الوقت- أعلنت جماعة أنصار الله اليمنية مؤخراً رفع مستوى الجاهزية لمواجهة جميع الاحتمالات في مواجهة التصاعد الذي تشهده العلاقات مع "إسرائيل"، جاء هذا الإعلان ردًا على تصريحات إسرائيلية تلوح باللجوء إلى استخدام القوة ضد الجماعة، ووجه رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، القائد الأعلى لأنصار الله، مهدي المشاط، رسالة إلى أفراد قوات الجماعة، أكد فيها أن الدفاع عن فلسطين والقدس، والتضامن مع قطاع غزة، يشكل دفاعًا لا يقتصر على اليمن بل يمتد إلى الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء، وشدد المشاط على أهمية الوقوف في مواجهة الظلم ودعم المستضعفين، معبّرًا عن فخره بالموقف القوي في دعم القضايا العادلة، في وقت تتعرض فيه غزة لحرب إبادة جماعيّة ضحاياها عشرات الآلاف.
استعداد يمني لمواجهة التحديات
بشكل مباشر، بيّن المشاط في إطار التصاعد الحالي والتحديات الكبيرة التي نواجهها في غزة، مع التهديدات الواضحة من العدو الإسرائيلي، أنه "يتعين علينا جميعًا بذل أقصى الجهود لمواجهة هذه التحديات ومختلف الأخطار المحدقة بنا، يجب رفع مستوى الجاهزية وتعزيز الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات"، وكان أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد ألمح في وقت سابق إلى استعداد "إسرائيل" لاستخدام القوة في التعامل مع ما وصفه بـ "تهديد" من قبل جماعة أنصار الله في اليمن، وفي تصريحاته، زعم جندلمان أن هجمات الحوثيين على سفن شحن دولية تشكل تهديدًا على التجارة الدولية و"إسرائيل"، وأنه سيتم التعامل مع هذا التهديد بالقوة.
ولم يقدم جندلمان مزيدًا من التفاصيل حول كيفية "التعامل بالقوة" في مواجهة هجمات جماعة أنصار الله، وفي السياق نفسه، أعلنت الجماعة في وقت سابق عن "اعتراض سفينة نفطية تابعة للنرويج، كانت في طريقها إلى "إسرائيل" عبر البحر الأحمر، بصاروخ مناسب، بعد رفض طاقمها كل النداءات التحذيرية"، وكانت جماعة أنصار الله قد هددت بشكل متكرر باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، معلنة التضامن مع فلسطين، وفي دعوتها، حثت الجماعة الدول على سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن تجنبًا للتورط في التصعيد الحالي.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، ووفقًا لتقارير فلسطينية، بلغ عدد الضحايا أكثر من 18,412 شهيدًا، بالإضافة إلى ما يزيد على 50,100 جريحا، وتشكل غالبيتهم من الأطفال والنساء، يشير تقرير من مصادر أممية إلى حدوث دمار هائل في البنية التحتية ووصفها بأنها "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وحركة "أنصار الله" اليمنية، من خلال عملياتها في اعتراض سفن إسرائيلية وفرقاطات بحرية أمريكية وفرنسية، لم تقتصر على إظهار شجاعتها فقط، بل أسهمت بشكل فعّال في تحفيز مواقف معظم الحكومات والجيوش، التي اكتفت بالصمت المتواطئ إزاء العدوان على قطاع غزة، بل على العكس، تسارعت هذه المواقف لدعم إنهاء هذا العدوان وفرض حد له، ولمنع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما يشكل تحدياً بُطوليًا للحصار الإسرائيلي الأمريكي المشترك.
حركة "أنصار الله" وحكومتها في صنعاء أظهرت أقصى درجات الصمود والتصدي في دعم المقاومة في قطاع غزة، مواجهة حرب الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلي الأمريكي القاسية التي تستهدف مليوني فلسطيني، قامت الحركة بفرض حصار بحري عسكري وتجاري على دولة الاحتلال، بالتنسيق مع الدول الغربية الداعمة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال إغلاقها "عمليًا" باب المندب وكذلك إغلاق جميع الممرات البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب، وتمت هذه الإجراءات ليس فقط ضد سفن الاحتلال، ولكن أيضًا ضد جميع السفن الأخرى التي تحمل شحنات تجارية إلى موانئ الاحتلال، بغض النظر عن جنسيتها وهوية ملاكها، هذا التصدي يعكس التصميم على تحقيق مقاومة شاملة ضد السياسات العدوانية والحصار التي يفرضها الاحتلال.
أنصار الله يتحدثون ويتحركون، إنهم مستعدون للمشاركة في الحرب حتى مع الولايات المتحدة، وبالتأكيد مع "إسرائيل"، انتصارًا للشهداء وأسرهم في قطاع غزة، القضية الفلسطينية تُعتبر مقدسة بالنسبة لجميع اليمنيين دون استثناء، وتُظهر المظاهرات الضخمة في معظم المدن اليمنية دعمًا قويًا لهذه القضية، وعندما خرج العميد يحيى سريع، الناطق العسكري للقوات اليمنية، على شاشات التلفزيون اليمني للإعلان عن بيانه الأخير بشأن ضرب جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، قامت القوات اليمنية بإطلاق ثلاث طائرات مسيرة لضرب فرقاطة عسكرية فرنسية قبالة ميناء الحديدة، أكدت مصادر عسكرية فرنسية هذا الهجوم، مشيرة إلى أن الفرقاطة لانغوك تعرضت لهجوم بالمسيرات باستخدام صواريخ "إستر 15"، وتمكنت دفاعاتها الصاروخية من إسقاط اثنتين منها في أول عملية من نوعها تجاه البحرية الفرنسية.
والولايات المتحدة الأمريكية تُفضل الصمت وتمتنع عن الرد حتى اللحظة، وذلك لإخفاء حالة الارتباك التي تعيشها في الوقت الحالي، ويبدو أن هذا الصمت ينبع من خوف من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على أي رد انتقامي يستهدف اليمن وتحديدًا قوات "أنصار الله"، وصلت الأمور إلى حد أن الولايات المتحدة طلبت من "إسرائيل" عدم تنفيذ تهديداتها "الكاذبة" باللجوء إلى أي عدوان كرد فعل على احتجاز سفينتها في ميناء الحديدة.
تردد أمريكي واضح
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدم طلبًا رسميًا إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعماء أوروبيين آخرين، يدعو فيه إلى اتخاذ "الإجراءات اللازمة" لمواجهة الحصار البحري اليمني على "إسرائيل"وكسره، وقد هدد الجنرال تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، بالرد إذا لم يتعامل العالم بجدية مع هذا الأمر، ويعود التردد الأمريكي إلى إقرار راسخ في البيت الأبيض بأن أي عدوان على اليمن سيتسبب في رد فوري، حيث سيتم قصف القواعد الأمريكية في السعودية والإمارات وقطر والبحرين، حيث يتواجد آلاف الجنود الأمريكيين، ومن المثير للانتباه أن رد قيادة حركة "أنصار الله" على هذه التهديدات الإسرائيلية كان قصيرًا ومرعبًا في الوقت نفسه قالوا: "نحن جاهزون للحرب، وتفضلوا".
وحركة "أنصار الله" استمرت في الصمود لثماني سنوات خلال حرب اليمن، ولم تستسلم على الإطلاق على الرغم من الفوارق الكبيرة في التوازن العسكري، تمتلك الحركة عشرات، وربما مئات الآلاف من الصواريخ الباليستية والمجنحة، والمسيرات، وأعداد لا تُحصى من الألغام البحرية، بالإضافة إلى زوارق استشهادية سريعة، ويُظهر هذا أن تهديدات العميد سريع تأتي مدعومة بقوة عسكرية فعّالة وليست مجرد تهويل، وتعتبر "إسرائيل"، المدعومة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، تهديد سفنها من قبل حركة "أنصار الله" في اليمن على أنه حصار يتعارض مع مصالحها.
ومن الملاحظ أن هذه النقطة تثير الاستفهام حينما يتعلق الأمر بـ "إسرائيل"، إذ إنها قد فرضت حصارًا على قطاع غزة لمدة 17 عامًا، حيث تمنع عن مليوني نسمة من سكانه الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للبقاء، وتفرض "إسرائيل" تحديدًا قيودًا على الإمدادات الأساسية، وتقيد حركة الأفراد والبضائع، ما يؤثر بشكل كبير على حياة السكان ويحد من إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليم والتوظيف، بالإضافة إلى ذلك، يتم فرض قيود على الكميات الضرورية من الطعام، حيث يتم تحديدها بشكل محدد في عدد السعرات الحرارية المسموح بها يوميًا (2000 سعر للنساء و2200 للرجال).
وكانت القيادة السعودية تتحلى بحكمة استراتيجية عندما استجابت لطلب الإدارة الأمريكية بضبط النفس وعدم اللجوء إلى رد فعل متسرع في مواجهة احتجاز السفينة الإسرائيلية وسحبها إلى الساحل اليمني، كانت تدرك تمامًا، بناءً على الخبرة العملية، أن أي رد فعل قوي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وفي حال قررت تل أبيب اللجوء إلى القوة يعني ذلك قصف القواعد الأمريكية، وستسود حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، قد يتحول البحر الأحمر إلى ساحة لحروب مدمرة، وعلى وجه التحديد، قد يتعذر مرور 4 ملايين برميل من النفط إلى المستهلك الغربي عبر مضيق باب المندب، وهذا بدوره قد يتسبب في أزمة وقود عالمية نتيجة لنقص أو ارتفاع في أسعار النفط.
الخلاصة، تقوم القيادة الأمريكية حاليًا بمناقشة أمور أساسية مع حلفائها في المنطقة وحول العالم، الأمور تتعلق أساسًا بفرض تصنيف حركة "أنصار الله" على قائمة الإرهاب من جديد، وبتشكيل قوة عسكرية للحماية في بحر العرب وبحر الأحمر للتصدي لأي محاولة لإغلاق مضيق باب المندب، ولا يمكن التنبؤ بما إذا كانت الولايات المتحدة ستحقق أحد الأهداف المذكورة أو كليهما، ولكن الواضح أن أي خطوة قد تؤدي إلى توسيع النطاق العسكري في قطاع غزة وتحويلها إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، وهذا سيكون له تأثير كبير، وفي هذا السيناريو، ستكون الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون اليمن، بلد الحكمة والإيمان، الفائز الأكبر، ليس لأنه يتوقع الشهادة أو لأنه لا يملك ما يخسره، ولكن لأنه سيحقق انتصارًا جديدًا وعالميًا يضاف إلى رصيده التاريخي الضخم في هذا المجال، بالنسبة لليمن، الحياة هي وقفة عز.