددت مصر أيضًا سيطرتها الأمنية على هذا الشريط الحدودي.
وتم تنفيذ العملية الأمنية المصرية في الفترة من أكتوبر 2014 إلى نوفمبر 2017 على 4 مراحل، 500 متر لكل مرحلة، نفذ خلالها الجيش المصري عملية كبيرة لحفر قناة عرضية من ساحل البحر شمالا حتى معبر رفح في مصر، وتم تفكيك المنطقة السكنية في مدينة رفح المصرية لتدمير الأنفاق المزعومة للصهاينة بشكل كامل.
دور مصر
أثارت الأحلام العسكرية للكيان الصهيوني لمحور فيلادلفيا قلق المصريين، وحذر مراقبون مصريون من تصاعد الوضع الأمني والعسكري بين مصر و"إسرائيل" نتيجة الهجمات على هذا الشريط الحدودي الذي يعتبر عازلا.
وفي هذا السياق، كتب مصطفى بكري، عضو مجلس النواب والصحفي المقرب من الحكومة المصرية، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، أن الجيش الإسرائيلي ينفذ هجوما على طول الحدود المصرية الفلسطينية تحت وطأة التصعيد، بحجة تدمير الأنفاق بين مصر وغزة..
وتابع بكري في تغريدته: هذا تطور خطير قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع بين مصر وإسرائيل.. حدود مصر خط أحمر"، كما أكدت الجزيرة نقلا عن مصدر عسكري مصري أن القاهرة حذرت وفد المخابرات الإسرائيلية الذي زار مصر قبل أيام من تواجد قوات إسرائيلية في محور "صلاح الدين فيلادلفيا" بالقرب من الحدود المصرية مع غزة.
أهداف "إسرائيل"
وحسب وسائل الإعلام الصهيونية، فإن دبابات جيش هذا الكيان بدأت عمليات برية من معبر كرم أبو سالم حتى محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر.
يمكن أخذ أسباب مختلفة في تحديد أهداف الكيان الصهيوني في هذه المنطقة، في المقام الأول، يبدو أن فشل الصهاينة في تحقيق أهداف العملية العسكرية وارتباك القادة السياسيين والجيش إزاء حقيقة أنه بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب، لا يوجد حتى الآن أي دليل على ضعف القوة العسكرية لحماس، ما دفع الصهاينة إلى تكثيف الحصار وتدمير الأنفاق المحتملة بين غزة ومصر لتدمير خط الإمداد المحتمل للمقاومة، و في هذه الأثناء، نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مؤخرا مقاطع فيديو تظهر بناء صواريخ ومعدات عسكرية أخرى داخل أنفاقها، وهو ما يبطل تماما افتراضات قادة الكيان بشأن خط الإمداد من مصر إلى غزة.
ومن ناحية أخرى، فإن الاستيلاء على الحدود البرية والبحرية لغزة هو هدف ربما يحاول الصهاينة تحقيقه، وخاصة أن حدود رفح في مصر خلال الحرب كانت الطريق الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبينما تتجه غزة التي يزيد عدد سكانها على 2 مليون نسمة، تهجر معظمهم، نحو كارثة إنسانية وسط حصار شديد وحتى تدمير البنية التحتية الاجتماعية والصحية، وخاصة المستشفيات، إلا أن الصهاينة يقفون ضد المجتمع الدولي، وقرارات الأمم المتحدة بتسريع إرسال المساعدات الإنسانية ستكسر هذا الحاجز، ومن وجهة نظر المراقبين الدوليين، فإن هذه القضية تتعلق بجهود الصهاينة الرامية إلى إخراج الناس قسراً من غزة.
وفي هذا الصدد، يرى اللواء فايز الدويري، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن تحرك الجيش الصهيوني باتجاه محور فيلادلفيا يهدف إلى فصل قطاع غزة عن صحراء سيناء ومصر، ويرى الدويري أن الغزاة، بعد فشلهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية العسكرية، يسعون إلى وضع كل المعابر المؤدية إلى قطاع غزة تحت سيطرتهم المطلقة.
وفي هذا الصدد، يرى هذا الخبير العسكري أن التحرك نحو الاستيلاء على منطقة فيلادلفيا الحدودية يرتبط بالخطة الصهيونية الأخيرة لإنشاء منطقة عازلة، وفيما يتعلق بالمنطقة العازلة التي يسعى المحتلون لإقامتها في قطاع غزة، رأى الدويري أنها ممكنة على ثلاث جبهات: 1- الجبهة الشمالية، بطول حدود الأراضي المحتلة مع قطاع غزة؛ 2- الحدود بين غزة ومصر. 3- محاولة التمركز في وادي غزة لفصل شمال غزة عن جنوبها.
تجدر الإشارة إلى أن بنيامين نتنياهو أبلغ في وقت سابق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنه في نهاية الحرب، تخطط "إسرائيل" لإقامة "منطقة عازلة عميقة" في قطاع غزة، كما كشفت القناة 11 الإسرائيلية مؤخرا أن جيش الاحتلال يستعد لإنهاء العمليات البرية خلال أسابيع قليلة، وأكدت أن المرحلة الثالثة تشمل خفض عدد القوات وتشكيل منطقة عازلة ومواصلة الهجمات المركزة، لكن هذا الخبير العسكري، في إشارة إلى تحول نتنياهو 180 درجة من الادعاء بالاحتلال السريع لغزة في بداية الحرب إلى تشكيل منطقة عازلة، مع رفض إمكانية أن يتمكن جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه المرجوة ميدانيا؛ كما لم يتمكن الجيش الصهيوني من السيطرة على هذه المناطق بعد 56 يوما من دخول منطقتي جوهرالديك وبيت حانون شمال قطاع غزة.